الفن والسياسة:دراسة للأبعاد السوسيولوجية من منظور عينة من الفنانين

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

تهدف الدراسة إلي معالجة موضوع حيوي حول التعرف علي طبيعة العلاقة بين کلاً من الفن والسياسة، ودراسة الأبعاد الفکرية والفنية للمبحوثين ورؤاهم المتعددة والمتباينة من خلال خبراتهم الحياتية وتوسطهم بين الفن والسياسة کعمل وحياه، حول معني الفن، ودوره، وأهميته في القضايا السياسية، وطبيعة العلاقة التشبيکية بينهما، ولتحقيق هذا الهدف اعتمدت الدراسة علي المنهج الوصفي التحليلي (الاستقصائي الاستقرائي المقارن)، واستخدمت استمارة الاستبيان ودليل المقابلة لجمع البيانات الميدانية، واعتمدت علي عينة قوامها (112) تم انتقائها بشکل عمدي من الفنانين. وتوصلت الدراسة إلي العديد من النتائج أهمها وجود علاقة وثيقة بين أهل الفن والقضايا السياسية بالدولة، کما يشير أفراد العينة أنه أمکن حضور السياسي والفني في موضع واحد لأسباب متنوعة، وأن علاقة التحالف والمشارکة بين الدولة والفنانين جاءت علي رأس العلاقات بينهم، کما أظهرت النتائج اهتماما کبيراً من قبل الفنان المصري لأهم القضايا الثقافية والسياسية المعاصرة التي تؤرق المجتمع المصري، وأن أهم القضايا السياسية المعاصرة المنشغل بها والمتعاطي معها تبرز علي رأسها قضايا الإرهاب والتطرف، وأنه يمکن تحويل الفن إلي فن نافع ومنخرط اجتماعيا ومساهم في خلق حلول نوعيه.

الكلمات الرئيسية


الفن والسیاسة:دراسة للأبعاد السوسیولوجیة
من منظور عینة من الفنانین
محمد خضر سعید
الملخص:
تهدف الدراسة إلی معالجة موضوع حیوی حول التعرف علی طبیعة العلاقة بین کلاً من الفن والسیاسة، ودراسة الأبعاد الفکریة والفنیة للمبحوثین ورؤاهم المتعددة والمتباینة من خلال خبراتهم الحیاتیة وتوسطهم بین الفن والسیاسة کعمل وحیاه، حول معنی الفن، ودوره، وأهمیته فی القضایا السیاسیة، وطبیعة العلاقة التشبیکیة بینهما، ولتحقیق هذا الهدف اعتمدت الدراسة علی المنهج الوصفی التحلیلی (الاستقصائی الاستقرائی المقارن)، واستخدمت استمارة الاستبیان ودلیل المقابلة لجمع البیانات المیدانیة، واعتمدت علی عینة قوامها (112) تم انتقائها بشکل عمدی من الفنانین. وتوصلت الدراسة إلی العدید من النتائج أهمها وجود علاقة وثیقة بین أهل الفن والقضایا السیاسیة بالدولة، کما یشیر أفراد العینة أنه أمکن حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد لأسباب متنوعة، وأن علاقة التحالف والمشارکة بین الدولة والفنانین جاءت علی رأس العلاقات بینهم، کما أظهرت النتائج اهتماما کبیراً من قبل الفنان المصری لأهم القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة التی تؤرق المجتمع المصری، وأن أهم القضایا السیاسیة المعاصرة المنشغل بها والمتعاطی معها تبرز علی رأسها قضایا الإرهاب والتطرف، وأنه یمکن تحویل الفن إلی فن نافع ومنخرط اجتماعیا ومساهم فی خلق حلول نوعیه.
الکلمات الدالة: 
الفن، السیاسة، الأبعاد السوسیولوجیة، الفنانین.
 
 
Art and Politics: A Study of the Sociological Dimensions from the Perspective of a Population of Artists
 
Mohamed Mahmoud Khedr
 
Abstract 
 
This study aimed to explore the nature of the relation between art and politics. It also intended to investigate the intellectual and artistic dimension of this relation from the multifaceted and contrasting perspectives of respondents through their life experiences and their middle ground stance between art and politics as both work and life. It also explored the meaning of art, its role, and its significance for political issues and their interrelated relationship. To achieve this objective, this study relied on the descriptive and analytic method (deductive and inductive method). A questionnaire and an interview guide were used to collect field data from 112 artists who were intentionally chosen. The study came up with some conclusions, foremost among which is the close relation between artists and the political issues of the State. The subjects of the study opined that politicians and artists could work together for diverse reasons because this alliance and participation between the State and artists top this relation. The results also revealed that the Egyptian artist has paid due attention to the crucial contemporary cultural and political issues which concern the Egyptian society. Of these crucial contemporary issues are terrorism and extremism. The results, further, established that art could be employed as a useful social tool, contributing to finding qualitative solutions.
 
Key words:
art, politics, sociological dimensions, artists
أولاً:إشکالیة الدراسة وتساؤلاتها:
بلغ المصریون القدماء مستوی عالیاً من الإبداع الفنی فی کافة مجالاته السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، وکانوا یعبرون عما یجیش بخواطرهم فی صور نحت علی الأحجار الکریمة والجدران، والرسم علی ورق البردی، مهتمین بطبیعة الموضوع الفنی وتوافقه مع المواد المستخدمة سواء فی الرسم أو النحت أو غیره، وتأثیر المناخ البیئی أو الأوضاع السیاسیة علی نوعیة ومجال هذا الفن (Johann Joachim Winckelmann, Alex Potts,2006,P117). فی حضارة وادی الرافدین تم وضع تصورات عن الفن السیاسی دونت علی الأهرامات، المومیاوات، والمقابر، والتی کانت تخلق انطباعاً من العظمة والأناقة، فعلی سبیل المثال إذا ما نظرت إلی تمثال أحد الجنود فی مصر القدیمة فإن الفنان أبدع فی نحته واصفاً وقوفه بثقة علی قاعدة مستطیلة الشکل، والساق الیسرى إلی الأمام، والأسلحة مباشرة إلی الأسفل، وقبضة یدیه بها قوة ومرونة کبیرة، وهو منحوت من قطعة واحدة من الصلب والجرانیت الأسود (کما فی الشکل رقم 1) ذو عضلات رشیقة وقویة، وعظام ساقه قویة (Christina Riggs ,2014, PP 1-10)، وغیرها من الصفات التی یبرزها الفنان القدیم لقوة وعظمة الجندی المصری فی تلک الفترة المهمة من تاریخ المجتمع المصری، وحسن تدریبه مما یدل علی قوة الحاکم وقبضته لمقالید الحکم وترهیب الأعداء. کما کانت الدعوة إلی الفن ذا الصبغة السیاسیة لصیقة بالحضارة المصریة منذ ما قبلالتاریخ،لمعت بها انجازات مذهلة خلال 3000 سنة من الحضارة التی بینت التطورات الاقتصادیة والسیاسیة ونمط الحکم القائم، وکیفیة التعامل بین السلطة والشعب، حیث رصدت هذه الفترة مجموعة کاملة من الإنتاج الفنی السیاسی، والهندسة المعماریة الضخمة والنحت علی الجدران واللوحات والأثاث والمجوهرات والبردیات والفخار(JaromirMalek (1999), PP 15-23)، ما یبین العلاقة الوثیقة بین خیال الفنان المصری القدیم وما یفرض علیه لیؤرخه، حیث أعتبر الفن فی مصر القدیمة أحد أهم أدوات تسجیل تاریخ الحکام والأسر والفترات التاریخیة والحروب والانتصارات ووقت ازدهار واضمحلال حکم الأسرة الفرعونیة کواحدة من أعظم الحضارات الکبرى فی العالم. وسوف تظل قیمة التعبیر الفنی عن المجتمع ومشکلاته وتوجهاته السیاسیة تفرض نفسها بشکل دائم ومستمر، طالما کان هناک مجتمع یتحرک وینبض ویرنو إلى سد حاجاته الثقافیة والسیاسیة، وطالما هناک فنان ذو رؤیة وبصیرة ومهارة وهناک أیضاً مجتمع مشغول بقضایاه وأفکاره وتوجهاته وأحلامه نحو التقدم والاستقرار السیاسی، وسیظل هذا التناول القدیم الجدید جدیر بالاهتمام فی کل الأزمنة والأماکن نحو إبداع فنان فی واقع مجتمعی سریع التحول.
 
شکل رقم (1) لجندی من مصر القدیمة
ومع التحولات السیاسیة وتقدم المجتمعات وتعقدها؛ تبلور مفهوم الفن السیاسی. حیث ظهر جلیاً هذا النوع من الفن بعد أن انخرط الفنانون مع الحرکات السیاسیة والشعبیة بعد عام 1945، عقب الأحداث العالمیة الکبرى والتی میزت حقبة ما بعد الاستعمار، وظهر الفنان السیاسی، والفنان المناضل، والفنان المهتم برصد حرب العصابات المتزایدة فی تلک الفترة، نحو تأصیل اتجاه جدید من الإنتاج والإبداع الفنی للواقع السیاسی سریع التحول، ولم یقتصر ظهور هذا النوع من الفن علی المجتمع الغربی إذ تلاحظ وجوده فی نفس الوقت فى غرب أفریقیا والشرق الأوسط، وکان ترکیزه على رصد المشکلات ودور المعارضة السیاسیة تجاه النظام الحاکم، وتحولت أسالیب هذا الفنان وتطورت إلی التصویر الفوتوغرافی واستخدام نماذج متطورة من الأدوات والتقنیات الفنیة مثل ترکیب الصور أو استراتیجیات الفن المفاهیمی. وفی عام 1960 بدأ الفن السیاسی یتناول أهم القضایا والأطروحات القومیة والطبقیة والاضطرابات السیاسیة ( مثل الحرب ضد الإمبریالیة وجرائم الشرکات) التی اشتدت بعد عام 1990 فی العالم.وظهر خط واضح بین مفهومی الفن والسیاسة بین الجنسین من ناحیة والهویة والشخصیة من ناحیة أخری بعد عام 2000، حیث کان تسییس الفن التجریدی الحدیث فی تلک الفترة بارزاً بشکل واضح من قبل فنانی المعارضة خصوصاً فی الولایات المتحدة الأمریکیة، ضد ممارسات الحرب العالمیة الباردة وتأثیراتها السلبیة الممتدة (Claudia Mesch (2013); PP 1-17). ومن ثم فقد أصبحت فکرة الفن السیاسی بعد الخمس سنوات الأولی للثورة المصریة 2011-2013 بالغة الأهمیة لما تجسده من تمحیص لأسوار الحریة؛ من خلال مجموعة متمیزة من الصور الفنیة والتی (نقشت أو رسمت أو لصقت) علی جدران المحروسة کشهادة بصریة علی التحولات العمیقة من التعبیر عن الرأی والمعارضة البناءة ومقاومة الفساد فی المجتمع، فیما نسق بعض الفنانین الخطوط الرئیسة لإبداعهم الفنی (ذى التوجه السیاسی) مع بعضهم البعض، نحو تحویل الشوارع القاتمة إلی صحیفة مشرقة للشعب النابض، کما لاحظنا کیف جسدت الدراما التلیفزیونیة السیاسیة المشهد بشکل معبر خصوصاً بعد ثورة 30 یونیو مثل مسلسل ( الجماعة)، وغیرها من الأعمال الفنیة التی دمجت الواقع المعاصر مع الخلفیات التاریخیة والاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة التی شکلت هذا نوع من الفن المتعدد (BasmaHamdy, Don StoneKarl(2015); PP 5-19).
وإذا کان الفن السیاسی هو أحد أهم أدوات الفنان للتعبیر عن قضایا مجتمعه ومشکلات الناس المتعددة لسد احتیاجاتهم، فإنه فی ذات الوقت أیضاً لغة مهمة للتعبیر عن المصلحة العامة للطبقات الاجتماعیة وشرائح المجتمع المتعددة والمتنوعة، سواءً من خلال رسمه علی الجدار أو کاریکاتیر فی صحیفة أو نحت لجداریة صلبة (John R. Wallach (2010); PP 23-24).کذلک یفرض الفن أهمیة کبیرة علی القضایا السیاسیة والتعبیر عنها بشکل عقلانی بعیداً عن التطرف، ویهتم بلغة الحوار ودحض قیم العنف، کما یهتم بالتعبیر عن صوت الدولة وإیصاله للشعب وقت الأزمات والکوارث، وأیضاً یدعم الفن قیم المحافظة علی النظام الاجتماعی السلیم، ویهتم بقضایا التفاوت بین البشر فی المکانة الاجتماعیة تحقیقاً لمبدأ العدالة والاحترام، کما یهتم بالأمن القومی والشخصی للمجتمع وأفراده، وتقییم الماضی ورؤیته لآفاق المستقبل، وشکل ممارسات الدولة للسلطة ونمط علاقاتها التشبیکیة مع المجتمع، کما یظهر الفن أهمیته بشکل ملحوظ فى أوقات الانتخابات والاستفتاءات والتغیرات الوزاریة .. وغیرها (Murray Edelman (1996); PP 130-131.).حیث تعبر الصورة الفوتوغرافیة أو المرسومة -علی سبیل المثال-عن الهویات وشبکات الانتماء والتحالفات السیاسیة الغامضة، لما فی الصورة من قدرة علی معالجة المواقف والموضوعات المتعددة، کما یبنی الفن علاقة قویة مع السیاسة، ویقوم بوظیفة حاسمة فی صیاغة الهویات الفکریة، فی إطار مثلث الفن (الفنان – الجمهور –السیاق التاریخی)، من خلال عالم الإنتاج الثقافی المعاصر، والراویات المرئیة أو النصیة، والتاریخ ومصادره المتنوعة البصریة أو المکتوبة (Pia F.Cuneo(2002); PP 4-5).
ویرشدنا ذلک إلی محاولة النظر فی طبیعة العلاقة التبادلیة بین کلاً من الفن والمجال السیاسی، حیث أن الفن السیاسی یرتکز بالأساس علی التعبیر عن القضایا المعاصرة؛ فهو سلاح فطری یمتلکه الفنان للتعبیر عن الواقع السیاسی ومشکلاته العمیقة والمعقدة بین الخیال الإبداعی والمخیال الاجتماعی للباحث العلمی، فالاستحقاق الرئیسی هنا أن الفن السیاسی یعانی من أزمة فی تقدیم الفن السیاسی الهادف إلی تنمیة المجتمع المصری،وتراجع مکانته الفنیة، وأصبحت صورة فوضویة المجتمع المصری هی ما یهدف إلیه بعض القائمین علی الفن، إما نتیجة قلة الثقافة أو لأغراض فنیة مسیسة، فی الوقت الذی تحتاج فیه مصر إلی الفن الذی یبرز  القیمة التاریخیة والثقافیة لمصر والمصریین، فی وقت الأزمات الاقتصادیة والسیاحیة والثقافیة التی تمر بها البلاد، فالفنان السیاسی یبرز إیجابیات وسلبیات مجتمعه نحو التطویر والتنمیة، ولیس الفن الوحدوی التشاؤمی المدمر للعزائم، والداعی للفوضى، ذا التأثیر النفسی السلبی. والدراسة الراهنة تحاول إبراز جوانب وتأثیرات هذا النوع من الفن السیاسی علی المجتمع، وأنماطه، وأهدافه، وأهم الأعمال الفنیة المؤثرة، وکیفیة تناول القضایا والمشکلات المجتمعیة وکیفیة إصلاحها، ومعرفة منظومة القیم المؤثرة والمتأثرة إزاء هذا النوع من الفن. فالفنان المصری جدیر بتناوله دراسیاً بشکل علمی لما له من دور مهم علی المجتمع بکافه جوانبه، وتثقیفه سیاسیاً ضرورة وطنیة، حتى یکون السلاح الفطری لتثقیف المجتمع فنیاً وسیاسیاً والتفاعل مع کل ما یدعم الوطن من مساندة ودعم للإیجابیة ونبذ ورفض الفوضى والعنف، نحو الرقی بقیمة الوطن واحتیاجاته الملحة.فإذا ما رأینا أبرز أعمال " لیوناردو دا فینشی" نجدها تشیر إلی ذلک الخط المهم بین علاقة الفن بالسیاسة وتشکیله للهویة الوطنیة، والتحلیلات التاریخیة الاجتماعیة، وعلاقة الرؤى اللاهوتیة مع الواقع المعاش، ومناقشة التفاعل الدینامیکی بین السیاسة والعلمانیة، والأولویات السیاسیة والمقتضیات الراهنة، وأطر ممارسة السلطة، مما یؤکد ضرورة بناء أیدیولوجیة وطنیة للفنان، نحو الإصلاح والتنمیة السیاسیة، کذلک ضرورة الترکیز علی مصطلح الفن المنتج للوظائف السیاسیة المتعددة للسلطة والحکومة (Briar Holt (2012); PP 11-15).نحو دحض التفسیرات والمعانی السیاسیة التی تحمل قدراً کبیراً من التناقض والعبثیة والفوضویة، فی إطار العلاقة بین الصورة والجمهور، والصورة والسیاق التاریخی، نحو الإجابة علی التساؤل الملح؛ کیف یساعد الفن علی احتضان الهویة والوطنیة وعدم تمزیقها؟ وخلق نهج جدید لدراسة الفن السیاسی الداعم للمجتمع واستقراره. وإبراز التأثیر المتبادل حول قضیة "لیس فقط کیف أثرت السیاسة فی شکل الفن فی مصر ولکن أیضاً کیف أثر الفن بأشکاله المتنوعة على الواقع السیاسی المعاصر؟".
وفی ضوء ما سبق تتمحور إشکالیة الدراسة حول تساؤل رئیسی مفاده: "هل ثمة علاقة تفاعلیة بین الفن والسیاسة، بمعنی هل کلاهما یؤثر فی الآخر ویتأثر به، وهل یمکن النظر إلى الفن فی علاقته بالقضایا السیاسیة الراهنة بوصفه متغیراً مستقلاً وتابعاً فی آن واحد؟".
     وتنبثق عن هذا التساؤل الرئیسی مجموعة من التساؤلات الفرعیة:
1. ما علاقة الفنان المصری بالقضایا السیاسیة المعاصرة؟ وما خصائص هذا الفنان؟ وإنتمائاته الأیدیولوجیة؟ وکیف یعبر عنها؟
2. ما الکیفیّات والطرق التی تمکن حضور السیاسی والفنّی فی موضع واحد؟ وما الدور الذی یمکن أن یتبوأه الفن فی السیاسة والعکس؟ وما شکل العلاقة والممارسة بین الفنان والدولة؟
3. ما موقف الفنان المصری من القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة والاتجاهات العامة للدولة؟ وهل یتمکن من التّمییز بین هذه الاتجاهات بحیادیة؟ ویمتلک موقفاً نقدیاً منها؟
4. کیف یکون الفنان سیاسیاً وغیر متحیز أو فوضوی؟ وکیف یوازن بین خیاله الإبداعی ومخیاله الاجتماعی لمعالجة مشکلات وأزمات مجتمعه؟
5. ما السبیل نحو تحویل الفن إلی فن منخرط اجتماعیاً وفن مساهم؟ ومتدخل بصورة مباشرة وبطریقة عملیة فی المجالات والاحتیاجات المتنوعة للمجتمع؟ وهل یمکن القول أن هناک فن نافع وفن مدمر؟
ثانیاً: أهمیة الدراسة ومبررات إجرائها:
تکتسب الدراسة الراهنة أهمیتها من خلال معالجة موضوع حیوی یتعلق بقضیتین هما (الفن والسیاسة) اللذین یمسان فکرة الوعی لدی الجماهیر العریضة من المجتمع، فتلاحم القضیتین یمکن المجتمع من التعامل بسلاسة مع من یبث قیم الوعی الزائف المضلل للأفراد (Marc James Léger (2012) ; P 9). فالعمل الإبداعی من السهل وصوله للناس وتغییر أفکارهم وأولویاتهم، فکان من الأهمیة بمکان تناول هذه العلاقة التشبیکیة بین الفن وما یبثه من أیدیولوجیات (تبنی وأخری تهدم) والقضایا السیاسیة الشائکة فی مجتمعنا. کما تستمد هذه الدراسة أهمیتها أیضاً من کونها قد تکون من الدراسات القلیلة – نسبیاً –التی اهتمت بدراسة العلاقة بین کلاً من الفن والسیاسة دراسة حقلیة میدانیة؛ حیث إن الغالبیة العظمی من الدراسات التی اهتمت بهذه القضایا إما تناولت موضوع الفن منفرداً أو تناولت موضوعات القضایا السیاسیة منفردة. کما أن هذه الدراسات تناولت کلاً من الفن والقضایا السیاسیة نظریاً، فی حین أن الدراسة الراهنة اهتمت بدراسة الأبعاد الفکریة والفنیة للمبحوثین ورؤاهم المتعددة والمتباینة من خلال خبراتهم الحیاتیة وتوسطهم بین الفن والسیاسة کعمل وحیاة، حول معنی الفن، ودوره، وأهمیته فی القضایا السیاسیة، وطبیعة العلاقة التشبیکیة بینهما، والتی تسهل علی السلطة ومنظمات المجتمع المدنی وضع تصورات وحلول معاصرة لأهمیة الفن بنوعیه (البناء – الهدام) علی المجتمع نحو تحقیق مجتمع مستقر، متطور، ومعاصر.
ومن خلال ذلک انطلقت الدراسة الراهنة من مبرر رئیسی مفاده: أن علاقة الفن والسیاسة تظهر جلیة فی المجتمع المصری علی خلفیة الأزمات السیاسیة والمواجهات والاضطرابات، فالممارسة الفنیة غالباً ما تتناول الخطاب الجدلی مع النخبة والدولة ضد الثقافة والسیاسة المحافظة والتقلیدیة، فی إطار معارضتها والقفز فوق رتابتها، ساخرة من الأوضاع المادیة والفروق الطبقیة وحتى الثقافة الجماهیریة للمجتمع (Patrick Kane (2013);PP1-56). وبما أن معالم العلاقة بین الفن والسیاسة شائکة وخطیرة سواءً فی بناء المجتمع واستقراره وتقویم مساره للأفضل أو هدم المجتمع وسقوط مؤسساته وتخریب قیمه ومثله العلیا؛لذا فإن مسئولیة الباحثین فی مجال العلوم الاجتماعیة والسیاسیة تکمن فی توجیه صناع القرار والسلطة ومؤسسات المجتمع المدنی فی هذا العصر الملتبس قیمیاً والمتباین أیدیولوجیاً نحو ضرورة خلق قیم الفن الإبداعی النافع والذی یحافظ علی القیم دون تمزیقها، وعلی المجتمع دون تدمیره أو تشویه أخلاقه الفطریة، بفن قد یکون مسیس ونابع من بیئة غیر صالحة لبیئتنا العربیة.
ثالثاً:رؤیة نقدیة للتراث النظری والبحثی لموضوع الدراسة:
1. الأطر النظریة للدراسة:
إذا ما کانت إشکالیة الدراسة تسعی إلی رصد طبیعة العلاقة بین کلاً من الفن والسیاسة، ودراسة الأبعاد الفکریة والفنیة للمبحوثین ورؤاهم المتعددة والمتباینة من خلال خبراتهم الحیاتیة وتوسطهم بین الفن والسیاسة کعمل وحیاه، فکان ضروریاً الرجوع إلی التراث النظری لموضوع الدراسة الحالی، حیث أمکن ذلک الوقوف علی عدد من المقاربات النظریة لکل من مفهوم الفن السیاسی والخیال الإبداعی والاجتماعی، نعرضهما علی النحو التالی:
أ- المقاربات النظریة للفن السیاسی:
ینظر "ستار ویل" إلی الفن السیاسی نظرة فلسفیة جمالیة، فیری أن العمل الفنی هو أداة لنقل الخبرات والتجارب بلمسة إبداعیة فی أوقات الانقسامات والأزمات، بشکل أکبر نسبیاً، کما أن جملة الفنون الجمیلة داخل المجتمع تساعد علی التعبیر عن قضایاه، وهی فکرة حدیثة نسبیاً، کما أنه لا یمکن قبول تجزئة الفن إلی مقبول ومرفوض، لأنه نابع من ظروف الإنسان وواقعه، کذلک ینتج الفن وتترسم ملامحه من الثقافة المحلیة والبیئة المحیطة بالفنان (Southern Illinois University at Carbondale. Philosophy(2007); P 26). ویری "تشارلز جاریان" أن الفن السیاسی تبلورت ملامحه بقوة بعد فترة ما بعد الحداثة، وأخذ شکل المقاومة عن طریق إرسال رسائل إیجابیة أو سلبیة، تتلاءم بشکل فعال مع الاحتجاجات الشعبیة ذات النمط السیاسی، وقد میز "جیرو" بین نمطین من الاستراتیجیات الحداثیة للفنون السیاسیة؛ نمط التمثیل السیاسی الحداثی، ونمط "المقاومة" فی فن ما بعد الحداثة، ویختلف النمطان فی الأفکار الفنیة والمجتمعیة والوسائل المستخدمة، طبقاً للظروف الثقافیة، والتاریخیة، والقضایا المعاصرة (Charles R. Garoian(1999); PP65-68).
کما یربط "برتولتبریخت" بین أهم أعماله المسرحیة وتشکیلة قصائده المتنوعة، وبین نمط التفکیر السیاسی السائد فی فترة القرن العشرین، التی کانت تمتاز بالتنوع والابتکار والإثارة، وکانت اهتمامات القراء فی تلک الفترة تشمل النواحی الثقافیة والجمالیة والسیاسیة، وکانت غالبیة کتابات – بریخت- تمتاز بتجربة الفکر الدینامیکی، والتی کانت تعمل بشکل جذری مع التحول الکبیر فی الجوانب الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة، واقتناعها بأن العالم یحتاج إلی التغییر السلمی من خلال طرائق الفن المتعدد، کما أعدت أعماله المسرحیة نموذجًا مهمًا للحدیث عن مشکلة الفلسفة البرجوازیة، والمقاومة السیاسیة للنازیة (Bertolt Brecht (2015); PP 14-16).فیما أکد "کلاوس فون"علی وجود علاقة بین النظریات السیاسیة والأیدیولوجیة وبین الفنون التصویریة قدیماً وحدیثاً، فغالباً ما یرنو الفنانون إلی التصویر أو الرسم داخل الأنظمة الفرعیة المهیمنة أو السلطویة تعبیراً منهم عن رفضهم أو قبولهم لقرار سیاسی أو اقتصادی معین، کما تحدی بعض الفنانین الطلیعیین القیم التقلیدیة المتوارثة والمفروضة علیهم من خلال فنهم،والترکیز علی الوقت المعاصر والمستقبل المنشود، وانتقدوا فی فنونهم مصطلحات کانت منتشرة فی الماضی مثل "السحر" و"الأسطورة"، وابتغوا التحرر الفنی والاجتماعی فی أعمالهم المتنوعة، وهاجم – فون- الفنانین الأمیرکیین من خلال کتابه "کیف سرقت نیویورک فکرة الفن الحدیث" من الفرنسیین، ووضح أهمیة أعمال الإسبانی بیکاسو- الذی توفی فی فرنسا ودفن فیها- وربطها مع الجوانب السیاسیة والدیموقراطیات الأوروبیة والثقافیة والاقتصادیة داخل المجتمع، کما سعی فون إلی ربط الفن القدیم ودمجة مع الوسائل التکنولوجیة الحدیثة لزیادة التطویر والتحدیث(Klaus von Beyme(2013); PP 118-133).ویشیر"راسیلبیرمان" أن الفن السیاسی هو تجسید إبداعی مستقل وتکوینی لممارسات السلطة القائمة داخل المجتمع، وهذا الفن یعالج القضایا – حتى المحظور منها- السیاسیة والاجتماعیة بطریقة جمالیة مبتکرة، وأن الفن یمکن أن یعالج کافة الموضوعات بطریقة سلمیة وجذابة، کما أنه من الصعب تزییف أو تشویه الحقائق المجتمعیة المعبر عنها بالفن، وهی إحدى خصائصه، کما النضال من أجل السلام هو من أهم وظائفه، بالإضافة إلی أن الفن یعبر عن أهم القضایا الدینیة والأخلاقیة الشائکة داخل المجتمع فی صورة منطق وجمال وإبداع للحیاة المعاشة، سواء من خلال لوحة مرسومة أو تمثال منحوت أو نص مکتوب أو تعبیر تمثیلی أو جداریة منقوشة، وکان مؤلف " أفکار حول العمل" نموذج مهم فی وصف الحیاة السیاسیة عن طریق الفنون المتنوعة، ونواة الکتب فی اندماج الفن والسیاسیة لمعالجة العدید من القضایا المثارة داخل المجتمع (Russell A. Berman (1989); PP 80-178).
ویری "دییغو فون" أن الظاهرة الفنیة تجسد تحدیاً کبیراً للنظریة السیاسیة التقلیدیة، حیث إن الفن متجدد ویؤسس منظور جمالی جدید للحیاة السیاسیة من خلال نقدها أو وصفها، فالإدراک الحسی الجمالی شرط أساسی لتحقیق التجربة الإنسانیة، ولاسیما الحیاة السیاسیة العادلة، والفن السیاسی نموذج مهم لتقاطع النظریة الجمالیة والفلسفة السیاسیة، حیث یمکن ترجمة اللغة السیاسیة إلی لغة جمالیة ومشاعر وأشکال معبرة عن الواقع المعاصر، فالخداع والنضال والصدق والحملات الانتخابیة وفکرة النظام والدستور؛ یمکن تلخیصها فی لوحة أو نص أو مقطع تصویری، فی أوقات التحولات الثقافیة والسیاسیة التی یمر بها المجتمع بعد صخب الرأی العام، فالسیاسیة یمکن فهمها بشکل جمالی من خلال اختراق نظریة الفن لمجال الحیاة السیاسیة (Diego A. von Vacano(2007); PP 60-145).فیما یشیر"جون أور" إلی تلک العلاقة الوثیقة بین الفن والسیاسیة، حیث نبه إلی أهمیة دور السینما فی التعبیر عن حقوق الجماهیر السیاسیة والاقتصادیة، ومخاطبة الضمیر والحس الشعبی بحقوقهم وواجباتهم تجاه أوطانهم، حیث إن الروایات التی یتم تجسیدها علی شاشات السینما عبارة عن تشریح للصراعات الداخلیة بین الجمهور والهویة الشخصیة فی عالم متغیر، فالعالم الآن غارق فی أفلام وروایات الخیال العلمی والرعب، فرغم خوفهم من مصیر شخصیات هذه الروایات إلا أنهم راغبون فیها لحاجتهم لثقافة مغایرة، وشدیدة الغرابة عن ذواتهم وأفکارهم، ترنو بهم إلی عالم جدید، ومن ثم نزوح الروح للحداثة الجمالیة (JohnOrr (2000); PP 183-199). 
ب- المقاربات النظریة للمخیال الاجتماعی:
یشیر "أورمرود" فی رؤیته النظریة إلی وجود علاقة بین القضایا السیاسیة والمخیال، وتتضح خصائص المعالجة بینهم فی موضوع الحرکات الاجتماعیة داخل المجتمع بناءً علی التصورات المستقبلیة للمعالجة السیاسیة من قبل المفکرین، حیث إن المخیال یکمن فی ذاتیة المفکرین وتصوراتهم لتحولات المجتمع، بین ثنائیة الواقع والخیال الإبداعی. وهذه الرؤیة تعکس "تصورات" أولئک الذین یستخدمون الطوبولوجیا الفلسفیة کأساس للتنظیر الاجتماعی والسیاسی، والتی تمثل منعطفاً بعیداً عن الواقع والعمل الاجتماعی، کذلک یعتمد تحلیل المخیال على الممارسة والنشاط العام للمجتمع من ناحیة والسلطة القائمة من ناحیة أخری وعلی تأویل المفکرین لربطها مع اللاوعی واللامنطقیة الاجتماعیة، وما قد یحدث فی المستقبل. کما یمکن تفهم المخیال الاجتماعی بأنه وجودی تصوری، أی لا یقفز المفکریین إلی اللاواقع إلا بذات الواقع، والمخیال هو شرط ضروری للتعبئة السیاسیة نحو تغییر أفکار السلبیة الاجتماعیة وتغییر الوضع الثابت بوضع أفضل. کذلک یقرب –أورمرود- بین المخیال وبعض المصطلحات مثل الوهمیة أو المدینة الفاضلة، ویسعی إلی وجود مجتمع لا توجد فیه صور سلبیة، علی سبیل المثال وجود حرکات اجتماعیة داخل المجتمع دون صورها السلبیة مثل أعمال الشغب من قبل المتظاهریین أو أعمال القتل خارج نطاق القانون من قبل السلطة، وهو نوع من الیوتوبیا الشمولیة، نحو إیجاد حیاة اجتماعیة خالیة من التناقضات والتنافرات بین مکوناتها، ولدیها من التأثیرات والهویات والرموز الثقافیة والإبداعیة، ما یمکنها من تحقیق مکانة جدیدة لمجتمع أفضل (J. Ormrod(2014); PP 3-127). فی حین تری النظریة النقدیة وعلی رأسها "یورغنهابرماس" أنه یمکن تطویر إنتاج أیدیولوجیة اجتماعیة ذات مغزی وفائدة من خلال دمج بعض الأفکار الإبداعیة الموجودة فی مخیال المفکریین والمبدعین وربطها بالمفاهیم والقضایا العقلانیة بالمجتمع، وهو یجسد الحلقة المفقودة بین فکر البنیة الفوقیة والقاعدة الاجتماعیة والاقتصادیة للمجتمع، نحو فهم أکثر تکاملاً للقوی الطبیعیة والاجتماعیة، وتعبیراً صادقاً للبنی التحتیة نحو العملیة الاجتماعیة، کذلک فهم طبیعة الوظائف المتعددة لأیدیولوجیات السلطة، والعوامل المؤثرة فی الاقتصاد، تحت تأثیر الإبداع والتطویر (Kenneth MacKendrick(2008); PP 15-16).
کما ینظر "هاری دامس" إلی ثقافة المخیال الاجتماعی علی أنها المحدد لاتجاه التغیر الثقافی والنفسی والاجتماعی للجماهیر داخل أی مجتمع، فالخیال الفنی هو المعبر عن الرغبة الجمعیة، داخل ذاکرة اللاوعی، فعلی سبیل المثال یرنو الناس إلی التحرر من أی قمع أو التنظیم ضد أی فوضی، بلغة مختلفة وهی الإبداع الفنی، تحت وطأة القیود المفروضة من قبل النظام القائم من ناحیة أو مثیری الشغب من ناحیة أخری، والسعی نحو تحقیق الإشباع وتحقیق حیاة بلا عوز، کذلک یحرز مخیال الفنانین أو المفکریین الاجتماعیین تقدماً کبیراً وتحولاً للأمام، عن طریق خلق نسق جدید بأدوات تطویریة جدیدة، فالمخیال وبناء التصورات المستقبلیة للمجتمع تبنی عند البعض منذ طفولتهم، وتتجه نحو بناء مجتمع مفکر ومبدع، فعلی الدولة التنقیب عن أصحاب هذه الأیدیولوجیات الإبداعیة نحو تنمیة المجتمع واتصاله الجماعی والجمالی، فلابد من غرس ثقافة الإبداع والتصورات البنائیة عند الشباب، سواءً داخل ذواتهم أو فضاءات إتصالاتهم وعلاقاتهم المتشعبة فی نسق المجال العام، فعلی سبیل المثال قدم المجتمع الأمریکی نموذجاً مهماً فی عالم الإبداع الفنی عن طریق إنتاج سلسلة من الأعمال الفنیة التی تمجد فی القدرات الفردیة وتبحث عن معانٍ مهمة، مثل الوفاء والأمل والولاء الوطنی والهویة، کذلک قامت إدارة الجامعات بتحفیز بعض الطلاب ذوی المواهب الفنیة علی رسم جداریات علی أسوار الجامعات تدعو للإبداع والتفکیر والقراءة، أیضاً تم إنتاج سلسلة أفلام تدعو الأطفال إلی العیش فی حیاة من الإبداع والتعبیر والرسم والتخیل، وتشتمل علی مجالات مثل الحرف الفنیة والمسرح والموسیقا .. وغیرها، نحو تطویر الذوات الفردیة لنهضة المجتمع (Harry F. Dahms(2015); PP 210-212). فیما قارن "أنتونی إلیوت" بین المخیال فی العصور البدائیة والمخیال الحداثی، فکان المخیال قدیماً یهتم بالأمور العاطفیة واللاهوتیة والتصورات الأخرویة، والذکورة الموروثة والأوهام البدائیة، والقمع والإغواء والإخصاء، فرمزیة هذا المخیال لا تبنی وعیاً عاماً وإنما قمعاً موجهاً من قبل القائمین علی الضبط، وبعد تشعب وتعدد مناحی المجتمع ودخوله عصر الحداثة؛ اتخذ المخیال لدی البعض منحیً جدیداً، نحو بناء قدرات ناشئة علی التصور لتنمیة الواقع المجتمعی، مثل بناء دراما تبنی العقول والفهم والنقد والتحلیل، ودراسة الخصائص البیولوجیة للفرد، وبناء عقول مثقفة وناشئة علی المعرفة والاستنباط (Anthony Elliott (2004); PP 81-82).
ویوضح"ادریانمیلر" أن المخیال الاجتماعی والأیدیولوجی هو دینامیات اللاوعی عند بعض الناس، وفی ذات الوقت یجد هؤلاء لذة ومتعة شعوریة فی تصوراتهم المرحلیة، التی تدحض معانی سلبیة قد تنتاب المجتمع، مثل المعاناة، السیطرة، الجهل، الفشل، والتنافس الأنانی علی المنفعة الشخصیة، ومثل هذه القیم تصعد من الفجوة بین الطبقات، کما تزید من العداء والتناحربین الطوائف المتعددة، أیضاً یلعب المخیال الاجتماعی دوراً مهماً وغیر تقلیدی فی حل النزاعات والصراعات الدینیة والعرقیة بین أصحاب الأیدیولوجیات المتباینة، کما یمکن المخیال من بناء تصورات جدیدة لدی المفکرین السیاسیین والاجتماعیین ومن تطویر أدوات ووسائل تساهم فی بناء الهویات الوطنیة والسیاسیة التی یحتاج الناس لها، فبدلاً من تدمیر المجتمعات بالتقلید غیر المتوائم مع طبیعة المجتمع یغزل المخیال طرقاً مبتکرة لتطویر وتنمیة الذوات داخل المجتمع لتنمیته، وتعمیق معانی السلام والحب والعدل والخیر فی نفوس الناس (Adrian Millar (2013); PP 1-19).ویشیر"أندرونستنجن" أنه علی مدار الثلاثین عاماً الفائتة، ازدهر المخیال فی الحد من الجریمة المجتمعیة، عن طریق الروایات والأفلام الشعبیة التی تنبه من مخاطر الجریمة علی الناس، وأدی نمو الثقافة الشعبیة بذلک إلی تطویر الرأی العام نحو الإبداع والتنمیة الثقافیة، والتجانس، والعلاقات العابرة للحدود الوطنیة، فالمخیال یلقی الضوء علی طبیعة المجتمع المدنی وسبل تغییره للأصلح، وتجاوز المعاییر الفردیة ناحیة المصلحة الجمعیة، من خلال الروایات والأفلام والمیلودراما، وأدب الخیال، والنقد الاجتماعی، فالجریمة قد یصنعها مخیال المنحرف، ولکن یقومها مخیال المفکر والمصلح، نحو مجتمع مبدع ومتقدم ثقافیاً (Andrew Nestingen(2011); PP 13-19).
ویتضح مما سبق أن المقاربات النظریة والفلسفیة لموضوع الفن السیاسی والمخیال الاجتماعی قد أوضح مدی تأثیرهما الکبیر علی المجتمع ومکوناته، حیث رصدت هذه المقاربات أهمیة بالغة وهی " أن أفراد المجتمع ومکوناته الجدیدة، فی ظل التحولات العالمیة المعاصرة من السلطة إلی الجماهیر فی حاجة ماسة ومهمة للفن السیاسی، لمعالجة قضایاه والتخفیف من همومه بطرق إبداعیة وأدوات متطورة، والمفکر الاجتماعی علیه ترجمة التصورات الفنیة فی صورة وقائع اجتماعیة سیاسیة، تعالج آلام المجتمع ومشکلاته". کما أن هذه المقاربات وضحت الفرص المتنوعة نحو حل المشکلات والنزاعات السیاسیة المعقدة بطرق إبداعیة سلمیة، تجنب المجتمع مخاطر الانقسام والتفتت الفکری نحو التجانس الوطنی، والتخفیف من حدة التهدیدات التی تقف أمام الشعوب لسد حاجاتها وتحدید مصیرها وتقویة انتماءاتها وهویتها، فالفن والسیاسیة وجهان لعملة واحدة، کلاً منهما یحقق ویکمل الآخر، ولا یتعارض معه، نحو الاستقرار والتحدیث الوطنی المطلوب. ومن هنا قد تکون جملة هذه الحقائق هی ما حثت المفکرین والدارسین فی العلوم السوسیوسیاسیة والفنیة إلی تناول هذا الموضوع بشئ من الدراسة، کلاً من جانبه وظروف بیئته، وأحلام شعبه، نعرضها فیما یلی.
2. الأدبیات السابقة:
نستعرض فی هذا العنصر بعضاً من التراث البحثی الذی تناول موضوع الفن والسیاسة، کی نقف حیث انتهی الآخرون فی العلاقة والتأثیر بین المفهومین ومجالهم العام، نحو تدعیم إشکالیة الدراسة التی تسعی إلی معالجة طبیعة العلاقة بین کلٍ من الفن والسیاسة، ودراسة الأبعاد الفکریة والفنیة للمبحوثین ورؤاهم المتعددة والمتباینة حول معنی الفن، ودوره، وأهمیته فی القضایا السیاسیة، لذا سوف نعرض هذه الدراسات فی تصنیف، ونقسمها إلی محورین؛ کالتالی:
المحور الأول: الدراسات التی تناولت الفن السیاسی ( الممارسة والعلاقة والتأثیر):
أشار "راندی مارتن" فی دراسته عن الفن السیاسی؛ أن الممارسة الحدیثة لهذا النوع من الفن یستخدمه البعض فی التعبیر عن مشکلات مجتمعاتهم بأدوات وطرق حدیثة، تلک المشکلات التی تنوعت وتعقدت بفعل تحدیات العولمة علی المجتمعات النامیة والأقل تقدماً، فقد شکلت العولمة قوة دافعة فی نشر الأشکال الحدیثة للتعبیر السیاسی عن طریق الفن بطرائقه المتعددة، کذلک کان لدخول الفن ضمن وسائل التنشئة الاجتماعیة الحدیثة للأبناء أثرٌ واضحٌ فی تطور الممارسة السیاسیة والاجتماعیة والمهنیة للفن، بسبب تعلم الأبناء للفن منذ نعومة أظافرهم، کذلک ظهرت ممارسات أکثر معاصرةً للفن السیاسی؛ مثل الیوتوبیا السیاسیة،المشارکة الفنیة السیاسیة؛ جمال التعبیر السیاسی؛ الاعتماد الفنی،الإخفاق والضعف الفنی للسیاسیین، کذلک ظهرت التصمیمات الحدیثة للفن السیاسی، والمدارس الأکثر تطوراً "ماساتشوستس لتکنولوجیا الصحافة"، أیضاً دخول أعضاء الخدمة الاجتماعیة لتناول قضایا المسرح الفنی السیاسی، والرسم والنحت والتصویر، ودعم الجماهیر لهذا النوع من الفن، کذلک ربط الفنون البصریة وفنون الأداء السیاسی للقادة والزعماء والنخبة بالممارسة السیاسیة والاجتماعیة لأداء أدوارهم مع الجماهیر، أیضاً أشکال الفنون الأخرى مثل الرقص الاستعراضی وممارسته للفن الأدائی، وکانت هذه الدراسة نقلة نوعیة فی ممارسة الفن للسیاسة ودوره فی رصد نقاط التغیر الاجتماعی نتیجة هذه الممارسة الحدیثة والمتطورة، کأساس للفنون الجمالیة (Randy Martin (2015); P10).
فیما وضحت "کارین کورزونسکی" العلاقة بین الغریزة الفنیة للإنسان والدور السیاسی الذی یقدم من خلاله، فالحس الفنی یجسد مواقف وقضایا المجتمع وآلامه الاجتماعیة والسیاسیة المعقدة، فعلاقة الفن بالسیاسة هی رؤیة للثقافة الشعبیة من ناحیة والسلطویة من ناحیة أخری بلمسات جمالیة تعبیریة، مثل الفن التجریدی والعمل التعبیری، فتأثیر السیاسات المتطرفة، والسیریالیة، والفن الفوضوی، یقف عقبة أمام العلاج السیاسی السلمی ویفتح الباب علی مصراعیه للعنف والشحن العنصری والتمرد الصلب أمام البعض، کذلک عرضت الدراسة تخوفات کبیرة من التقنیات الفنیة الکبیر التی تبث علی وسائل الإعلام؛ لما لها من مخاطر علی الترابط المجتمعی والشعبی فقد تبث قضیتین متباینتین مما یؤدی إلی مزید من الصراع والترنح بعیداً عن العلاج، إلا أن هذا الجانب قد یُعالج من قبل محترفین واجتماعیین یساهمون فی استقرار القضایا الملتهبة والخطیرة علی السلم العام، بأدوات ووسائل فنیة حدیثة، مثل الرسومات أو الإعلانات أو الجداریات (Karen Kurczynski(2014); PP1-3).
کذلک عرضت"کریستین بوغی" للتأثیرات المتبادلة بین الفن والقضایا السیاسیة داخل المجتمع، فالفن یستطیع إشاعة أفکار ملیئة بالحب والجمال والبهجة علی بعض القضایا السیاسیة، التی طالما عولجت باتخاذ قرارات وخطوات صارمة وعنیفة، فقد حوّل الفن حیاة الإنسان فی ما مضی من تمجید للحرب والصراع والعنف، إلی سعی الإنسان إلی عالم آمن ونظیف ویعمه السلام، بعد تصویر الفن لخطورة ومغبة الحروب من الآم وحزن وحرق وشقاء للإنسانیة، عن طریق الصورة أو الأفلام القصیر، التی تُظهر بشاعة التقاتل العالمی والخراب الدولی وسحق البشر، کما هاجم الفن تمجید العنف والعنصریة، والتلاعب المسیس للقنوات ووسائل الإعلام، وظاهرة الجمعیات الفاشیة العنصریة، نحو إعادة تقییم الأفکار المستقبلیة، وصنع التاریح القادم بحرکات فنیة سلمیة، فقد حاول الفنانون والکتاب والشعراء دحض الأفکار التی تدعو للقتال والصراع الدامی، ومقاومة صدمات الحداثة الصناعیة الخبیثة، ودمج الرؤى المستقبلیة فی دائرة من الأدب والفن والعلم والسیاسة والأخلاق، وتجنیب البشریة المخططات الشریرة الخفیة، والقلق من المستقبل، وتحدیات الحیاة الحضریة، والنفوذ المتزاید لعنف الجماهیر وقسوة النخبة، والتغیرات الصادمة للأدوار بین الجنسین، والحروب العرقیة، والخوف من السرعة فی التغییر، نحو تقدیم رؤى جدیدة نتیجة تلاقح الفن بالسیاسیة والسیاسة بالمهنیة الفنیة (Christine Poggi(2009); PP2-10).
المحور الثانی: الدراسات التی اهتمت بالمخیال الاجتماعی والتصورات المستقبلیة:
أظهرت "لوسی مازدون" من خلال دراستها تلک التصورات المستقبلیة للمجتمع من خلال المخیال الاجتماعی للکتاب والروائیین والمصورین، فخلال تحلیلها للعدید من الأفلام والمقالات الجدیدة رصدت بعض الأسالیب الجدیدة للفاعلین الاجتماعیین، من خلال الفیلم الفرنسی المعاصر، وربطه بالسیاقات الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة، التی ترکز علی بعض الأسئلة المهمة حول المفاهیم واسعة النطاق النابعة من الثقافة الفرنسیة والهویة والقومیة، ومحاولة الرقی بالفن التقلیدی وربطه بالواقع الاجتماعی لمعالجة هذا الواقع المتأزم، وصناعة رؤیة فنیة جدیدة تسمح بالنقد المجتمعی لقضایاه ومشکلاته، فالعمل الفنی الجید یهتم بالتصورات المستقبلیة للواقع المجتمعی، عن طریق مفکریه ورواده ومخیال فنانیه، کذلک قوة العمل الفنی ترتبط بعدة عناصر أهمها؛ الخیال التمثیلی، الشک فی الخیال وإستبداله بالمخیال، هویة المؤلف التی یجب أن تنطوی علی العقل التخیلی الإبداعی، والطریقة التی یعرض بها العمل الفنی علی الجماهیر فی مجتمع ما، والإجابة علی عدة أسئلة منها؛ من الممثل؟ وما الذی یمثله؟ ومن مؤلف العمل؟ وما الغرض من العمل؟ وما الشریحة الجماهیریة المستهدفة؟ وکیف یخدم هدف العمل الواقع المجتمعی وینهض بأفکاره؟ ونوهت إلی ضرورة تحرر الأعمال الفنیة من الرقابة لأغراض سیاسیة، وطرحها علی الجمهور وهو قادر علی إستیعاب أهدافها ونقد سلبیاتها دون تدخل من السلطة القائمة ( هیئة الرقابة الفنیة) (Lucy Mazdon(2001); PP1-27).
فیما رصد "لاری إلیوت"قدرة العقل التخیلی علی إنجاز العدید من المهام وحل المشکلات فی بلد تُقدر هذه النوعیة من التعقل والإبداع والتصور، فقوة المجتمع الاقتصادیة والعسکریة والسیاسیة تتعلق بقدرة هذا المجتمع علی خلق نوعیة من العقول الموهوبة والمتطورة عن باقی المجتمع، وهذا النمو العقلی لا حدود له فی مجتمع یسعی للتعایش مع حمایة البیئة المحیطة به، فلیس من الشجاعة بمکان قیام الدولة بالاقتراض من الخارج لرفع رواتب العمال بقدر استغلال هذه الوفرة المالیة لدعم العقول المبتکرة نحو الدعم المستقبلی للمجتمع وسد حاجاته والوصولة لدولة الرفاه، فیمکننا إطلاق مصطلح "الدول ذات المستقبل المشرق" علی الدول التی تستخدم الإبداع الاقتصادی فی توفیر حاجاتها ودعم مواردها بطرق إبداعیة، حدیثة، مهنیة، وتقنیة، وتطلق علیها الباحثة  شعار "مرحباً بکم فی جزیرة الخیال وأرض الأحلام المستقبلیة"، والدولة التی لا تعنی بأبجدیات خلق النماذج المبدعة المفکرة تلقی مصیر الدول الغارقة فی الدیون والإفلاس، والانجراف إلی أزمة العمالة والتوظیف، وضعف دورها العسکری والدبلوماسی الخارجی (Larry Elliott, Dan Atkinson (2007).
ونخلص من استعراض هذا التراث من الدراسات السابقة إلی مجموعة من الاستنتاجات، نعرض لها علی النحو التالی:
 ضرورة الاهتمام بوضع مخطط من قبل الدولة والمجتمع المدنی یهتم برصد کافة أشکال الفنون والفنانین ورعایتهم لتنمیة المجتمع ثقافیاً وسیاسیاً.
 إن الفن والسیاسیة وجهان لعملة واحدة ویهدفان إلی التعبیر عن الواقع السیاسی المتأزم بأشکال جمالیة وسلمیة وتعبیریة حدیثة، بعیداً عن العنف والصراع المسلح.
 إن الاهتمام بالقضایا الاجتماعیة للفن والفنانین له دور أساسی فی خلق مناخ اجتماعی وسیاسی یسوده الاستقرار والإبداع والحریة، بعیداً عن التعصب أو التحیز العرقی أو الدینی والفکری.
 إن تحقیق المعادلة المتوازنة بین القضایا السیاسیة بین الفن والمخیال الاجتماعی یحقق هدف المجتمع نحو العدالة والتکیف والانتماء.
 إن مواجهة القضایا المعاصرة مثل الإرهاب وحروب الجیل الرابع بالطرق الفنیة والإبداعیة وعدم اقتصارها علی الطرق الأمنیة، یعالجها من جذورها نحو استقرار المجتمع وتحقیق نهضته.
رابعاً: مفاهیم الدراسة:
تهتم الدراسة الراهنة بالتمحیص المفاهیمی ومعالجة بعض المفهومات الرئیسة للدراسة؛ وهی الفن؛ الفن السیاسی، الخیال الإبداعی، والمخیال الاجتماعی، وذلک للتعرف علی خلاصة الأفکار الإمبیریقیة والنظریة للمفاهیم، والوقوف علی نتائج خبرات وتجارب المفهوم فی النسق المعرفی والمیدانی الذی یعود إلیه وینتمی إلى بنائه الفکری، وذلک لوضع مؤشرات رئیسة تقبل الاختبار والقیاس الإمبریقی، والتوصل إلی التعریف الإجرائی للدراسة الراهنة، وفیما یلی نوضح کل مفهوم علی حدة بشئ من الاختصار والدقة المفاهیمیة:
1. مفهوم سوسیولوجیا الفن Art:
یعرف قاموس علم الاجتماع الفن بأنه "منظومة اجتماعیة أساسیة تحاول الإجابة عن لغز الحیاة رمزیاً" فأهمیة الفن اجتماعیاً تکمن فی خلق العقل الجمعی للمجتمع من خلال الأعمال الفنیة المقدمة من الفنان لجمهوره. کما أن الفن ینضوی علی المهارة والتقنیة والعبثیة المنظمة ونقل الثقافة من جیل إلی جیل ومن مجتمع لآخر، ومن أبرز الفنون رواجاً داخل المجتمع (الدراما والشعر والهندسة المعماریة والرسم والنحت والموسیقا والرقص) والتی تشترک فی نقل التجربة الإنسانیة من خلال تبادل الخیال والشعور، فالفن یستطیع تغییر مسار "الطبیعة" إما بسحره الأخاذ أو بتأثیره القادر علی تطویع الأشخاص والسیطرة بإعجاب علی عقولهم (Tony Lawson, Joan Garrod(2012); PP 15-16).
کما یعرف "أرنولد فوستر" سوسیولوجیا الفن بأنه " مؤسسة اجتماعیة مهمة، تعبر عن الهویة والوطنیة القومیة، نحو تعزیز الحلول الإبداعیة الخلاقة للمشاکل الاجتماعیة المعقدة، بلمسات عبقریة، بدعم من الأیدیولوجیة الشعبویة، الفنون الشعبیة، وفنون الطبقة العاملة، وفنون النخبة، ، نحو التعرف علی المشکلات وخصوصاً مشکلات الشباب، بطریقة متحضرة أکثراً رشداً وجاذبیة وإنسانیة" (Arnold W. Foster, Judith R. Blau(1989); P 4).فیما یری "أرنولد هاوزر" سوسیولوجیا الفن بأنه " تعبیر راق عن فکر المجتمع، وتأثیر متبادل بین الفن وإبداعه من جهة وبین المجتمع وتحولاته من جهة أخری، فهذا الحقل من العلم یهتم بالصفات الاجتماعیة والتطور الفنی فی المجتمع وتأثیره المباشر علی الأشخاص، ویراعی الآثار الاجتماعیة والفنیة القدیمة والمعاصرة فی قضایاه المطروحة" (Arnold Hauser (2012); P 89).
2. مفهوم الفن السیاسی Political Art:
یعرف المعجم النقدی لعلم الاجتماع الفن السیاسی بأنه "نوع من الفن أکثر حساسیةً وتناولاً للمسائل السیاسیة داخل المجتمع، بطرق تعبیریة جذابة، ومن أهم الموضوعات التی یتناولها القوة، القدرة، النظام الحاکم، التجمهر، الفوضى، الإرادة، الخصوصیة، الإدراک، والعلاقات المتبادلة". وهذا النوع من الفن لدیة أدوات ووسائل تمکنه من التوصل لعمل فنی ناقدا الأوضاع والمبادئ السیئة بطرق متعددة ومتنوعة دخل المجتمع المتنافر، فی قضیة بعینها بوسائل سلمیة وطقوس غریبة ومفضلة من قبل الأغلبیة (Raymond Boudon, Francois Bourricaud (2002); PP 80-81).
أیضاً یعرف "روبرت شولمان" الفن السیاسی" علی أنه تجسید لممارسة مجتمعیة فی شئونه السیاسیة بطریقة مجازیة، عن طریق المشهد أو الجسم، أو الرسم أو النحت، نحو نقد الفاعلین السیاسیین داخل المجتمع، ومعرفة الأیدیولوجیات البدیلة للسلطة الحاکمة والنخبة وأصحاب النفوذ والتأثیر" (Robert Shulman (2000); PP 46-47. کما یعرف "بیدرو ألونزو" الفن السیاسی بأنه " تجربة بصریة سمعیة معاصرة لمعالجة قضایا سیاسیة معقدة، تؤرق المجتمع وتنحو به للطریق السلمی بعیداً عن العنف، فالفن السیاسی یعالج ویقدم أجندات سیاسیة محلیة وعالمیة بشکل أکثر تأثیراً وقوة من الکلمات التقلیدیة المکتوبة، فالفن السیاسی منتوج رد الفعل السیاسی؛ والعکس أحیاناً، فالعروض الفنیة والتماثیل واللوحات، قد تشکل تأثیراً أکبر علی مستقبل الخطاب السیاسی بشکل خاص والنظام العالمی بشکل عام" (Robert Klanten, Pedro Alonzo (2011); PP 58-59).
3. مفهوم الخیال الإبداعی Creative imagination:
یری "روبرت نیسبیت" أن الخیال الإبداعی هو "نوع من التفکیر الخلاق فی مجال من المجالات" ومن أهم المجالات التی یظهر فیها الإبداع الخلاق بشکل جلی: الموسیقا والرسم والشعر والروایة والمسرحیة، وأن العمل الإبداعی قد یترجم إلی علم مادی اجتماعی، یقع علی شکل وحدة من الخیال مستخدماً الحدس، وینقل إلی الواقع الملموس عن طریق جمع المعلومات والبیانات وتفسیرها والوصول إلی الهدف النهائی وإجراء التجربة والاختبار له، فالفعل الإبداعی خیال فنان نحو معالجة قضایا مثارة (Robert Alexander Nisbet(2004); PP 9-23). 
فیما یری "بول ألفس" أن الخیال الإبداعی "استعارة، رمزیة، أو أسطورة، لواقعنا المعاصر وثقافتنا فیما بعد الحداثة تکمن فی عقول بعض البشر، فالخیال الإبداعی موهبة إلهیة تحتاج لتدریب وثقل من خلال التجریب الواقعی، ومن رواده شعراء الرومانسیة والروائیین والرسامین وکذلک خبراء الفلسفة الحدیثة والعلوم، فالخیال الإبداعی المعاصر یثیر الاهتمام والفضول نحو عدد من التخصصات غیر اللاهوتیة، مثل الأدب وصولاً إلی فلسفة العلم، والاتجاه نحو تعظیم دور الفنان أو الشاعر الذی یهتم بتجسید الحقائق فی شکل خیالات إبداعیة نراها فی لوحة أو علی الجدران أو فی طیات ورقة، فالإیمان والخیال عمل بشری واحد نحو حقائق متنوعة (Paul Avis (2013); PP 117-118).
4. مفهوم المخیال الاجتماعیSocial fantasy:
یعرف المصطلح بأنه "مجموع التصورات لدی فرد تتخلق من البیئة المحیطة، وتدمج الواقع بالتخیل المستقبلی تجاه قضیة بعینها، وتنتشر عن طریق عقلانیة الأدب والفن واللغة، ومن سماته الغموض والسخریة والعلم والدقة وبروز الحدود، نحو إدراک بعض القضایا الحالیة ومستقبلها الآتی عن طریق تعزیز إطارها والاستفادة من تطبیقه بشکل واقعی (Brian M. Stableford(2004); P 302).
فیما یری "جاکلین روز" أن المخیال الاجتماعی "هو إثارة مناقشات افتراضیة حول رمزیة الواقع الاجتماعی، وربطه بالتحولات النفسیة للإنسان وکمونه فی أصول ذاتیة من خلال التجارب الخاصة، والسعی إلی فهم العلاقة بین العملیات النفسیة والاجتماعیة للشخص دون تفضیل أی منها علی الأخرى، وفهمه فی إطار مجموعة من الخبرات المتشابکة بین الفرد والمجتمع، کما أنه وسیلة للتحول الرمزی الذی یتضمن مجموعة واسعة من السلوکیات المستحضرة من الذهن، والتی غالباً ما تثیر مجموعة من القضایا والأیدیولوجیات الاجتماعیة المعاصرة" (John Kucich(2009); P 3).
- التعریف الإجرائی للدراسة:
وفی ضوء ما سبق یمکن تعریف الفن السیاسی إجرائیاً بأنه " الفن المنخرط اجتماعیاً وسیاسیاً، والهادف إلى مشاریع ذات منفعة فکریة وثقافیة، نحو تطویع الفن للبناء ودحض الهدم الثقافی أو السیاسی فی المجتمع المصری، وصنع فنان ( سواءً من دارسی الفن فی مرحلة إعدادهم بالجامعة، أو المحترفین) له دور إبداعی وفکری ملموس بأشکاله البصریة المختلفة، وراصد للتحولات الفکریة والوجدانیة والواقعیة لخصوصیة المجتمع وأزماته السیاسیة، ورصد علاقة الفنان إبداعیاً بالحیاة السیاسیة المصریة، وکذلک علاقة المؤثرات السیاسیة بالفنان، ثم الفن بالتکنولوجیا، ورؤیة بعض الفنانین المصریین للفن السیاسی التخیلی وعلاقته بالقضایا السیاسیة الراهنة ونمط أعمالهم الفنیة، ومدی تحول الفنان المصری لرجل سیاسة، ومدی تأثر وعیه الجمالی بمجریات الأحداث الراهنة،ومدی تأثیر السیاسیین على الوجدان الأدبی والجمالی للمجتمع، مما له کبیر الأثر علی تطویر الفن المنخرط اجتماعیاً، والذی أضحى نشاطاً إبداعیاً یؤثر ویتأثر (إیجابیاً أو سلبیاً) بموضوعات الأزمات السیاسیة والثقافیة بالمجتمع المصری".
 
خامساً:الإستراتیجیة المنهجیة للدراسة:
1. منهج الدراسة:
فى ضوء التساؤل الأساسی الذی انطلقت منه هذه الدراسة، تم الاعتماد علی المنهج الوصفی التحلیلی المقارن، بالإضافـة إلى حزمة متنوعة من البیانات (الکمیة: من خلال استمارة الاستبیان، والکیفیة: من خلال المقابلات المتعمقة والأسئلة المفتوحة)، نحو التعرف علی رؤیة بعض الفنانین لنمط أزمة تقدیم الفن السیاسی الهادف إلی تنمیة المجتمع المصری، وإبراز جوانب وتأثیرات الفن السیاسی علی المجتمع، وأنماطه، وأهدافه، وخلق نهج جدید لدراسة الفن السیاسی الداعم للمجتمع واستقراره. وإبراز التأثیر المتبادل حول قضیة "لیس فقط کیف أثرت السیاسة فی شکل الفن فی مصر ولکن أیضاً کیف أثر الفن بأشکاله المتنوعة علی الواقع السیاسی المعاصر.
2. أدوات الدراسة:
اعتمد البحث الراهن علی استمارة الاستبیان کأداة أساسیة نحو جمع البیانات، وانطلاقاً من مبدأ اللیاقة المنهجیة تم تصمیم الاستمارة إلی عدة محاور تبعاً للأهداف المطروحة لهذا البحث، وقد تم الانتباه عند صیاغة الاستمارة ومحاورها؛ إلی قابلیتها لحصر کل المعلومات المطلوبة، وتصور النتائج الفعلیة المتوقع الحصول علیها، وتصمیم أسئلة متنوعة (منها ما یتصل بالحقائق، ومنها ما یتصل بالاتجاهات،ومنها ما یهدف إلى التعرف على أنماط السلوک والعلاقات المتبادلة والرؤى المستقبلیة)، وتم مراعاة ترتیب تسلسل الأسئلة وَفْق ترتیب تساؤلات البحث والتتابع الزمنی للأحداث، وقد شملت الاستمارة أسئلة مفتوحة وأخری مغلقة، نحو رصد تصورات أفراد العینة من خلال خبراتهم الفنیة والسیاسیة والحیاتیة، وقد تضمن الاستبیان 51 تساؤلاً علاوة علی التساؤل الخاص بخصائص العینة المأخوذة، وقد توزعت تساؤلات الاستمارة علی خمسة محاور رئیسیة تصطف تحتها أسئلة فرعیة تقترب من أهداف البحث، وهی کالتالی:
المحور الأول: خصائص وانتماءات الفنان المصری أیدیولوجیاً ونمط أعماله الفنیة. 
المحور الثانی: کیفیات حضور السیاسی والفنّی معاً وموقع الفن من السیاسة.
المحور الثالث: موقف الفنان المصری وأهم أعماله الفنیة نقدیاً من القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة والاتجاهات العامة للدولة.
المحور الرابع: الموازنة بین الخیال الإبداعی للفنان والمخیال الاجتماعی تجاه مشکلات وأزمات المجتمع.
المحور الخامس: الطرائق المستقبلیة لتحویل الفن (بأنماطه المتعددة) إلی نافع ومنخرط اجتماعیاً ومساهم فی خلق حلول نوعیة. 
3. عینة الدراسة وطریقة اختیارها:
اعتمدت الدراسة الراهنة علی عینة من الفنانین أصحاب الأعمال الفنیة ذات الطابع السیاسی الاجتماعی (ذکور وإناث) والتی بلغت قوامها 112 مفردة، من کلیة الفنون الجمیلة بالأقصر التابعة لجامعة جنوب الوادی، مرکز ساقیة الصاوی بالقاهرة، قطاع الفنون التشکیلیة بوزارة الثقافة المصریة، کلیة التربیة النوعیة بقنا التابعة لجامعة جنوب الوادی، قصر ثقافة قنا، قصر ثقافة بهاء طاهر بالأقصر، أکادیمیة الفنون بالجیزة (المعهد العالى للموسیقا "الکونسیرفتوار"، المعهد العالی للفنون المسرحیة، المعهد العالی للسینما، المعهد العالی للفنون الشعبیة). وقد تم انتقاء العینة بشکل عمدی مقصود لتوافقه مع اللیاقة المنهجیة للدراسة، وقد توزعت عینة الدراسة تبعاً للنوع إلی 68 من الذکور، 44 من الإناث، تتمحور فی مرحلتین عمریتین: متوسطی السن 81 مفردة، وکبار السن 31 مفردة، فضلاً عما بینته الدراسة المیدانیة من الخصائص التی تمیز عینة مجتمع البحث من الفنانیین أو الدارسین للفن أو المحاضرین فی المؤسسات الفنیة والأکادیمیة، کما یلی:
 
 
 
 
جدول رقم (1) یوضح خصائص عینة البحث (ن 112)
خصائص العینة التکرار %
النوع
ذکور 68 607
إناث 44 393
السن
متوسطو السن 81 723
کبار السن 31 277
الحالة الاجتماعیة
أعزب 25 223
متزوج 56 50
مطلق 20 178
أرمل 11 99
الوظیفة الفنیة (الهویة الفنیة)
الفنون السمعیة (الموسیقا، الغناء،الإنشاد، والموشحات) 18 1607
الفنون البصریة (العمارة، النحت، النقش، الفسیفساء، الخزف، الخط، الزخرفة، التصویر، الرسم، صنع الفخار،النسیج،الطبخ،والحفر) 40 357
الفنون السمعیة البصریة (الرسوم المتحرکة،المسرح، السینما، والرقص) 13 116
الفنون القولیة (القصة،الأدب،الروایة، والخطابة) 19 169
الفنون الرقمیة والتکنولوجیة (فن الفیدیو، فن الإنترنت، توظیف الفوتوغرافیا، التصمیم الجرافیکی، وتکنولوجیا الکمبیوتر، والفیلم، والصوت، والضوء، والصورة الرقمیة) 22 198
4. أسالیب التحلیل والتفسیر:
اعتمدت الدراسة الحالیة فی تحلیلها للبیانات المیدانیة المفرغة من أدوات جمع البیانات علی الفنان أو دارس الفن أو المحاضر فی المؤسسات الفنیة کعنصر –وحدة- للتحلیل، وتم المزج ما بین التحلیلات الکمیة والکیفیة، حیث إرتکنت الدراسة علی المادة الکیفیة المتاحة من الأسئلة المفتوحة المزیلة فی نهایة کل محور داخل استمارة الاستبیان، فقد تم الانتفاع بها نحو تدعیم التحلیلات الکمیة من أجل المساعدة فی عملیات التفسیر، أو طرح مجموعة من التفسیرات الجدیدة، کما تم التحلیل الکمی الإحصائی عبر مستویین: المستوی الأول: التحلیل الوصفی لمتغیرات البحث من خلال التکرارات والنسب المئویة، والمستوی الثانی:التحلیل المرکب لفحص تأثیر بعض المتغیرات الأولیة مثل (النوع، السن، الحالة الاجتماعیة، الهویة الفنیة) فی تفاوت فاعلیة هذه المتغیرات علی الفن السیاسی بین الخیال الإبداعی والمخیال الاجتماعی.
سادساً:نتائج الدراسة المیدانیة:
وفیما یلی نستعرض النتائج التی أسفر عنها التحلیل الإحصائی للبیانات لطرح مجموعة من الإجابات المنضبطة عن تساؤلات البحث الحالی، من خلال تقسیم عرض النتائج وفقاً لخمسة محاور، کالآتی: 
1. الفنان المصری أیدیولوجیاً بین الخصائص والانتماءات والأنماط الفنیة:
نسعى فی هذا المحور نحو الإجابة عن التساؤل الذی مفاده "ما علاقة الفنان المصری بالقضایا السیاسیة المعاصرة؟ وما خصائص هذا الفنان؟ وانتماءاته الأیدیولوجیة؟ وکیف یعبر عنها؟". وعرض السؤال علی هذا النحو یعکس السعی الحثیث حول افتراض وجود علاقة قائمة بین الفن والقضایا السیاسیة بشکل متداخل ومترابط وکلاً منهم یؤثر ویتأثر بالآخر. وفی ضوء هذا الفرض نعرض لنسب نتائج الدراسة المیدانیة، والتی تشکلت ملامحها کما فی الجدول التالی:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
إن نسبة من لهم اهتمام وعلاقة بالقضایا السیاسیة تعدت ثلثی العینة المأخوذة من الفنانین والدارسین للفن والمحاضرین فی مؤسسات فنیة أو أکادیمیات تعلیمیة حیث جاءت بنسبة 78.5%، وقد جاءت هذه النسبة مرتفعة لسببین: الأول؛ القضایا السیاسیة والأمنیة المهمة التی أطلت برأسها علی المجتمع المصری فی هذا الوقت العصیب الذی یموج فیه المجتمع المصری بأزمات وعقبات وإرهاب وفوضی فکریة .. وغیرها، والسبب الثانی؛ طبیعة انتقاء هذه العینة التی بها تعمد الباحث الوصول إلی عینة من الفنانین ممن لهم علاقة مباشرة واهتمام کبیر بالنواحی والمجالات السیاسیة. کما جاء فی المرتبة الثانیة المهتمین إلی حد ما بالجانب السیاسی والقضایا المعاصرة من العینة بنسبة 12.5% وهم فئة من العینة ممن لدیهم اهتمامات أکبر من المجال السیاسی من دون البعد عنه أوقات الأزمات ولکنها لیست فی اهتماماتهم الأولی. وفی ذیل النسبة غیر المهتمین تماماً بالقضایا السیاسیة وجاءوا بنسبة 8.9% وقد استفاد منهم البحث فی معرفة تصوراتهم عن سبب بعد الفنان عن بعض قضایا وطنهم وقت الأزمات الکبرى أو حتى کهوایة أو ممارسة حیاتیة، نحو رفعة ومساعدة بلدهم فی التنمیة الشاملة.
وقد انحصرت خصائص هذا الفنان فی ثلاث عینات؛ الأولی نسبة الفنانین المحترفین والتی جاءت فی المرتبة الثانیة 30.3 أو الممارسین للفن بشکل مباشر ویتقاضون أجوراً علیها وتعد مهنتهم الرئیسیة، حیث شملت هذه النسبة ( رسامین وملحنین وروائیین وممثلین .. وغیرهم) وشکلت هذه العینة قیمة کبیرة للبحث، حیث تمت الاستفادة من خبراتهم الطویلة فی مجال الفنون وعلاقتهم بالسلطة ومعالجتهم الفنیة لبعض الأزمات والقضایا الثقافیة والسیاسیة الخطیرة والتی تدور أحداثها داخل المجتمع أو خارجه. کما جاءت نسبة المحاضرین فی مؤسسات فنیة أو أکادیمیات تعلیمیة أعلی نسبة 41%، مما أکسب البحث الراهن أهمیة أکادیمیة حیث استطاعت هذه العینة تقدیم الصورة العلمیة والبحثیة بشکل دقیق فی تصویرها للعلاقة القائمة بین الفن والسیاسیة فی مصر، فمعظم دراساتهم الأکادیمیة لا تنحصر فقط فی الفنون وتدریسها ولکن کیف یمکن الاستفادة من هذه الفنون لتقدیم خدمات مجتمعیة ومشارکات إبداعیة وغرسها فی الأجیال الصاعدة والمجتمع بأسره. فی حین أخذت عینة دارسی الفن المرتبة الثالثة بنسبة 28.5% من مجموع العینة الکلیة، وهم طلاب فی المراحل الدراسیة ذات الطبیعة التعلیمیة الفنیة، وکانت لهذه العینة میزة مهمة حول تطلعاتهم المستقبلیة لحیاتهم الشخصیة والفنیة فقد أمدوا البحث بالعدید من الإجابات الشفافة والصادقة والمتطلعة لمستقبل مشرق للمجتمع المصری، فهذه الفئة تقع أغلبها فی عمر الشباب الذین یقع علی عاتقهم مستقبل الدولة، کما تهتم الدولة بتعلیمهم وتدریبهم للإستعانة بهم فی بناء مؤسسات المجتمع وحفظ توازنه وقت الأزمات.
کما تباینت الانتماءات الأیدیولوجیة والاهتمامات العامة للعینة، حیث جاءت علی رأسها الأیدیولوجیة السیاسیة بنسبة 78.5، وکانت الانتماءات السیاسیة لهذه الفئة تبنى على الرؤیة المستقبلیة لشکل الدولة والبعض منها یبنى على المکایدة السیاسیة،کما تنقسم هذه العینة إلی تیارات سیاسیة متعددة مابین الیسار والیسار الإشتراکى واللیبرالی والدیموقراطى أو الدینی، کما تنوعت توجهاتهم فمنهم المحافظ ومنهم الثوری ومنهم الإصلاحی، وأغلبهم ممن یدعو إلی التعاون والتشارک مع الدولة ومؤسساتها الرئیسة نحو تحقیق الاستقرار السیاسی والتقدم المجتمعی. تلتها الاهتمامات الریاضیة بنسبة 8%، حیث کانوا کغیرهم من باقی أفراد المجتمع ذهبت هذه الفئة بالولع الریاضی والانشغال بالأحداث الریاضیة المهمة سواء کرة قدم أو سباحة أو صید .. وغیرها، ویهتم بعضهم بمناقشة أهم القضایا الریاضیة من زوایا متعددة وبفکر عال وتحلیل علمی،أحیاناً یدانیه التعصب والانتماء.کما جاءت نسبة الاهتمامات بالقضایا الاجتماعیة والاقتصادیة متساویة بنسبة 5.3 وفی المرتبة الثالثة من الانتماءات الأیدیولوجیة لعینة البحث، حیث اهتمت غالبیة هذه الفئة بالأزمات الاجتماعیة والاقتصادیة المعاصرة داخل المجتمع المصری مثل الأمیة، البطالة، الفقر، الصحة، أطفال الشوارع، عمالة الأطفال، التسرب من التعلیم،الزیادة السکانیة، الإدمان، التسول، وأضاف البعض أن المشکلة الحقیقة فی مصر مشکلة إدارة، لأن مصر بها مقومات لم یحسن إدارتها واستغلالها بالشکل الأمثل،وتم اقتراح مجموعة إبداعیة من طرق التصدی لهذه الظواهر السلبیة وحلها بما یدعم اقتصاد المجتمع واستقراره. وجاءت فی المرتبة الأخیرة الاهتمامات الدینیة للعینة بنسبة 2.6%، وذلک لاقتناع بعضهم أن الدین یجب أن یظهر فی التعامل الیومی للناس بعیداً عن التمظهر أو الادعاء، وأن جمیع البشر مؤمنون بالفطرة مع اختلاف ما یؤمنون به، فالإیمان مبنی علی قناعات قلبیة لا دخل لأحد فیها.
ومن أهم آلیات تعبیر الفنان عن القضایا السیاسیة؛ جاء التعبیر الفنی علی رأس هذه الآلیات بنسبة 47.3%، فمن منطلق مهنتهم الفنیة فضل ما یقرب من نصف العینة استخدام التعبیرات الفنیة من مسرح ودراما ورسم وکاریکاتیر وشعر .. وغیرها للتعبیر عن رأیهم فی أهم القضایا والأزمات السیاسیة التی تحیط بالمجتمع المصری، فقد شرع الفنان من هذه العینة نحو ما تملیه موهبته من مشاعر وعواطف وإحساس وأسلوب خاص بوضع الصیغة التی تحقق رؤیة العقبات السیاسیة بفاعلیة إبداعیة ملیئة بالصدق والعفویة والعمق، آملین فی حریة الفکر والتعبیر وإلغاء الرقابة على الفنون بشکل مطلق وجذری. کما جاءت آلیة النقد والنقاش السیاسی فی المرتبة الثانیة بنسبة30.3%، حیث اکتفت هذه الفئة من العینة بعدم مراوحة الاهتمام بالقضایا السیاسیة دون النقد علی مواقع التواصل الاجتماعی أو فی حلقات النقاش سواء مع زملائهم أو فی مؤتمرات عامة أو حتى علی الفضائیات من خلال برامج "التوکشو"أو البرامج الإخباریة، حیث تری هذه الفئة أن النقاش السیاسی لیس غائباً کما یظن البعض فی بیئات رحلت عنها الثورة وإنما موجودة وتظهر جلیةً مع ظهور الأحداث الکبرى أو الأزمات الخطیرة داخل المجتمع، إلا أن سمة هذا النقد أو النقاش غیر منظم إلی حد ما حول المستقبل أو المصیر، ولیس هناک تدریب مشترک على التفکیر فی التحدیات التی تواجه بعض القضایا محلیاً أو عالمیاً،لکن التشکک العام المتأصل بالسیاسة والسیاسیین، سمة غالبة عند البعض،فضلاً عن تناول الأفق المحلی بشکل تشاؤمی، مع فرض رقابة علی حلقات النقاش وسن بعض القوانین التی تکبله، کل ذلک یقف عائقاً أمام التفکیر والنقاش السیاسی العام، من وجهة نظرهم.فیما اتجهت نسبة 11.6% من العینة إلی المشارکة والانخراط السیاسی بشکل مباشر إما فی الأحزاب أو منظمات المجتمع المدنی أو أوقات الانتخابات (ترشحاً أو تصویتاً) أو الاستفتاءات أو النداءات الثوریة أو دعوات الدولة ودعمها بالتفویضات الشعبیة، ورأیهم فی ذلک أنهم جزء من المجتمع وعقله المدبر فالفن هو عقل السیاسة وبابه المفتوح للمشارکة المجتمعیة بطرق أکثر عقلانیة وجمال وإبداع، فبعض السیاسیین فی التاریخ القدیم والمعاصر من خلفیات فنیة وحرف إبداعیة. فیما قررت نسبة 10.7% من العینة الانسحاب والعزوف السیاسی وذلک لسببین: الأول؛ أنهم لا یفضلون الاقتراب من السیاسة لأسباب أمنیة، فیغلقون علی أنفسم الباب طواعیة أو قهراً، والثانی؛ رؤیتهم أن دخول الفن والفنانین عالم السیاسة یفسد ذوقهم وتذوقهم للمشاعر الفنیة الرفیعة والراقیة تحت عجلات الکذب والمکایدات السیاسیة. 
2. موقع الفن من السیاسة حول کیفیات حضور السیاسی والفنّی معاً:
فی محاولة للتعرف علی موقع الفن من السیاسة من خلال تصورات عینة البحث، تم طرح عدد من الأسئلة التی تحقق هذا الغرض، والتی تبین حقیقة رؤى عینة الدراسة لهذا الموضوع، وذلک من خلال محوریین:
أ‌- حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد. بمعنی ما الکیفیات والطرق التی تمکن حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد؟ وما الدور الذی یمکن أن یتبوأه الفن فی السیاسة والعکس؟
ب‌- الفنان والدولة، بین الممارسة والعلاقة. بمعنی ما شکل العلاقة والممارسة بین الفنان والدولة؟
ونعرض فیما یلی لما أسفرت عنه الدراسة المیدانیة من نتائج لکل محور علی حده؛ کالتالی:
أ. حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد:
تبعاً للتحلیل الکیفی لاستجابات عینة الدراسة حول الکیفیّات والطرق التی تمکن حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد من وجهة نظرهم، جاءت الاستجابات علی النحو التالی:
أشار معظم أفراد العینة أنما بین الفن والسیاسیة خطوط وهمیة من صنع البشر ولا وجود لها فی الأصل، فالفن لم یکن ضد السیاسة فی کثیر من الأحیان، بل خدمها فی أوقات الأزمات والمناسبات، فقد وقف الفنانون طویلاً إلى جانب رجال السیاسة لتجاوز المعضلات، وحشد المجتمع بکل تیارته فی الحروب العسکریة والعقبات السیاسیة والفکریة. وبعض الفنانین یفضل وضع نفسه علی مسافة قریبة من سلطة تحمیه وتمکنه من الاستفادة من الریع المادی والاعتباری، کما أن البعض فضل اختیار أن یخوض تجربة شق طریق الإبداع المستقل، ویری البعض أن الفنان هو إنسان متفاعل مع الثقافة السیاسیة السائدة فی المجتمع والمتغیرات الدولیّة وانعکاساتها الداخلیة. بینما یشیر بعض أفراد العینة أن الکیفیّات والطرق التی تمکن حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد تکمن فی التالی:
• وقت احتیاج السیاسیین إلی الأعمال الفنیة، کقواعد منظمة أو مفسرة للسلوک السیاسی العام فی المجتمع.
• اعتناء الفن بالقواعد الأساسیة للسلامة السیاسیة والمجتمعیة.
• استفادة الفنانین من الظروف السیاسیة من أجل استقراء تجارب وخبرات عالمیة متنوعة داخل المجتمع المحلی.
• استطاعة الفن تجسید ثلاثة أنواع من القواعد السیاسیة وهی: الظاهرة السیاسیة، ورجل السیاسة، واللعبة السیاسیة.
• یرسخ الفن سلوکیات الممارسة السیاسیة المفیدة لنهضة المجتمع.
وتری شریحة من أفراد العینة العدید من الأدوار لاستخدام الفن فی الممارسة السیاسیة وهی؛ اتخاذ القرار السیاسی بناء على تراکم معرفی وهدوء وجدانی ولیس نتیجة لتأثیر ضغط الموقف، وممارسة السیاسة فی إطار إبداعی لحل الأزمات والتعاطی مع المواقف بأفضل الحلول وأکثرها تعبیراً مما یصیرها إلی إستراتیجیة فنیة-سیاسیة ولیست ردود أفعال مؤقتة، تحدید المعاییر السیاسیة المناسبة للتعامل مع الأحداث والعقبات، فتقلل الأخطاء، وتحد من السلطة التقدیریة لصناع القرار، کذلک مساعدة الممارس السیاسی متوسط التدریب على معالجة بعض القضایا المعقدة بطرق فنیة مبدعة، توفیر إطار فنی مجتمعی للقادة کی یفسروا مواقفهم وقراراتهم المهمة، بالإضافة إلی رفع الجانب الإبداعی لعملیة صنع القرار السیاسی عن طریق غرس ثنائیة العقل-الإبداع.ومما سبق نری أن الفن لیس هروباً من الواقع إلى عالم افتراضی إنما هو اشتباک مع الواقع وتعبیر عنه ونقد له وتمرد علیه، حیث یفترض بالفن ألا یهبط على الواقع بقدر ما یصدر عنه مع عدم إنعزاله عن الجدالات السیاسیة.
ب. الفنان والدولة، بین الممارسة والعلاقة: 
تتضح العلاقة بین الفنان والدولة وأنماط الممارسة، من خلال الشکل التالی:
 
 
شکل رقم (2) العلاقة ونمط الممارسة بین الفنان والدولة 
یتضح من الشکل السابق أن علاقة التحالف والمشارکة بین الدولة والفنانین من العینة المسحوبة جاءت علی رأس العلاقات بنسبة 62.5%، وهی علاقة مساندة للدولة وقت الأزمات والصعاب، وکذلک دعم النظام الحاکم ومساعدته نحو استقرار المجتمع وتنمیته الثقافیة والفنیة والإبداعیة، وعرض احتیاجات أهل الفن من النظام القائم لتطویر مؤسساته ودعم أفراده. کما جاءت علاقة الاختلاف والمعارضة فی بعض القضایا المحوریة بین الفنان والدولة فی المرتبة الثانیة بنسبة 17.9، ومن أهم هذه القضایا دعم حریة التعبیر وفک القیود والرقابة الفنیة، وإسقاط بعض القوانین التی تعاقب الفنان بالسجن فی قضایا الرأی، وحریة التعبیر الفنی بکافة أنواعه، کذلک دعم الدولة للنقابات الفنیة والتی هی فی درجة أقل من المتوقع نحو التطویر والتنظیم والبناء. ثم علاقة بعض الفنانین المنسحبة والمقاطعة لطریقة تسویة وحل المشکلات داخل المجتمع من قبل السلطة جاءت بنسبة 10.7، وهذه الفئة تنکفئ علی ذاتها وتبتعد عن السیاسة والممارسات العامة داخل المجتمع، ولا تشارک الدولة فی أی قضیة أو أزمة وتترنح بفنها بعیداً عن القضایا السیاسیة، نحو فن الطبیعة والجمال والمجتمعات الخارجیة. وأخیراً جاءت شریحة الفنانین الذین یخوضون صراعاً مع النظام القائم فی ذیل النسبة 8.9، وهذه الفئة تری أن السلطة تسیر فی الطریق الخاطئ ولا تلقی بالاً لقضایا المجتمع المهمة الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والفنیة، وتستخدم أدوات للصراع معها مثل السخریة الفنیة، والمشارکة فی أحزاب معادیة للسلطة، والنقد الفنی اللاذع لها.
کما یتبین أیضاً من الشکل السابق أهم أنماط الممارسة بین أصحاب الفن والدولة، تتلخص فی تصور بعض الفنانین (من عینة الدارسة) أن أهم الممارسات السیاسیة لأصحاب الفنون هی کالتالی:
• نشر التوعیة وتوضیح الثقافة السیاسیة ودحض التطرف، فیفترض فی الفنان توعیة جموع الناس من خلال فنه، علی أن یکونوا حیادیین أو غیر منحازین إلا لصالح وطنهم،والانخراط فی علاقة مباشرة وتشبیکیة بالأحزاب السیاسیة المعارضة منها والمؤیدة للسلطة، وذلک لأن أهل الحرف الفنیة من أهم الأفراد الذین یعرفون الکثیر عن الفکر السیاسی وآلیاته وعن أنماط الدیمقراطیة ومآلآتها للشعوب نتیجة اقترابهم من الثقافات السیاسیة العالمیة وتفاعلاتهم مع الحکومة وخبراتهم السیاسیة المستمرة، واقترابهم من الدوائر العلیا للسلطة، وسعیها الحثیث نحو التوعیة حول إدارة موارد الدولة وتطویر قطاعاتها بشکل یعود بالنفع على المواطنین. 
• کما تسعی هذه الشریحة فی ممارستها السیاسیة نحو إفساح الفضاء السیاسی للإبداع ودحض العنف والإقصاء، واقتراح مشروعات للصناعة الإبداعیة کمبادرة سیاسیة وطنیة، بهدف توفیر الفضاء وإفساح المجال للفنانین أن یعرضوا أعمالهم الفنیة ویساهموا فی استعادة المکانة والأهمیة الثقافیة وروابطها الوطیدة مع جموع الشعب، کما تناول بعض ممن یمثلون الجیل الصاعد من الفنانین الجدد موضوعات سیاسیة مهمة ووقائع مختلفة، مثل بعض القضایا المرتبطة بالهویة، والإبداع، والحریة والمستقبل، فیما أشار البعض إلی السعی نحو إیجاد أشکال جدیدة من المعاییر الفنیة تمکنهم من المطالبة بحقوقهم الضائعة وإعطائهم الفرصة للتعبیر عن حیاتهم وحقوقهم، نحو الاستفادة من وجهات نظرهم وتأملاتهم لکی یلهمونا لإیجاد سبل جدیدة للنظر إلى قضایا المجتمع وتقییم مساره، وأفضل السبل لتقدیم أنفسنا للآخر. 
• کما اهتم بعض الفنانین بتوظیف الخطاب السیاسی بصور فنیة، لإیجاد الدلالة السیاسیة اللازمة عند معالجة قضیة أو إشکالیة معینة ذات شأن دولی أو محلی، فتحویل الخطاب السیاسی إلی لغة وصفیة فنیة مهم لدعم التفاعل بین اتخاذ القرار والواقع السیاسی فی المجتمع المصری،فمع سعی الدولة إلى التحکم فی السیاق السیاسی والمجتمعی القائم، اتجه الکثیر من أصحاب الحرف الفنیة إلى استثمار الفن کمسار بدیل یمکن من خلاله التعبیر عن طموحاتهم ومطالبهم ومقاومة بعض قرارات السلطة، کمدخل لتکوین قوة ناعمة تؤثر فی المحیط المجتمعی، والسعی نحو نهضة ثقافیة وفنیة، ولکن هذه النهضة ترتبط بشکل أو بآخر بالدولة، نحو تعزیز خطابها الإقلیمی والدولی.
• واتجهت شریحة من العینة بتصورها لممارسة الفنانین إلی قیامها بتعبئة الجماهیر مع الدولة أوقات الأزمات والحروب، أو ضدها أوقات الفشل الداخلی والتقصیر السیاسی والاقتصادی والثقافی. 
• وذهب البعض إلی تبریر سیاسة الدولة أو نقدها، إما لمکاسب ذاتیة من النظام الحاکم، أو لمکاسب شعبویة، نحو تحقیق وجود مؤثر لأهل الفن المنقسمین تجاه التأیید للسلطة القائمة، أو الامتعاض من بعض التصرفات الحکومیة.
• کما یری البعض أن الفنانین لهم دور کبیر فی إکساب الشرعیة السیاسیة للسلطة القائمة أو سحبها، من خلال التعبیر الفنی عن حالة الرضا أو السخط التی یبدیها المواطنون إزاء النظام السیاسی وممارسة السلطة، وقد تضعف شرعیة السلطة أو تنتهی لأسباب کثیرة دستوریة أو مؤسساتیة، فانعدام الاستقرار والفاعلیة والفساد والقمع هی عناصر مقلقة یتناولها العمل الفنی بکل حیادیة حتى لو تجمل البعض لمصالح شخصیة، فی ضوء الشرعیة القائمة والبنى السیاسیة والأیدیولوجیة السائدة داخل المجتمع.
ومما سبق عرضه یتضح أن هناک درجة کبیرة من التنوع فی علاقة الفنان بالدولة وأنماط ممارسته من وجهة نظر المبحوثین، تبعاً للأهداف المنشودة والدور المنتظر، وهذا یعکس بشکل واضح العلاقة التبادلیة بین أهل الفن والدولة.
3. موقف الفنان المصری من القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة والاتجاهات العامة للدولة:
یعد هذا المحور أبرز محاور الدراسة الراهنة حیث اتضح من خلال المحاور السابقة العلاقة التبادلیة بین الفن والسیاسة، کذلک العلاقة بینهما وبین الإبداع والمخیال الاجتماعی بشکل عام،وأصبح جلیاً –من خلال العرض السابق- الدور المهم والکبیر للفن فی معالجة أهم القضایا السیاسیة داخل المجتمع. وفی هذا المحور نستکمل ونلقی مزیداً من الضوء حول طبیعة موقف الفنان من أبرز القضایا الثقافیة والسیاسیة وتجلیاتها علی اتجاهات الدولة، ولذا فقد حاولنا التعرف علی هذا الموقف المعاصر من خلال طرح سؤال رئیسی مفاده"ما موقف الفنان المصری من القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة والاتجاهات العامة للدولة؟ وهل یتمکن من التّمییز بین هذه الاتجاهات بحیادیة؟ ویمتلک موقفاً نقدیاً منها؟" وجاءت النتائج المبینة فی الجدول رقم (3) لتوضیح ما یلی:
جدول رقم (3)
القضایا الثقافیة القضایا السیاسیة توجه الدولة
الهویة وتغییر القیم تحدیات العولمة التنوع الثقافی أخری تذکر الانتماء والمکانة الإرهاب والتطرف العلاقات الخارجیة أخری تذکر مؤید بشدة مؤید إلی حد ما معارض معارض بشدة
ن 41 48 20 3 36 42 29 5 36 34 22 20
% 36.6 42.8 17.8 2.6 32.2 37.5 25.9 4.4 32.1 30.3 19.6 17.8
"توزیع عینة الدراسة حسب موقفهم من القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة"
أظهرت النتائج اهتماماً کبیراً من قبل الفنان المصری لأهم القضایا الثقافیة المعاصرة التی تؤرق المجتمع المصری؛ فکان علی رأس هذه القضایا "تحدیات العولمة" بنسبة 42.8%، علی المستوى المعرفی والأخلاقی والمستوى الکونی، وبعض قضایا التبعیة والتخلف وضعف التنمیة وتشویة الثقافة المحلیة، وقد اقترح البعض لمواجهة تحدیات العولمة ثقافیاً؛ إعادة هیکلة المشروعات الثقافیة لمواکبة متطلبات السوق المحلیة والدولیة، مع تحسین المستوى الاجتماعی للمواطنین ونشر وتعزیز دور الثقافة فی مصر، ومحاولة تقلیص الفوارق الطبقیة والثقافیة ودحض الأمیة، مع رد الاعتبار للثقافة المحلیة والحضارة التاریخیة.کما جاءت قضیة "الهویة وتغییر القیم" فی المرتبة الثانیة من أولویات أهل الفن للقضایا الثقافیة بنسبة 36.6%، فأغلبهم قام بتدشین أعمال فنیة تدعو إلی دعم وتعزیز الهویة والوطنیة فی ظل منظومة التغیر القیمی فی المجتمع المعاصر فی ظل التحولات الثقافیة الراهنة، فأعمالهم المسرحیة أو الروائیة أو النحت أو الرسم أو الشعر قامت بتوظیف هذه المواهب الفنیة نحو صیانة الهویة المصریة، فبالتالی لها وظیفة وقائیة بمعنى أنها تقی عناصر المجتمع الثقافیة من إمکانیة الذوبان، والارتقاء بمنظومة القیم الإیجابیة عند الأفراد والجماعات.وقد بلغت قضیة احترام "التنوع الثقافی" والاستفادة من تنوع الخصوصیات المجتمعیة للمصریین المرتبة الثالثة بنسبة 17.8%، حیث یرون أن التنوع الثقافی للمصرین جنوباً وشمالاً، بکل مستویاته وأشکاله وآلیاته مهم نحو الحفاظ علی التراث المشترک والدفاع عنه کضرورة أخلاقیة لا تنفصل عن الکرامة المصریة، مع دعم هذا التنوع والابتکار، وإنشاء مجموعة من المشروعات الثقافیة التی تهدف إلى تعزیز أسس تطویر القطاع الثقافی فی مصر، بما فی ذلک إتاحة المعرفة والثقافة بشکل أکبر، وحمایة وتعزیز تنوع أشکال التعبیر الثقافی، مع الترکیز بشکل دقیق على الفنون المعاصرة والقطاع الإبداعی، وتنشیط بعض المناظرات الثقافیة، وإطلاق بعض الصناعات الثقافیة وصنع منافذ ثقافیة لتطویر الحرف الفنیة .. وغیرها.فیما ذکرت نسبة 2.6% من العینة ثلاثة قضایا مهمة من القضایا الثقافیة وهم؛التهمیش علی أساس طبقی، توریث بعض المناصب الثقافیة فی الدولة، المرکزیة الثقافیة وإنعزالیة الأقالیم. وهی قضایا مهمة یتناولها بعض الفنانین ویروها أولویات یجب الترکیز علیها لأنها تساهم فی تنمیة وتطویر الجانب الثقافی فی المجتمع المصری فی ظل التغیرات الإقلیمیة والدولیة.
کما تشیر عینة الدراسة أن أهم القضایا السیاسیة المعاصرة المنشغلین بها والمتعاطین معها، تبرز علی رأسها "قضایا الإرهاب والتطرف" بنسبة 37.5%، حیث یرون أن غیاب الأنشطة الإبداعیة من ثقافة وفنون له دور فی میل شبابنا نحو الحرکات المغالیة فی أفکارها، ویتصور بعضهم أن الفن قادر على مقاومة الإرهاب إذا ما تم تغییر فکر وإدارة معظم المؤسسات الثقافیة من أجل خلق فنان یراهن على الکلمة الحرة والرسم الحر نحو دعم فکرة الإرهاب یدمر والفن یبنی ویمثل سلاحاً لمقاومة التطرف وذلک من خلال العمل على إعداد منظومة تربویة تعلم الموسیقا والرسم والأدب لتشکل قاعدة فنیة تراهن على خلق شباب مصری عقلانی ولدیه حس إبداعی قائم علی التفکیر السلیم ودحض التطرف فی الفکر أو السلوک. کما جاءت قضیة "الانتماء والمکانة" فی المرتبة الثانیة بنسبة 32.2%، حیث تری هذه الشریحة أن الفن یحث أعضاء المجتمع علی الانتماء وحب الوطن، ویجب علی الدولة مقاومة وتعدیل مسار بعض الفنون التجاریة الربحیة من تضلیل الشعب وزرع کره الوطن فی قلوبهم من خلال بعض الأعمال الفنیة التی تدعوا للبلطجة والعنف وکسر هیبة الدولة وتقلیل مکانتها الإقلیمیة ودورها العالمی وإبراز المسالب المجتمعیة وعدم إبراز الایجابیات وإلقاء الضوء علی الدور الفعال لمصر وسط محیطها (وهو حال أغلب برامج التوکشو علی الفضائیات الخاصة) علی حد قولهم وموقفهم منها. فیما استقرت قضیة "العلاقات الخارجیة وتحدیاتها" فی المرتبة الثالثة بنسبة 25.9%، حیث تری هذه الفئة أن علی الدولة المصریة معرفة قوتها الدولیة وقدراتها الإقلیمیة حتى یتسنى لها تقییم علاقاتها بالدول المحیطة علی المستوی الإقلیمی أو المستوی الدولی، نحو تنمیة داخلها بشکل محلی مع الاستفادة من الخبرات العالمیة، ومعالجة القضایا والمشکلات الإقلیمیة کون مصر جزءً منها. وذکرت نسبة 4.4%، أن أهم القضایا السیاسیة المعاصرة هی؛ التحالفات الداخلیة وتهمیش دور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنی، والإصلاحات السیاسیة وقضایا التمکین، والبیروقراطیة وقضایا المرکزیة والتوترات الداخلیة.
 کما تنوعت استجابات المبحوثین ما بین مؤید ومعارض لتوجهات الدولة الداخلیة والدولیة، حیث جاءت نسبة مؤید بشدة لتوجهات الدولة فی المرتبة الأولی بنسبة 32.1%، حیث تری هذه الشریحة أن الدولة المصریة تمر بأزمات کبیر یجب مساندتها نحو الاستقرار والتنمیة. کما جاءت نسبة مؤید إلی حد ما 30.3%، وتشیر هذه الشریحة تأیدها لبعض توجهات الدولة مثل مکافحة الإرهاب والتطرف، وتحفظها لبعض التوجهات الأخرى مثل بعض القضایا الفنیة والاقتصادیة وکیفیة معالجاتها ونمط إدارتها. فیما تعارض نسبة 19.6% سیاسات الدولة فی منظومة إدارتها لبعض الملفات المهمة للدولة الداخلیة والخارجیة مثل علاقاتها الخارجیة، کما تعارض نسبة 17.8% الدولة بشدة بسبب فرض قیود وتحفظات ورقابة علی بعض الأعمال الفنیة، متمنین إطلاق ید الدولة لأصحاب المهن الفنیة بکل حریة ودون رقابة علی الأعمال الفنیة التی تجسد الواقع حتى لو کانت ضد نظام الحکم وطریقة إدارة الدولة للشؤون الخارجیة والداخلیة.
4. آلیات الموازنة بین الخیال الإبداعی للفنان والمخیال الاجتماعی تجاه مشکلات وأزمات المجتمع:
یوضح هذا المحور موازنة الفنان المصری بین خیاله الإبداعی ومخیاله الاجتماعی إزاء معالجته للقضایا والمشکلات التی تبرز فی المجتمع، ودوره المباشر فی اقتراح حلول ومعالجات لهذه المشکلات والأزمات بطریقته الفنیة الإبداعیة، ومن ثم تم طرح هذا التساؤل علی عینة الدراسة "کیف یکون الفنان سیاسیاً وغیر متحیز أو فوضوی؟ وکیف یوازن بین خیاله الإبداعی ومخیاله الاجتماعی لمعالجة مشکلات وأزمات مجتمعه؟"، ویتضح ذلک من خلال الشکل التالی:
 
شکل رقم (3) آلیات موازنة الفنان بین خیاله الإبداعی ومخیاله الاجتماعی
ذهبت شریحة من عینة الدراسة بنسبة 30.3%، أن المصداقیة وعدم المبالغة من أهم آلیات موازنة خیال الفنان الإبداعی فی أعماله الفنیة تجاه المشکلات والأزمات والقضایا التی یمر بها المجتمع المصری، نحو کسب ثقة الشعب و احترامه، بما یخدم المصلحة العلیا للوطن فی ظل تحولات إصلاحیة کبیرة،والحفاظ على المکتسبات الوطنیة وعدم التهویل أو الغش الفنی بما یقلل من تعزیز المنجزات المحققة فی مجالات التنمیة البشریة وحقوق الإنسان والارتقاء بمستوى الخدمات الإسکانیة والصحیة والتعلیمیة ومشروعات البنیة التحتیة. کما جاءت الموهبة وتنمیة الخیال العلمی فی المرتبة الثانیة بنسبة 29.4%، فبجانب الموهبة التی منحها الله للفنان یجب أن یطور نفسه باستمرار نحو تجوید أعماله وتطویرها تبعاً للمقاییس العالمیة. أیضاً تتصور شریحة من العینة أن التجرد وعدم التحیز 24.1%، من أهم آلیات أصحاب الحرف الفنیة أو الدراسین نحو إطلاق خیاله الإبداعی بشکل غیر متحیز لأی طرف أو جهة أو سلطة، وأن نسق عمله المتجرد یعطیه قدرة أکبر علی النقد المجتمعی الشامل من دون خوف أو نفاق أو تسلق نحو تحقیق العمل الفنی الذی یتحیز فقط للصالح العام. وأظهرت فئة من العینة بنسبة 16% أن الابتکار والتجدید والتخیل أحد أهم میکانیزمات موازنة الفنان بین خیاله الإبداعی وواقع مشاکل مجتمعه، فابتکار الفنان أنماط فنیة جدیدة تعالج فیها المشکلات المجتمعیة بشکل تجدیدی یساعد الدولة علی اتخاذ القرار المناسب وغیر التقلیدی لمشکلات جدیدة نابعة من تحدیات معاصرة.
کما تتصور نسبة 31.3% من عینة الدراسة أن تصویر الواقع الاجتماعی فی الأعمال الفنیة دون أی شکل من أشکال الإسفاف الفنی أحد أهم آلیات موازنة مخیال الفنان الاجتماعی، فصناع الفن علیهم مسئولیة کبیرة تجاه المجتمع فی أعمالهم التی یشاهدها الملایین من شعوب العالم العربی، وأن هذه الأعمال یجب أن تحمل الصفات الإیجابیة والبعد عن تغذیة الصفات السلبیة التی قد تدمر أخلاقیات واقتصاد المجتمع مثل (البلطجة، الخیانة، العنف، الإدمان، الفهلوة، الکسل، الربح السریع دون العمل .. وغیرها) من القیم التی تزرع فی نفوس الشباب کره الوطن أو تعلم سلوکیات سلبیة. أیضاً تشیر نسبة 30.3% من عینة الدراسة أن مقاومة الفوضى والتخریب فی الأعمال الفنیة یلقی بظلاله علی الواقع المعاش نحو استقرار المجتمع من الاضطرابات والفوضى والانزلاق إلی العنف أو الحرب الأهلیة، فلیس من المعقول من أجل الکسب والربح الفنی أن تثار قضایا خطیرة قد تؤجج الفتن الطائفیة أو الثأر أو القتل خارج نطاق القانون، فهناک العدید من الأعمال الفنیة تأخذ هذه القضایا بکل استخفاف وتهاون بغض النظر بما ستنتجه هذه الأعمال المنحرفة علی واقعنا الحالی دون مبالاة بما تسببه من تخریب أو تدمیر أو فوضی أخلاقیة أو قیمیة. فیما تدلل شریحة من عینة الدراسة بنسبة 21.4%، علی أن التخیل الاندماجی بین الفن والسیاسة قد یکسبهم واقع مختلف نحو معالجة بعض القضایا والمشکلات بطرق إبداعیة وابتکاریة. کما تشیر نسبة 16.9% من عینة الدراسة أن من أهم آلیات موازنة الفنان بین إبداعه الفنیومخیاله الاجتماعی أن یدعم الوظائف الاجتماعیة الإیجابیة داخل المجتمع ولدحض السلبیة من خلال أعماله الفنیة، وذلک لتشکیل منظومة اجتماعیة فنیة من السلوک الإنسانی وفق قیم ومعاییر أخلاقیة وفنیة بناءة، لتکیف الفرد مع المجتمع، وإعداد المواطن لحیاة متغیرة فی داخل المجتمع، طبقاً للنسق الثقافی الذی یعیش فی ظله مؤثراً فیه ومتأثراً به، ومقاومة مشاکل مثل (التشوه الثقافی، وضیاع الهویة الوطنیة والشعور بالانتماء). 
5. الطرائق المستقبلیة لتحویل الفن (بأنماطه المتعددة) إلی فن نافع ومنخرط اجتماعیاً ومساهم فی خلق حلول نوعیة:
أوضحت النتائج السابقة العلاقة الوثیقة بین الإبداع الفنی واقتراح معالجات متنوعة للقضایا السیاسیة الشائکة، لدی عینة الدراسة، وهو ما یؤکد علی وجود صلات مباشرة وغیر مباشرة بین طرفی العلاقة، وقد دعتنا هذه النتائج إلی محاولة التوصل إلی مقترحات مستقبلیة لتحویل الفن إلی فن نافع اجتماعیاً ومساهم بشکل أکبر فی معالجة مشکلات المجتمع، ومتعاون مع الدولة فی إصلاح ما تم تدمیره من قیم وأخلاقیات مؤثرة فی التنمیة الشاملة للدولة المصریة، ومن ثم فقد طرحنا علی عینة الدراسة التساؤل التالی"ما السبیل نحو تحویل الفن إلی فن منخرط اجتماعیاً وفن مساهم، ومتدخل بصورة مباشرة وبطریقة عملیة فی المجالات والاحتیاجات المتنوعة للمجتمع؟ وهل یمکن القول أن هناک فن نافع وفن مدمر؟ وجاءت النتائج المبینة فی الجدول رقم (4) لتوضیح ما یلی:
جدول رقم (4)
"توزیع عینة الدراسة حسب تصورهم إلی الطرائق المستقبلیة لتحویل الفن إلی نافع ومنخرط ومساهم اجتماعیاً"
الفن (نافع ومدمر) الفن المستقبلی المساهم الفن المستقبلی المنخرط 
متفق مع المصطلح مختلف مع المصطلح الفن الإصلاحی أوالثوری الفن المستقل أوالمؤسسی الفن التربوی أوالربحی أخری تذکر الفن القیمی والثقافی الفن التحتی والفوقی الفن العابر للحدود أخری تذکر
ن 64 48 22 51 36 3 32 44 34 2
% 57.1 42.9 19.6 45.5 32.1 2.6 28.5 39.3 30.4 1.8
 
من منطلق التساؤل الآنی: هل یمکن القول أن هناک فن نافع وفن مدمر؟ جاءت استجابات المبحوثین کالتالی؛ أن نسبة 57.1% من العینة اتفقت مع فکرة أنه یمکن توصیف الفن بالنافع للمجتمع أو المدمر لأبنیته ومؤسساته وقیمه، فرغم استقلالیة الفن وغموضه، إلا أن هذا لا ینفی أن یکون للفن دور مهم فی المجتمع نحو الفن النافع، المساهم، والإبداعیَ، والمنخرط فی الواقع السیاسی للوطن من أجل التنمیة الشاملة.إلا أن نسبة 42.9% من العینة أبدت اختلافها مع فکرة (الفن النافع)، متمسکین برؤیتهم أن الفن  رؤیة وحدس وعاطفة، یجب أن یبتعد عن أمور الواقع المجتمعی حتى لا یفسد، فاختلاط الفن بالقضایا الاجتماعیة أو السیاسیة یفسد الذوق الفنی، ویعرض الصناعة بالکامل إلی التلف وفقدان بریقها وجمالها فی معترک الهموم والمشکلات والأزمات.فالفن بالنسبة لهم لغة جمیلة أو لون مبهج أو نغم عذب لا یجب خلطة بأی شئ حتى لا یتلوث مذاقه ولا یفقد إشراقه، وفی رأیهم أنسمو الفن ما هو إلا شعور متجسد فی صور ذهنیه إبداعیة راقیة.
کما اقترحت نسبة 45.5% من عینة الدراسة أن الفن بنمطیه(المستقل أو المؤسسی) من أهم الطرائق المستقبلیة لتحویل الفن إلی مساهم فی علاج بعض مشکلات الوطن وأهم هذه المشکلات (الفقر، الإدمان، العنف، الفوضى، ضعف الانتماء .. وغیرها)، فأنصار الفن المستقل یرون ضرورة حصول الفن علی استقلالیته عن الدولة تماماً حتى لا یفقد أهم خصائصه التی تجمع بین التمرد والإبداع، والبعد عما هو سائد، وبدیلاً مهماً لجمود الحیاة الرسمیة، فالفن المستقل طال هموم جیل متمرد، اختلفت مشکلاته وطریقة تعبیره عن أفکاره، والفن المستقل لا یسمح لأی جهة بتشویه میزاته وحلمه عن الوطن والحب والقیم الإنسانیة. أما أنصار الفن المؤسسی یرون ضرورة الانزواء بأعمالهم الفنیة تحت رعایة الدولة ومؤسساتها الفنیة الکبیرة، نحو الاستفادة من القدرات الکبیرة للدولة من تمویل ورعایة وقدرة کبیرة علی التنظیم والتعمیم والشمولیة، فالعمل الفنی بعیداً عن مظلة کبیرة تحفظ وحدته وقدره، یؤول ذلک بالفن إلی تشرذم الأعمال وسطحیتها وبعدها عن العمق المجتمعی وأزماته الکبیرة. فیما أشارت شریحة من عینة الدراسة بنسبة 32.1%، أن الفن بشقیه (التربوی، الربحی) هو طریق الدولة نحو تنمیة أفراد الشعب أخلاقیاً واقتصادیاً، فأنصار الفن التربوی یرون أنه قادر علی خلق أجیال لدیها حس راق وذوق وإحساس، عن طریق الاهتمام بالمواد الدراسیة الفنیة فی المدارس والجامعات، علی أن تکون مواد دراسیة غیر تقلیدیة. أما أنصار الفن الربحی فمثلهم الأعلى اقتصاد الدول الکبرى المتقدمة الذی یعتمد بشکل أساسی علی الموارد الاقتصادیة الفنیة، فالفن فی رأیهم استمتاع وتنمیة لشعوب العالم الثالث التی یجب علی حکوماتها أن تستثمر فی الفن أفضل استثمار. کما تری نسبة 19.6% من عینة الدراسة أن الفن بنوعیه (الإصلاحی، الثوری) أحد أهم الطرائق المستقبلیة لفن نافع ومساهم فی قضایا المجتمع، فأنصار الفن الإصلاحی یتصورون أن الفن قادر علی إصلاح القیم المجتمعیة وأخلاقیات الأبنیة والأنساق المتنوعة من خلال بث منظومة من القیم الفاضلة داخل المجتمع، کما أن الفن قادر علی ترمیم ما تم هدمه بفعل عوامل التغیر والصراع والعنف والفوضى وما تبقی من تحدیات العولمة. فیما أشار أنصار الفن الثوری إلی ضرورة کنس جمیع الأفکار الفنیة التقلیدیة والأیدیولوجیات الکلاسیکیة السابقة داخل المجتمع، وإبدالها بأخرى حدیثة ومبتکرة، حتى تتماشی مع التحولات المعاصرة والتحدیات الکبیرة والمعقدة. فیما أضافت نسبة 2.6% من عینة الدراسة ثلاثة طرق جدیدة نحو خلق الفن المساهم مجتمعیاً؛ کالتالی: الفن المندمج فی القضایا المجتمعیة (کالفنون الشعبیة، والحرف الیدویة) بأدوات محلیة، الفن المعولم الذی یمزج بین أصالة المجتمع المصری وتعقد قضایاه وبین الفن العالمی ومواکبة التحولات المعاصرة، وأخیراً الفن الدائری الذی یستفید من الماضی دون تجاهل قضایا مجتمعه الآنیة ومستقبله.
کما أشارت نتائج عینة الدراسة بنسبة 39.3%  أن الفن بنمطیه (التحتی، الفوقی) یجسد تمثیلاُ للفن المنخرط مستقبلاً نحو النفع ومعالجة القضایا السیاسیة المتعددة. فأنصار الفن التحتی أو ما یسمی (بفن الغلابة) یسعون بهذا النمط من الفن إلی عرض المشکلات المتجذرة للطبقة الفقیرة من احتیاجات اقتصادیة وسیاسیة وثقافیة، وإیصال أصواتهم واحتیاجاتهم إلی المسئولین أو السلطات العلیا. کما یری أنصار الفن الفوقی أن فنهم علی درجة کبیرة من الأهمیة حیث أنهم یشارکون فی اتخاذ القرار السیاسی ویساعدون فی حل المشکلات العلیا للدولة، ویساهمون فی توثیق العلاقات الخارجیة للدولة المصریة مع الدول الأخرى عن طریق المهرجانات والمؤتمرات الفنیة العالمیة .. وغیرها. فیما تری شریحة بنسبة 30.4% من عینة الدراسة أن الفن العابر للحدود، هو مستقبل الفن فی مصر، حیث یعتمد على مجموعة من السمات التی تعبر عن موضوعات ذات علاقة بالإنسان فی کل أنحاء العالم، مهتمة بالأعمال الفنیة المعاصرة فی کل مجتمعات العالم، وأنه یجب الاهتمام بهذا النوع من الفنون لربط الدولة المصریة بالعالم المحیط بما یفید قطاع الاقتصاد والسیاحة. کما بینت فئة من عینة الدراسة بنسبة 28.5% أن الفن بنمطیه (القیمی، الثقافی) یدعم مستقبل أفضل لأفراد المجتمع المصری حیث یحافظ علی القیم من التشوه وعلی الخصوصیة الثقافیة من الطمس أو الاندثار فی ظل عالم سریع التغیر بأدوات محلیة وعالمیة. کما أضافت نسبة 1.8% من عینة الدراسة طریقتین نحو فن منخرط اجتماعیاً؛ وهم کالتالی: المشاریع الفنیة الممولة من جهات عالمیة لمساندة قضایا داخلیة، والفنون التخطیطیة التی ترسمها الدولة خلال فترة زمنیة محددة نحو تحقیق تنمیة إبداعیة وسیاسیة للمجتمع المصری.
 
- تعلیق عام علی النتائج: 
فی ضوء الإطار النظری للدراسة الذی یوضح العلاقة بین الفن والسیاسة ونمط الممارسة بینهم، وفی ضوء أهداف البحث الراهن توصلت الدراسة إلی مجموعة من النتائج تتلخص فی:
أ‌- کشفت النتائج أن نسبة من لهم اهتمام وعلاقة بالقضایا السیاسیة تعدت ثلثی العینة المأخوذة من الفنانین والدارسین للفن والمحاضرین فی مؤسسات فنیة أو أکادیمیات تعلیمیة حیث جاءت بنسبة أکبر من غیر المهتمین.
ب‌- تباینت الانتماءات الأیدیولوجیة والاهتمامات العامة للعینة، جاءت علی رأسها الأیدیولوجیة السیاسیة، وکانت الانتماءات السیاسیة لهذه الفئة تبنى على الرؤیة المستقبلیة لشکل الدولة والبعض منها یبنى على المکایدة السیاسیة،کما تنقسم هذه العینة إلی تیارات سیاسیة متعددة ما بین الیسار والیسار الاشتراکی واللیبرالی والدیموقراطى والدینی، کما تنوعت توجهاتهم فمنها المحافظ ومنها الثوری ومنها الإصلاحی، وأغلبهم ممن یدعو إلی التعاون والتشارک مع الدولة ومؤسساتها الرئیسة نحو تحقیق الاستقرار السیاسی والتقدم المجتمعی.
ج‌- من أهم آلیات تعبیر الفنان عن القضایا السیاسیة؛ جاء التعبیر الفنی علی رأس هذه الآلیات، فمن منطلق مهنتهم الفنیة فضل ما یقرب من نصف العینة استخدام التعبیرات الفنیة من مسرح ودراما ورسم وکاریکاتیر وشعر .. وغیرها نحو التعبیر عن رأیهم فی أهم القضایا والأزمات السیاسیة التی تحیط بالمجتمع المصری، فقد شرع الفنان من هذه العینة نحو ما تملیه موهبته من مشاعر وعواطف وإحساس وأسلوب خاص بوضع الصیغة التی تحقق رؤیة العقبات السیاسیة بفاعلیة إبداعیة ملیئة بالصدق والعفویة والعمق، آملین بحریة الفکر والتعبیر وإلغاء الرقابة على الفنون بشکل مطلق وجذری.
د‌- یشیر أفراد العینة أن الکیفیّات والطرق التی تمکن حضور السیاسی والفنی فی موضع واحد تکمن فی التالی:وقت احتیاج السیاسیین إلی الأعمال الفنیة، کقواعد منظمة أو مفسرة للسلوک السیاسی العام فی المجتمع، اعتناء الفن بالقواعد الأساسیة للسلامة السیاسیة والمجتمعیة، استفادة الفنانین من الظروف السیاسیة من أجل استقراء تجارب وخبرات عالمیة متنوعة داخل المجتمع المحلی، استطاعة الفن تجسید ثلاثة أنواع من القواعد السیاسیة وهی: الظاهرة السیاسیة، ورجل السیاسة، واللعبة السیاسیة.
ه‌- تتضح العلاقة بین الفنان والدولة وأنماط الممارسة، فی أن علاقة التحالف والمشارکة بین الدولة والفنانین من العینة المسحوبة جاءت علی رأس العلاقات، وهی علاقة مساندة الدولة وقت الأزمات والصعاب، وکذلک دعم النظام الحاکم ومساعدته نحو استقرار المجتمع وتنمیته الثقافیة والفنیة والإبداعیة، وعرض احتیاجات أهل الفن من النظام القائم لتطویر مؤسساته ودعم أفراده. وأهم الممارسات السیاسیة لأصحاب الفنون تتلخص فی "نشر التوعیة وتوضیح الثقافة السیاسیة ودحض التطرف، وإفساح الفضاء السیاسی للإبداع ومقاومة العنف والإقصاء، وتوظیف الخطاب السیاسی بصور فنیة لإیجاد الدلالة السیاسیة اللازمة عند معالجة قضیة أو إشکالیة معینة ذات شأن دولی أو محلی، وقدرة الفن علی إکساب الشرعیة السیاسیة للسلطة القائمة أو سحبها".
و‌- أما عن موقف الفنان المصری من القضایا الثقافیة والسیاسیة المعاصرة والاتجاهات العامة للدولة، فقد أظهرت النتائج اهتماماً کبیراً من قبل الفنان المصری بأهم القضایا الثقافیة المعاصرة التی تؤرق المجتمع المصری؛ فکان علی رأس هذه القضایا تحدیات العولمة، الهویة وتغییر القیم، وقضیة احترام "التنوع الثقافی" والاستفادة من تنوع الخصوصیات المجتمعیة للمصریین.
ز‌- تشیر عینة الدراسة أن أهم القضایا السیاسیة المعاصرة المنشغلون بها والمتعاطون معها، تبرز علی رأسها "قضایا الإرهاب والتطرف"، حیث یرون أن غیاب الأنشطة الإبداعیة من ثقافة وفنون له دور فی میل شبابنا نحو الحرکات المغالیة فی أفکارها، ویتصور بعضهم أن الفن قادر على مقاومة الإرهاب إذا ما تم تغییر فکر وإدارة معظم المؤسسات الثقافیة من أجل خلق فنان یراهن على الکلمة الحرة والرسم الحر نحو دعم فکرة الإرهاب یدمر والفن یبنی ویمثل سلاحاً لمقاومة التطرف.
ح‌- تنوعت استجابات المبحوثین ما بین مؤید ومعارض لتوجهات الدولة الداخلیة والدولیة، حیث جاءت نسبة مؤید بشدة لتوجهات الدولة فی المرتبة الأولی، حیث تری هذه الشریحة أن الدولة المصریة تمر بأزمات کبیرة ویجب مساندتها نحو الاستقرار والتنمیة. کما جاءت نسبة مؤید إلی حد ما، وتشیر هذه الشریحة إلی تأیدها لبعض توجهات الدولة مثل مکافحة الإرهاب والتطرف، وتحفظها علی بعض التوجهات الأخرى مثل بعض القضایا الفنیة والاقتصادیة وکیفیة معالجاتها ونمط إدارتها. فیما تعارض شریحة من عینة الدراسة سیاسات الدولة فی منظومة إدارتها لبعض الملفات المهمة للدولة الداخلیة والخارجیة مثل علاقاتها الخارجیة.
ط‌- أما عن أهم آلیات الموازنة بین الخیال الإبداعی للفنان والمخیال الاجتماعی تجاه مشکلات وأزمات المجتمع، فقد کشفت النتائج أن أهم هذه الآلیات " المصداقیة وعدم المبالغة، الموهبة وتنمیة الخیال العلمی، الابتکار والتجدید والتخیل، التجرد وعدم التحیز، مقاومة الفوضى والتخریب، تصویر الواقع دون إسفاف، التخیل الاندماجی بین الفن والسیاسة، دعم الوظائف الاجتماعیة الایجابیة".
ی‌- ومن أهم الطرائق المستقبلیة لتحویل الفن إلی فن نافع ومنخرط اجتماعیاً ومساهم فی خلق حلول نوعیة، أشارت نتائج الدراسة بأن هذه الطرق تتضمن تحویل الفن إلی الأنماط الآتیة "الفن الإصلاحی أو الثوری، الفن المستقل أو المؤسسی، الفن التربوی أو الربحی، الفن القیمی والثقافی، الفن التحتی والفوقی، الفن العابر للحدود".
واستخلاصاً مما سبق ذکره نستطیع القول؛ بأننا لازلنا فی حاجة ماسة إلی إجراء العدید من الدراسات والأبحاث الدقیقة، لاکتشاف المزید من جوانب الغموض فی العلاقة بین الفن والسیاسة، والکشف عن الجوانب الخفیة من أنماط الممارسة بین أهل الفن وأهل السلطة ومتخذی القرارات العلیا بالدولة، فی مجتمع یحتاج لتکاتف جمیع الجهود الأکادیمیة نحو التنمیة الشاملة، والفن رکن أصیل فی هذه التنمیة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
قائمة المراجع
1. Adrian Millar (2013); Socio-ideological Fantasy and the Northern Ireland Conflict: The Other Side,New Approaches to Conflict Analysis MUP,USA, Manchester University Press, PP 1-19.
2. Andrew Nestingen(2011); Crime and Fantasy in Scandinavia: Fiction, Film, and Social Change, New Directions in Scandinavian Studies, USA, University of Washington Press, PP 13-19.
3. Anthony Elliott (2004); Social Theory Since Freud: Traversing Social Imaginaries, London, Psychology Press, PP 81-82.
4. Arnold Hauser (2012); The Sociology of Art (Routledge Revivals),Routledge Revivals, London, Routledge, P 89.
5. Arnold W. Foster, Judith R. Blau(1989); Art and Society: Readings in the Sociology of the Arts,SUNY series in the Sociology of Culture, USA, SUNY Press, P 4.
6. BasmaHamdy, Don Stone Karl (2015); The walls of freedom, USA, From Here To Fame GmbH, PP 5-19.
7. Bertolt Brecht (2015); Brecht On Art And Politics,UK, Bloomsbury Publishing, PP 14-16.
8. Brian M. Stableford(2004); Historical Dictionary of Science Fiction Literature,Of G - Reference, Information and Interdisciplinary Subjects Series, Issue 1 of the Historical dictionaries of literature and the arts, USA, Scarecrow Press, P 302.
9. Briar Holt (2012); An Examination of the Relationship Between Art and Politics, New Zealand, University of Otago, PP 11-15.
10. Charles R. Garoian(1999); Performing Pedagogy: Toward an Art of Politics,USA, SUNY Press, PP65-68.
11. Christina Riggs; Ancient Egyptian Art and Architecture(2014): A Very Short Introduction, UK, Oxford University Press, PP 1-10.
12. Christine Poggi(2009); Inventing Futurism: The Art and Politics of Artificial Optimism, USA, Princeton University Press, PP2-10.
13. Claudia Mesch(2013); Art and Politics: A Small History of Art for Social Change Since 1945, UK, I.B.Tauris, PP 1-17.
14. Diego A. von Vacano(2007); The Art of Power: Machiavelli, Nietzsche, and the Making of Aesthetic Political Theory,G - Reference, Information and Interdisciplinary Subjects Series,UK, Lexington Books, PP 60-145.
15. Harry F. Dahms(2015); DGlobalization, Critique and Social Theory: Diagnoses and Challenges, Current Perspectives in Social Theoy 33,USA, Emerald Group Publishing, PP 210-212.
16. J. Ormrod(2014); Fantasy and Social Movements, Studies in the Psychosocial,Germany, Springer, PP 3-127.
17. JaromirMalek(1999); Egyptian Art A&i, UK, Phaidon Press, PP 15-23.
18. Johann Joachim Winckelmann, Alex Potts(2006); History of the Art of Antiquity, Texts & documents: a series of the Getty Center publication programs, USA, Getty Publications, P 117.
19. John Kucich(2009); Imperial Masochism: British Fiction, Fantasy, and Social Class, USA, Princeton University Press, P 3.
20. John Orr (2000); The Art and Politics of Film, Edinburgh University Press Series,UK, Edinburgh University Press, PP 183-199.
21. John R. Wallach (2010); Platonic Political Art: A Study of Critical Reason and Democracy, USA, Penn State Press, PP 23-24.
22. Karen Kurczynski(2014); The Art and Politics of AsgerJorn: The Avant-Garde Won't Give Up, London, Ashgate Publishing, Ltd, PP1-3.
23. Kenneth MacKendrick(2008); Discourse, Desire, and Fantasy in JurgenHabermas' Critical Theory, Studies in philosophy,France, Routledge, PP 15-16.
24. Klaus von Beyme(2013); On Political Culture, Cultural Policy, Art and Politics,SpringerBriefs on Pioneers in Science and Practice,Texts and Protocols,Germany, Springer Science & Business Media, PP 118-133.
25. Larry Elliott, Dan Atkinson (2007); Fantasy Island: Waking Up to the Incredible Economic, Political and Social Illusions of the Blair Legacy, USA, Constable.
26. Lucy Mazdon(2001); France on Film: Reflections on Popular French Cinema,Film Studies, Film studies & French studies, France on Film: Reflections on Popular French Cinema, London, Wallflower Press, PP1-27.
27. Marc James Léger (2012); Brave New Avant Garde: Essays on Contemporary Art and Politics, USA, John Hunt Publishing, P 9.
28. - Murray Edelman (1996); From Art to Politics: How Artistic Creations Shape Political Conceptions, London, University of Chicago Press, PP 130-131.
29. Patrick Kane (2013); The Politics of Art in Modern Egypt: Aesthetics, Ideology and Nation-Building,Library of Modern Middle East Studies,USA, I.B.Tauris, PP1-56.
30. Paul Avis (2013); God and the Creative Imagination: Metaphor, Symbol and Myth in Religion and Theology,London, Routledge, PP 117-118.
31. Pia F. Cuneo(2002); Art and Politics in Early Modern Germany: JörgBreu the Elder and the Fashioning of Political Identity, Ca. 1475-1536, Germany, BRILL, PP 4-5.
32. Randy Martin (2015); The Routledge Companion to Art and Politics, France, Routledge, P10.
33. Raymond Boudon, Francois Bourricaud (2002); A Critical Dictionary of Sociology, London, Routledge, PP 80-81.
34. - Robert Alexander Nisbet(2004); Sociology as an Art Form (Ppr),Bobbs-Merrill reprint series in the social sciences,USA, Transaction Publishers, PP 9-23.
35. Robert Klanten, Pedro Alonzo (2011); Art & Agenda: Political Art and Activism, New York, Prestel Pub, PP 58-59.
36. Robert Shulman (2000); The Power of Political Art: The 1930s Literary Left Reconsidered, USA, UNC Press Books, PP 46-47.
37. Russell A. Berman (1989); Modern Culture and Critical Theory: Art, Politics, and the Legacy of the Frankfurt School,England, Univ of Wisconsin Press, PP 80-178.
38. Southern Illinois University at Carbondale. Philosophy(2007); The Art of Politics: John Dewey's Theory of Aesthetics, Democracy, and Revolution,USA, ProQuest, P 26.
39. Tony Lawson, Joan Garrod(2012); Dictionary of Sociology, London, Routledge, PP 15-16.