المواطنة على متصل النشاط والانسحاب فى المجتمع المصري

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

اهتمت هذه الورقة البحثية بممارسة المواطنة فى المجتمع المصري، والتي تجعلها تدور فى فلک المواطنة النشطة، أم الانسحابية وذلک فى ضوء مفاهيم متعددة کمفهوم الحقوق والواجبات والعدالة والمساواة وموقف المصريين من المواطنة القومية مقابل الکونية، وقد استخدم البحث منهج المسح الاجتماعي، وطبق من خلال عينة واسعة النطاق قوامها 1387 مفردة، واستخدمت الدراسة استمارة الاستبيان کأداة رئيسية، کما استخدمت أداة مساعدة، وهي دليل للمقابلة وذلک لضمان للتعددية المنهجية فى أدوات البحث وأساليب التحليل.
وقد أظهر البحث الميداني وجود أنماط من المواطنة أطلق عليها المواطنة الانسحابية، وکذلک بعض الممارسات السلبية للمواطنة تجعل ممارسات المواطنة فى المجتمع المصري تفتقر إلى کثير من أشکال الفاعلية والنشاط وتتجه صوب المنحى السلبي والانسحابى.
 
 
"Active and Withdrawal Activity in the Egyptian Society"
 
Abstract
This paper focused on the practice of citizenship in the Egyptian society, whether it is active citizenship, or withdrawal citizenship in the light of multiple concepts, such as rights, duties, justice, equality and the attitude of Egyptians towards national citizenship versus cosmic citizenship. The social survey approach was used in the study and applied through a broad sample of 1,387 informants. The study used the questionnaire as a key tool, and an interview as an aid tool, to ensure systematic pluralism in research tools and methods of analysis.
The field research revealed patterns of citizenship called withdrawal citizenship, as well as some negative practices of citizenship that make the practices of citizenship in the Egyptian society lack many forms of effectiveness and activity and move towards the negative and withdrawal trends.
 

الكلمات الرئيسية


المواطنة على متصل النشاط والانسحاب فى المجتمع المصری

نیرة علوان*

أولاً: مقدمة فی مشکلة الدراسة:

إن المواطنة کممارسة تتضمن علاقات تفاعلیة متعددة ترتبط بتصورات ذهنیة سابقة عن مفهوم المواطنة، حیث إن للمواطنة جانبین: جانب معرفی ثقافی، وآخر سلوکی، والذی ینعکس على ممارسات الحیاة الیومیة للمواطنین وفی تفاعلاتهم، وقد انطلق هذا المشروع البحثی لاستکشاف شکل ممارسة المواطنة، والتفاعلات الدائرة حوله، والتی تضعها فی دائرة الفاعلیة والنشاط (المواطنة النشطة) أو فی دائرة الخمول والسلبیة (المواطنة الخاملة)، وما قد ینجلی عن هذا الفهم من الکشف عن وجود أزمة فی المواطنة أم لا.

وقد انبثقت هذه المشکلة البحثیة عن بحث سابق حول "مفهوم الوطن والمواطنة بین النظریة والواقع فی المجتمع المصری" (علوان، نیرة، 2015)؛ والذی خلص إلى إن مفهوم المواطنة لدى المصریین قد ترکز فی بوتقة الحقوق الأساسیة لا الواجبات؛ وهنا قد تتشکل الأزمة فی المواطنة أو فی ممارسة المواطنة النشطة، عندما تفشل الدولة فی حمایة المواطنة الاجتماعیة لفشلها فی إشباع الحاجات الأساسیة لمواطنیها، وتحقیق المساواة والعدالة التی هی الأساس الحداثى للمواطنة، والتی أشار لها " Bryan Turner " حیث الترکیز على الحقوق الإنسانیة للبشر؛ وبهذا قد تفقد المواطنة إحدى الدعامات التی تستند إلیها حینما تترکز فی نطاق الحقوق؛ بل والحقوق المنقوصة أیضًا، والذی قد یؤدی إلى عجز الدولة عن بناء المواطنة الکاملة وبخاصة فی ظل انتشار أشکال من عدم المساواة وغیاب العدالة الاجتماعیة أحیانًا، فالمساواة والعدالة الاجتماعیة هما جوهر المواطنة. وقد یخلق هذا الوضع فجوة بین الواقع أو الممارسة الفعلیة، والجوانب التشریعیة والتنظیریة، وبخاصة والدراسات السابقة أثبتت إن هناک تفاوتات واضحة بین المجتمعات فی ممارسات المواطنة وبخاصة الشکل النشط منها، ولهذا کان لابد من إماطة اللثام وإلقاء بصیص من الضوء على الشکل الذی تتجلى به المواطنة فى الواقع المصری.

ومن هذا المنطلق، فقد ترکزت مشکلة البحث الحالی فی التعرف على ممارسة المواطنة فی المجتمع المصری، والتی تجعلها تدور فی فلک المواطنة النشطة أم الانسحابیه، وذلک فی ضوء مفاهیم متعددة کمفهوم الحقوق والواجبات والعدالة والمساواة وموقف المصریین من المواطنة القومیة مقابل المواطنة الکونیة.

وتسعی الدراسة لتحقیق هدف رئیسی ألا وهو: التعرف على الشکل الذی تتجلی به المواطنة لدى المصریین، وماهو موقع ممارسات المواطنة على متصل النشاط والانسحاب؟ فی ظل واقع مجتمعی قد یحمل فی طیاته العدید من المشکلات الاقتصادیة والاجتماعیة والتی قد یظهر معها إشکال انسحابیه من المواطنة تعوق الاندماج المجتمعی. ولتحقیق هذا الهدف تسعى الدراسة للإجابة على عدة تساؤلات ألا وهی:

1)    ما أشکال التفاعل وممارسة المواطنة فی ضوء الحق والواجب؟

2)    ما هو انعکاس الواقع الخاص بالمجتمع المصری مع بعض ممارسات المواطنة النشطة (ممارسة اقتصادیة، اجتماعیة، قانونیة)؟

3)    هل یتأثر التفاعل النشط للمواطن لدى المصریین بالعدالة الاجتماعیة والمساواة؟

4)    أین یقف المصریون ما بین المواطنة القومیة والکونیة؟

ثانیا: الإجراءات المنهجیة وخصائص العینة:

نتعرف هنا على الإستراتیجیة البحثیة، وأدوات جمع البیانات وخصائص العینة.

1)    الإستراتیجیة البحثیة:

رکزت هذه الدراسة على إستراتیجیة بحثیة تقوم على جمع البیانات من خلال عینة واسعة النطاق، باستخدام طریقة المسح الاجتماعی، وقد تم سحب العینة من خلال الجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء کما تم التأکد من الصدق والثبات باستمارة الاستبیان بالتطبیق على 50 مفردة، وتم تدریب عدد من الباحثین المیدانین للتطبیق فى المحافظات المختلفة، وقد توخت الدراسة فى التحلیل هنا الأسلوب الکمی باستخدام أداه الاستبیان کأداة رئیسیة، کما استخدمت أداة مساعدة لجمع بیانات تفصیلیة عن عدد محدود من الحالات باستخدام دلیل المقابلة، مما مکن الدراسة من استخدام أسلوب التحلیل الکمی والکیفی لضمان التعددیة المنهجیة فى أدوات البحث وأسلوب التحلیل.

جدول (1) المحافظات

المحافظات

العینة

عدد

نسبة %

القاهرة

237

17.8 %

بنی سویف

142

10.2 %

سوهاج

300

21.6 %

الدقهلیة

400

28.8 %

القلیوبیة

298

21.5 %

الإجمالی

1387

100 %

 

 

2)    أدوات جمع البیانات:

(‌أ)    استمارة الاستبیان:

استخدمت الدراسة استمارة الاستبیان کأداة رئیسیة، وتنوعت محاور الاستمارة تبعاً لمحاور الدراسة: وهى

 (أ-1) أشکال التفاعل وممارسة المواطنة النشطة أو الإنسحابیة فى ضوء الحق والواجب.

 (أ-2) نماذج من ممارسات المواطنة فى عدة نطاقات (اقتصادیة، اجتماعیة، قانونیة)

 (أ-3) المواطنة فى ضوء العدالة الاجتماعیة

 (أ-4) المواطنة النشطة والانسحابیة ما بین القومیة والکونیة.

(‌ب)       دلیل المقابلة: استخدم البحث دلیل للمقابلة کأداة مساعدة للحصول على مادة کیفیة تفصیلیة، واعتمدت الدراسة على مقابلة "أربعة عشر مبحوث"، وترکزت عینة المقابلة فى القاهرة، وتم إجراء المقابلات بعد انتهاء المسح الاجتماعی للحصول على بیانات أکثر حداثة وعمق.

3)    خصائص العینة: تم تطبیق الاستبیان على عینة قوامها 1387 مفردة، سحبت من خلال الجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء.

 وفیما یلی خصائص عینة الدراسة بالتفصیل:

 وتظهر هذه الخصائص تنوع توزیع العینة بین محافظات الوجه القبلی والبحری والتنوع فی التعلیم والدخل والدین والفئات العمریة والریف والحضر أی "أنها عینة ممثلة بشکل کبیر للمجتمع المصری.

 

شکل (1)

شکل (2)

ثالثاً: الأهمیة النظریة والتطبیقیة:

1)    الأهمیة النظریة: إن حداثة الاهتمام الغربی بمفهوم المواطنة النشطة، انعکس على ندرة الأبحاث العربیة حوله رغم أهمیته المجتمعیة الکبرى، ولهذا فهذه الدراسة هی محاولة لتوجیه الاهتمام إلى الدراسات المتعلقة بالمواطنة خاصة الشکل النشط منها.

2)    الأهمیة التطبیقیة: إن الأهمیة النظریة لمفهوم المواطنة النشطة ترجع فى جوهرها الفعلی لأهمیتها التطبیقیة حیث أن المجتمع لن ینهض إلا بمواطنین فاعلین ونشطاء، وهذه الدراسة تحاول إماطة اللثام عن واقع المجتمع المصری وممارسات المواطنة الفعلیة التی یمارسها أبناء الوطن وموقعها على متصل النشاط والفاعلیة أو الانسحاب والتقهقر، حیث لا یمکن نجاح أی محاولات للنهوض بالوطن، أو بناء الإنسان إلا من خلال الفهم العمیق للکیفیة التی یتفاعل بها المواطن مع الوطن وأشکال ممارسات المواطنة وکوابحها، ومن هنا تنبع الأهمیة التطبیقیة لهذه الورقة البحثیة.

 

 

رابعاً: من المواطنة (Citizenship) إلى المواطنة النشطة (Active Citizenship):

إن مسألة المواطنة دارت دورة کاملة بدأت من التشکل الجنینى لمتغیر المواطنة فى "دولة المدینة" الإغریقیة والرومانیة، ثم تابع المتغیر تطوره واکتماله عبر التاریخ وبلغ قمة نضجه مع تأسیس الدولة القومیة (على لیله 2007، ص 73)، ویلاحظ أن مفهوم المواطنة مفهوم معقد له معان متعددة وهذه المعانی المتعددة تعکس استخدامات متعددة ومستویات مختلفة، وقد أشارا KivistoوFaist ((Faist and kivist:2007 لتعدد مسمیات وأنواع المواطنة التی تناولها العلماء والباحثون منها:

Multi Cultural Citizenship

المواطنة متعددة الثقافات

(2009 Moreira - Delgado)

Multi Layered Citizenship

المواطنة متعددة الطبقات

(2000 – Youval – Davis)

 Cyber Citizenship

المواطنة السیبرانیة

(1997 – Tombini)

Environmental Citizenship

المواطنة البیئیة

(2001 Jelin)

Feminist Citizenship

المواطنة النسویة

(1997 – Lister)

Flexible Citizenship

المواطنة المرنة

(1999 – Ong)

Traditional Citizenship

المواطنة التقلیدیة

(2004, Blomraad)

Protective citizenship

المواطنة الحامیة

(2003), Singer and, Gilbertson)

world citizen ship

المواطنة العالمیة

(2002, Heaten)

Global citizen ship

المواطنة العالمیة

(1994, falk)

Universal citizen ship

المواطنة الکونیة

(1989, Young)

Cosmopolitan Citizenship

المواطنة الکوزموبولیتانة

(1998, Linklater)

Multiple Citizenship

المواطنة المتعددة

(1995, Held)

Post national Citizenship

المواطنة ما بعد القومیة

(1994, Soysal)

Transnational Citizenship

المواطنة العابرة للحدود

(2001, Johnston)

Dual citizenship

المواطنة المزدوجة

(1991, Miller)

Nested citizenship

المواطنة المتداخلة

(2000, Faint)

Cultural citizenship

المواطنة الثقافیة

(1997, Stevensn)

ولا تزال القائمة مفتوحة للإضافة

وتعرف المواطنة بشکل مبسط بأنها: "علاقة الفرد والدولة کما یحددها قانون تلک الدولة، وما تتضمنه العلاقة من حقوق وواجبات"، وقد اتسع استخدام المفهوم بعد الرؤیة التی قدمها مارشال “Marshall” فی کتابه الکلاسیکی للمواطنة والطبقة الاجتماعیة عام1949  “citizenship and socialclass” واهتمامه بالحقوق المدنیة والسیاسیة والاجتماعیة. Scott John:2006,p26)) وقد أضاف تیرنر“Bryan Turner” کثیرا لمفهم المواطنة وحدد العناصر التی یتضمنها المفهوم ومنها:

(‌أ)    الحقوق والواجبات الاجتماعیة.

(‌ب)    الممارسات المرتبطة بهذه الحقوق والواجبات.

(‌ج) القوی الاجتماعیة المنتجة لهذه الممارسات.

(‌د)   وسائل توزیع المنافع على القطاعات المختلفة فی المجتمع(Turner,2000,p.3)

وتهتم الدراسة بالمواطنة على أساس تضمنها لمستویین رئیسین: المستوى الأول: مستوى الوعی والفکر، ویمکن أن نطلق علیها ثقافة المواطنة أو "المفهوم الذهنی للمواطنة"، والمستوى الثانی: وهو المستوى البنائی والتطبیقی، والذی یرتبط بمجموعة الحقوق والواجبات بین المواطن والدولة، وما یرتبط بها من ممارسات وسلوکیات أو المفهوم السلوکی للمواطنة، وهو المستوى الذی تهتم به الدراسة الحالیة.

ویمکننا أن نحدد مفهوم المواطنة بأنه: "مجموعة من الممارسات القانونیة والاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة المختلفة والتی تعرف الفرد کعضو فی الدولة، وهی نتاج مرکب تاریخی من التصورات الذهنیة والثقافیة لدى الأفراد عن علاقتهم بالوطن والمواطنین، وما تتضمنه من حقوق وواجبات تنعکس فی دوائر الحیاة الیومیة".

وتتضمن المواطنة على صعیدیها النظری والسلوکی عدة شروط منها:

  1. الإقامة المشترکة فی منطقة جغرافیة محددة.
  2. الإقامة فی کنف دولة قومیة، والانتماء لهذه الدولة. والانتماء هذا دفع البعض للتمییز بین المواطنة الفعلیةSubstantive"" وبین المواطنة الشکلیة "Formal citizen ship"  فالأولى تتصف بأنها مواطنة داخلیة أصیلة، والثانیة تتصف بأنها مواطنة مکتسبة (غیر أصیلة).
  3. لا یمکن فهم المواطنة دون مبدأ الحقوق والواجبات، ونمیز هنا بین الحقوق والواجبات المفروغ منها (الثابتة) Passive، والحقوق والواجبات الإیجابیة (النشطة) active وتشیر الحقوق الثابتة کما یذهب تومبسون Thompson إلى حقوق الوجود والعیش وهی حقوق مکتسبة بالمواطنة لا جدال فیها، وتناظرها واجبات مکتسبة وثابتة لا جدال فیها أیضا، أما الحقوق والواجبات (النشطة)، ففیها مزید من الانخراط السیاسی والمشارکة السیاسیة والاجتماعیة.
  4. ینصرف مفهوم المواطنة إلى الهویة الوطنیة التی تتجاوز کل ما تحتها من هویات ضیقة وکل ما فوقها من هویات واسعة،.لقد فتحت العولمة بما تحمله من تضییق للمسافات والانفتاح لقنوات الاتصال والتواصل، فتحت الطریق نحو صور جدیدة من المواطنة تحت ما یطلق علیه المواطنة الکونیة أو المواطنة العولمیةGlobal Citizenship.
  5. من الطبیعی أن یتحول بعض المواطنین الذین تفرض علیهم أعمالهم إلى هذا النوع من المواطنة أن یحملوا مبادئ عالمیة، وأن یتنقلوا عبر العالم بحکم عملهم وطبیعة نشاطهم.
  6. لا تستقیم المواطنة إلا فی ضوء منظومة العدالة (زاید: 2018،
     ص ص106:110)

والشروط السابقة توضح إن المواطنة هی عملیة تفاعل دینامی نشطة، الخمول وعدم الفاعلیة قد لا یستقیم مع المعنی الصحیح للمواطنة وهذا ما حدا بالباحثین لاستحداث مفهوم المواطنة النشـــــــطة ”Active citizenship”، حیـــــــث أضیف مفهــــــــوم "النشاط" أو “Active” للمواطنة فی البدء فی الدراسات التی اهتمت بالتعلیم، وکانت المفوضیة الأوربیة الأکثر اهتماما بمفهوم المواطنة النشطة ففی عام 2000 عرفت المواطنة النشطة بأنها: "تمکین المواطنین من أن یکون لهم أصوات مسموعة فی مجتمعاتهم، ولدیهم إحساس بالانتماء للمجتمعات التی یعیشون بها، وکذلک قیم الدیمقراطیة والمساواة وتفهم للثقافات والآراء المختلفة".وکذلک عرفها (Hoskins) بأنها: "المشارکة فی المجتمع المدنی والمجتمع المحلی أو الحیاة السیاسیة، والتی تتسم بالاحترام المتبادل وبما یتفق مع حقوق الإنسان والدیمقراطیة". (Hoskins, 2009, P. 470)

کما یعرفها آخرون بأنها: "العضویة النشطة فی مجتمع سیاسی فی إطار من الحقوق والمسئولیات والممارسة النشطة التی یشارک من خلالها الأفراد فی اتخاذ القرارات التی تؤثر على حیاتهم، ویصبحون عناصر فاعلة فی کل ما یتعلق بشئونهم الخاصة وشئون المجتمع". (محمد سرحان: 2011، ص 590)؛ ولهذا تظهر المواطنة النشطة کمستوى من مستویات المواطنة أشار إلیها "Lister" بأنها تتسم بالدینامیة وتتضمن عملیات وتفاعلات تؤدی إلى مخرجات والتی تعود مرة أخرى کمدخلات جدیدة لعملیات أخرى فی علاقة جدلیة متشابکة، والمواطنة النشطة هی مشروع جوهری لإحداث الاستدماج المجتمعی وإحداث تغیرات رادیکالیة کما أشارت "Moujje" حیث أکدت على إن المشروع الدیمقراطی لا یکتب له النجاح بدون المواطن النشط الرادیکالی الذی یتفاعل کمواطن مشارک ومتفاعل مع الشأن الجمعی العام. (Haccup Tony: 2018, p.17)، وتتطلب المواطنة النشطة المواطن النشط"Active citizen" الذی یشارک فی الأنشطة السیاسیة ویکون مهتما بأعضاء الجماعة ویشارک بنشاط فی التفاعلات العامة (زاید: 2018، ص116)

وبالقطع فإن توفر هذه الفاعلیة والنشاط للمواطنة النشطة والمواطن الفعال النشط، تتطلب سیاقا تتوافر به الشروط التی سبق الإشارة إلیها؛ منها حقوق وواجبات متبادلة ومجموعة ممارسات مرتبطة بها، وکذلک تتطلب وجود العدالة کمبدأ اجتماعی ومجتمعی لا تستقیم المواطنة إلا فی ضوئه خاصة فى ضوء أن غیاب هذا السیاق المحفز للفاعلیة والنشاط، قد یوجه الأفراد نحو ممارسات وأفکار وتصورات تؤدى لانسحاب الأفراد من الحیاة العامة لبناء عوالم وحیاة خاصة، وهى نتیجة خلصت إلیها إحدى الدراسات حیث أشارت إلى أن هناک قیوداً بنائیة تمنع التدفق الإیجابی لرأس المال الاجتماعی، وتحیله إلى رصید سلبی لا یؤثر ایجابیاً، وینعکس ذلک على الاندماج الاجتماعی والذی یعد المؤشر الحقیقی على رأس المال الاجتماعی وشبکه العلاقات الاجتماعیة حیث أظهرت نتائج الدراسة أن هناک تراجع فى الاندماج الاجتماعی وتأکل رأس المال الاجتماعی لدى الطبقة الوسطى فى المجتمع المصری وتحول نطاق نفوذها من المجال العام إلى المجال الخاص، ومن ثم التخلی عن أهداف أو الانسحاب منها، وهذا الانسحاب من العام للخاص وتحویل الأهداف، أظهر " ثقافة رافضة" لکل ما هو خارج حدود الفرد، وارتباط الرضا عن الحیاة بکل ما هو شخصی، وهو ما أطلق علیه "زاید" " ثقافة الامتعاض" أو " ثقافة القنوط" والتی تعد کابحاً رئیسیاً فى تطویر رأس مال اجتماعی إیجابی (زاید وآخرون: 2006، ص 171:199) وهذه نقطة تثیر إشکالیة نظریه جدیدة للدراسة موضع البحث هل عدم توافر رأس مال مناسب مع غیاب الإحساس بالعدالة أو الأمن الاجتماعی یمکن أن یشکل قیداً بنائیاً یمنع الاندماج الاجتماعی أو التدفق الإیجابی النشط ویدعو للانسحاب أو یولد أشکال مختلفة من المواطنة، أی أن تآکل رصید المواطن من رأس المال الاجتماعی _الذی هو تراکمی وانتقالی ومتکرر (بورد یو: 2012، ص 90)_ یؤدى لبناء مواطنة انسحابیه فى ضوء ضعف الموارد والأرصدة التی یملکها الأفراد وفى ضوء وجود کوابح للاندماج الاجتماعی المدنی مثل انعدام الأمن وغیاب الثقة التی تعد رأس مال اجتماعی یعین الأفراد على تأسیس حیاة جمعیة والتعایش فى نظام جمعی واحد (أحمد زاید وآخرون 2006، ص 184)

وهذه هی الموضوعات التی سنکشف عنها فی بحثنا الحالی لدراسة بعض ممارسات المواطنة وتفاعلها فی ضوء النشاط والفاعلیة أو الخمول فی ضوء بعض المؤشرات التی یمکن أن نتعرف من خلالها على بعض أشکال ممارسة المواطنة، وهی مؤشرات بعضها یتمحور فی المستوى الشخصی، وأخرى تنعکس على المستوى المجتمعی وما یتضمنه من کوابح للاندماج الاجتماعی النشط. ومن هنا یمکن أن نعرف المواطنة النشطة إجرائیًا بأنها(( عملیة تفاعل دینامى نشط، تتضمن مجموعة من الممارسات القانونیة والاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة والتی تعرف الفرد کعضو فى دولة، ویمکن أن نستدل علیها من خلال عدد من المؤشرات هی:

1)    المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات.

2)    بعض الممارسات القانونیة والاجتماعیة والاقتصادیة.

3)    النشاط والانسحاب فى ضوء مفهوم العدالة الاجتماعیة.

4)    التفاعل مع بعض المؤثرات العالمیة (المواطنة ذات التوجه العالمی).

ومن خلال هذه المؤشرات تحاول الدراسة أن تضع المواطنة على متصل النشاط أو الانسحاب، أو ما قد یظهر من أشکال أخرى للمواطنة فى المجتمع المصری. ویمکن أن نلخص القضایا النظریة التی سبق طرحها، فی هذا النموذج التحلیلی الذی تستخدمه الدراسة موضوع البحث ویظهر فی الشکل التالی:

 

شکل (3)

 

 

خامساً: عرض نقدی للتراث البحثی:

یعد الاهتمام بالمواطنة أمرًا حدیثًا نسبیًا، إلا أنه بالرغم من هذه الحداثة، فإن التراث البحثی الذی اهتم بها زاخر، ربما کان ذلک لما تلمسه قضیة المواطنة من جوانب حیاتیة مختلفة وما تؤثر فیه، ومؤخرا أصبح اهتمام البحث العلمی لیس فقط بالمواطنة کمفهوم أو ممارسة بل اهتم الباحثون بنوعیة المواطنة ذاتها والمواطن الممارس لها، ولهذا فقد توجهت بعض البحوث العلمیة لدراسة المواطنة النشطة (Active citizenship) کنمط مثالی لممارسات المواطنة، ولهذا اهتمت الورقة البحثیة بالدراسات التی اهتمت بالمواطنة النشطة باعتبارها النمط المرغوب والذی یمثل الهدف الذی تصبو إلیه المجتمعات وقد صنف البحث الحالی التراث الذی اهتم بالمواطنة النشطة إلى عدة محاور مختلفة تبعاً للاهتمام المشترک وسنعرض لها تباعا:

المحور الأول: المواطنة النشطة والتعلیم (آلیات الاستدماج):

لأن المواطنة النشطة هی النمط المثالی المرغوب فی الوصول إلیه فقد لوحظ الاهتمام بدراسة علاقة المواطنة النشطة بالتعلیم فی العدید من الدراسات، حیث أکدت العدید من الدراسات على أهمیة التعلیم ودوره فی تفعیل المواطنة النشطة، وکونه من آلیات الاستدماج المجتمعی للمواطنة النشطة فنجد دراسة فی المجتمع السویدی (Aldenmy Sara, Wigg Ulrika and Alson Maria, 2012) تشیر إلى إن التعلیم الذی یلعب دورًا فی تشکیل مفهوم المواطنة النشطة وبخاصة فی ظل المجتمع اللیبرالی الحدیث، حیث أصبح مصطلح المواطنة النشطة مفهوما مطاطیا ومرنا فی النظام التعلیمی، وأکدت الدراسة على ضرورة وضع المواطنة النشطة داخل السیاق التعلیمی، وتشجیع الطلاب والمعلمین، کما رکزت على ضرورة الاهتمام بالمسائل الاثنیة وإدماج المهاجرین، وتعلیم قیم الدیمقراطیة والمشارکة لإعداد الطلاب لممارسة المواطنة النشطة.

کما اهتمت بعض الدراسات بالتأثیر المباشر لبعض أنواع التعلیم کالعلوم الاجتماعیة ودورها فی التأثیر على المواطنة النشطة فی ترکیا، وقد طبقت هذه الدراسة على المجتمع الترکی لاستطلاع آراء المعلمین والطلاب من خلال مقابلات متعددة وأظهرت دور العلوم الاجتماعیة فعال فی تفعیل المواطنة وبخاصة الشکل النشط منها. (Kahveci, Nihat, Gurel, 2012)

کما اهتمت دراسات أخرى بتأثیر طرق تدریس محددة على المواطنة النشطة کطرق التعلیم الخدمی فی التدریس والتی تهدف للارتقاء بالأهداف التعلیمیة من خلال خدمة المجتمع المحیط وکذلک الاهتمام بدمج التعلیم الأکادیمی وخدمة المجتمع معا؛ فهذا ما أکدته دراسة (Johnthan& Scott, 2013) عن دور التعلیم الخدمی وترکیزه على الجانب التطوعی فی تشجیع المواطنة النشطة، والتعاون والقبول المجتمعی بین الجماعات المختلفة فی المملکة المتحدة وأهمیة هذا النمط التعلیمی للمواطن لما یحققه من نتائج فعالة وتأثیر على المواطنة النشطة.

وأکدت دراسة أخرى (حیدر منصور سمیة، 2016) ذات الفکرة مشیرة إلى إن التعلیم الخدمی أصبح مدخلا معاصرا فی تربیة المواطنة الفعالة فی التعلیم، واعتمدت الباحثة على المنهج الوصفی التحلیلی، وقد أکدت بأن تربیة المواطنة الفعالة أصبحت تمثل تحدیا أمام المؤسسات التعلیمیة فی مصر، وأنه لابد لإنجاح تربیة المواطنة الفعالة هو تطبیق معاییر الجودة الخاصة بالتعلیم الخدمی وتفعیل العلاقات بین المدرسة والمجتمع المحلی وکذلک إعداد المعلمین، وتوصلت لذات النتیجة دراسة أخرى عن المجتمع السوری (ناصیف منصور ابتسام، 2016) حول أهمیة المدخل الخدمی فی تعزیز المواطنة الفعالة واستخدمت المنهج الوصفی التحلیلی لاستطلاع آراء عینة من 203 مفردات من طلاب جامعة دمشق، وقد خلصت النتائج إلى إن هناک ضرورة لاستخدام هذا المدخل التعلیمی وإن کانت فاعلیته تختلف تبعا لبعض المتغیرات کالسکن والتخصص الدراسی حیث إن طلاب العلوم الإنسانیة کعلم النفس أکثر استجابة لهذا المدخل التعلیمی وکذلک طلاب الریف.

وقد أشارت دراسة أخرى إلى نمط مختلف لاستدماج المواطنة النشطة فی التعلیم، وذلک من خلال تدریس نماذج مثالیة فی بعض البرامج التعلیمیة المقدمة على شبکة الإنترنت منها دراسة (Sharma A Namrat, 2015) واهتمت هذه الورقة البحثیة بدارسی Course (PGCE) وهی دورة على الإنترنت لخریجی جامعة "Nottingham" وبها 250 طالبا من دول متعددة، واختبرت الورقة البحثیة تأثیر دراسة أفکار کلاً من (Gandhi and Makiguchi) اللذین قادا مجتمعاتهما (الهند والیابان) لإحداث تغیر واضح، وقد خلص البحث إلى ضرورة وجود تدعیم مؤسسی وسیاسات داعمة لإعادة النظر فی التعلیم من خلال نظرة عالمیة، وضرورة إتاحة مناخ متعدد الثقافات وإخضاع المعلمین ذاتهم للتدریس فی فصول لطلاب ذوی ثقافات متعددة، مما یدعم المواطنة النشطة فی هذا العالم الفسیح المعولم.

وعلى ذات المنوال، فقد أکدت دراسات أخرى على إن التعلیم هو الآلیة المحوریة لاستدماج المواطنة النشطة فتشیر دراسة (Recichert Frank, 2016) لأهمیة أن یکون التعلیم من أجل تعلیم الصغار أن المواطنة النشطة فی المجتمع الأسترالی وما یتضمنه ذلک من ممارسات دیمقراطیة، حیث أکد الباحث أن مشارکة الطلاب فی المجتمع المدرسی وصناعة القرار أمرا مهم، وهناک ضرورة ملحة لتشجیع المسئولین بالطلاب فی المدارس على ممارسات المواطنة لیکونوا مواطنین نشطاء، حیث یشیر الباحث بأن الطلاب المشارکین فی صناعة القرار المدرسی ربما یصبحون هم ذواتهم صانعوا القرار الدیمقراطی فی الدولة غدًا.

وقد رأت دراسات أخرى إن التعلیم من أجل المواطنة النشطة لیس فقط ضمانًا لإیجاد مواطنین نشطاء، بل قد یکون سبیلا لإیجاد سلام وتکامل مجتمعی، وهذا ما أکدت علیه دراسة (AkarBassel, 2016) وهی دراسة طبقت فی المجتمع اللبنانی واهتمت بتحلیل المناقشات فی غرف المدرسین فی 7 مدارس وخلص الباحث لضرورة أهمیة المحاورات التربویة فی التعلیم من أجل المواطنة النشطة ودورها فی تعزیز التماسک الاجتماعی وبناء السلام المجتمعی فی لبنان، وقد أشارت الدراسة لنقطة مهمة إن التعلیم من أجل المواطنة لا یشترط أن یُضمن فی البرامج التعلیمیة ذات الطابع الرسمی فقط حیث إن المحاورات التربویة فی البرامج ذات الطابع غیر الرسمی کانت أکثر فاعلیة، وبالقطع النتیجة التی أشارت إلیها الورقة البحثیة السابقة لها أهمیة بالغة وعلى المهتمین بوضع السیاسات التعلیمیة النظر إلیها.

وفی نطاق التراث البحثی المتعلق بالتعلیم والمواطنة النشطة، فقد أظهر البحث إن القائمین أو الفاعلین فی عملیة إدماج المواطنة النشطة من خلال التعلیم قد تؤثر هویاتهم وسماتهم وخبراتهم فی تفعیل هذا الدور، وهذا ما دعمته دراسة (Vickery, Amanda, 2017) أجریت فی مدرسة أمریکیة بالتطبیق على بعض المدرسات ذوات الأصول الإفریقیة، خلصت هذه الدراسة إلى أن أولئک المدرسات، عندما یقمن ببناء المواطنة لدى الطلاب فإن ذلک یتم بالنظر إلى خبراتهن التاریخیة والمعرفیة أی: إن الهویة تؤثر على طریقة إدماج وتدریس المواطنة، فیرفضن أی فکر یتعارض مع خبراتهن کنساء أمریکیات أفریقیات.

وأخیراً أظهر التراث البحثی المتعلق بهذا المحور إن ممارسة المواطنة النشطة هی بالفعل عملیة تراکمیة، وهی نتاج لعوامل متعددة ویلعب بها النسق التعلیمی دورا محوریا حیث إن میکانیزمات التعلم المختلفة هی من الآلیات المحوریة والمؤثرة على استدماج المواطنة بمفاهیمها وممارستها النشطة؛ وذلک من خلال مناهج محددة، أو مداخل وطرق تعلیم مختلفة، أو من خلال تدریب الطلاب والمعلمین باختلاف ثقافتهم على الممارسات النشطة للمواطنة، وبالقطع فإن هذا التراث البحثی أماط اللثام عن قضیة شدیدة الأهمیة ستضعها هذه الورقة البحثیة فی الاعتبار ألا وهی: إن البحث الحالی سوف یجرى فی سیاق مجتمعی مختلف وإن الغالبیة العظمى من المواطنین لم تتضمن لدیهم العملیة التعلیمیة أیة محاولات لاستدماج المواطنة سواء کمفهوم أو کممارسات ولهذا ستختبر المواطنة ممارسات المواطنة فی هذا السیاق المجتمعی المختلف من حیث تفاعلها مع الممارسات النشطة Active أو السلبیة Passive.

المحور الثانی: المواطنة النشطة والفاعلون:

إن المواطنة تتضمن علاقة تفاعلیة بین المواطن والدولة وعلى هذا؛ فإن تحقیق المواطنة النشطة، بالقطع سیتطلب فاعلین وأدوارًا متعددة، ومن المؤکد إن الدولة من المفترض إن تکون فی مقدمة أولئک الفاعلین، وقد أشارت دراسة لعلاقة الدولة بتحقیق المواطنة النشطة فی بریطانیا (Kearns Ade, 1995) وأکدت على أنه لضمان الوصول للمواطنة النشطة، فلابد من إیجاد علاقة بین الدولة والمجتمع المدنی، الدولة متمثلة فی الحکومة المحلیة والتی تلعب دورا أساسیا فی تحقیق المواطنة النشطة، وأشارت الدراسة إلى ضرورة الوضع فی الاعتبار الأوضاع السیاسیة والجغرافیة وما تتضمنه من اختلافات فی طبیعة المکان وکثافة السکان التی تؤثر على المواطنة الفاعلة، والاضطلاع بتحقیق المواطنة الفاعلة هو مسئولیة مجتمعیة مشترکة لن یتأتى لها أن تتحقق من خلال الدولة أو الحکومة فقط، بل تحتاج إلى فاعلین نشطاء، وهذا ما أظهرته إحدى الأوراق البحثیة (Palumbo Mauro, 2014) لإقلیم “Liguria” الإیطالی والذی کان موضعا لدراسة حالة، حیث أظهر البحث أهمیة وجود الفاعلین النشطاء فی المجتمع وذلک لتحقیق المواطنة بشکل إیجابی، وفاعلیة المواطنة لن تتأتى إلا بالمشارکة المجتمعیة الکاملة لکل أفراد المجتمع فی العمل المدنی بدون استثناء جماعة أو جنس محدد وهذا ما أظهرته دراسة (Hinton Akip, 2015) حیث أظهرت ضرورة المشارکة المدنیة للمهاجرین (حتى غیر الموثقین)، خاصة الشباب داخل الجامعة، حیث أظهرت الورقة البحثیة من خلال دراسة حالة جماعة من الجماعات ذات النشاط المدنی داخل جامعة کالیفورنیا وهی DEAS إن المشارکة فی الأنشطة المدنیة تضیق الفجوة بین المفهوم النظری للمواطنة النشطة والشکل القانونی لها، وإن الممارسات والنشاط المدنی انعکسا على وجود تفاعلات نشطة للطلاب، وکذلک أظهر الطلاب النشطون میلا کبیرا للقیادة والتنظیم.

وأخیرًا فقد، أظهرت الدراسات السابقة أهمیة عوامل مختلفة فی التأثیر على المواطنین وممارساتهم للمواطنة فکان للدولة دورا مهم من خلال المجتمع المحلی فی مساعدة المواطنین وبخاصة الشباب على النشاط والفاعلیة، وإن اختلف النطاق المکانی والجغرافی فی أشکال التفاعل، کما أظهرت الدراسات وهذا ما سنحاول دراسته عند دراسة ممارسات المواطنة وبخاصة التفاعل النشط منها لنتعرف على علاقة المواطنین بالدولة ومدى نشاطهم ومشارکتهم الفعلیة داخل المجتمع المصری.

المحور الثالث: نظرة تحلیلیة للمواطنة النشطة:

یتضمن هذا المحور الدراسات التی اهتمت بتقدیم مؤشرات لقیاس المواطنة النشطة، أو وضع تحلیل تاریخی للمواطنة النشطة، أو حتى وضع طرق لتنمیة المواطنة ومنها دراسة (Hoskins Bryony, 2009) لقیاس المواطنة من خلال مؤشرات مرکبة طبقها الباحث على نتائج المسح الاجتماعی الأوربی (2002) والذی تم جمعه من (19) دولة أوربیة، وقد خلص الباحث من تحلیله لنتیجة مهمة جدًا ألا وهی: إن الدول الأوربیة بها درجات متباینة من المواطنة النشطة، فأشارت النتائج إن الدول الشمالیة (Nordic) مثل السوید لدیها درجة أعلى من المواطنة النشطة، ثم وسط أوربا والأنجلوساکسونیة، ثم دول البحر المتوسط ثم دول أوربا الشرقیة التی تقترب بالکاد من تصنیف المواطنة النشطة، حیث ارتبطت المواطنة النشطة بالتعلیم وصناعة السیاسة.

وبعیدًا عن محاولات قیاس المواطنة النشطة فی أوربا، فإن تحلیل المواطنة النشطة کمفهوم أو عملیة، قد أثار اهتمام العدید من الدراسات وبعض هذه الدراسات أخذ منحى تاریخیا فی تحلیل المواطنة النشطة ومنها دراسة (Marinett Michael, 2003) والذی تتبع المواطنة النشطة تاریخیا من الدولة الیونانیة وحتى التاریخ الحدیث، من خلال استخدام تحلیل تاریخی بنائی.

وقد أظهرت الدراسة بأن الاهتمام المتزاید والمکثف بالمواطنة النشطة قد ظهر فی بریطانیا بشکل أکثر کثافة فی الخمسة عشرة عاما الأخیرة، وبخاصة فی المناقشات السیاسیة وصناعة السیاسات وأصبحت المواطنة النشطة علامة فاصلة فی النظام الدیمقراطی اللیبرالی فی الجانب الخاص بعلاقة المجتمع المدنی والواقع السیاسی.

وکما أظهرت دراسة قیاس المواطنة النشطة وجود اختلافات من الدول فی درجات فاعلیة المواطنة، فإن التتبع التاریخی لها فی دراسات أخرى أکدت أیضاً هذه النتیجة ففی دراسة (Luntakallio, Eva, 2011) توصلت من خلال تتبع تاریخی مقارن لأنشطة وأفکار الفنلندیین والفرنسیین حول المواطنة النشطة وإجراء مقابلات، أشارت النتائج إلى وجود اختلافات فیما بین المجتمعین، فقد توصلت الدراسة إلى إن المجتمع الفنلندی، اتسم بدرجة أعلى من المواطنة الإیجابیة التی ترکز على الانتماء والتکامل داخل المجتمع، أما أنشطة المجتمع الفرنسی فقد أشارت لوجود معضلة أمام الدولة تتمثل فی وجود أشکال من عدم المساواة فی ممارسات المواطنة.

وهنا یجدر الإشارة إلى إن هذه الفروق المجتمعیة فی درجة نشاط ممارسات المواطنة حدت ببعض الدراسات إلى الاهتمام بوضع تصورات لتنمیة المواطنة وزیادة فاعلیتها وطبقت الدراسة على شباب الجامعة وهی دراسة (سرحان أحمد، 2011) والتی حاولت تقدیم مقترح لتنمیة المواطنة الفعالة لدى الشباب الجامعی فی مصر، وقد هدفت الدراسة لتحدید وتوصیف مستوى المواطنة الفعالة لدى الشباب الجامعی فی مصر وأهم التحدیات التی تواجه تنمیة المواطنة الفعالة لدى الشباب الجامعی، ثم التوصل لمقترح تنمیة المواطنة النشطة، وقد استخدم الباحث مقیاس للمواطنة الفعالة لدى الشباب وطبقه على عینة قوامها 270 مفردة، وقد خلصت الدراسة لعدة نتائج مهمة منها: نمو النزعة الفردیة بین صفوف الشباب مع وجود ضعف للمشارکة السیاسیة، مما یشیر إلى انخفاض مستوى المواطنة الفعالة لدى الشباب، وقد انتهت الدراسة لوضع برنامج مقترح لتنمیة المواطنة الفعالة لدى الشباب الجامعی من منظور طریقة تنظیم المجتمع.

وأخیراً فإن الدراسات فی هذا المحور تحفز الذهن على إثارة تساؤل ألا وهو: ما موقع ممارسات المواطنة النشطة فی عالمنا العربی؟ وأین یمکن أن یکون موقعنا فی المقیاس ذی المؤشرات المتعددة؟ وهذا تساؤل یحتاج لدراسات عدیدة، وربما تکون هذه الورقة البحثیة إحدى هذه المحاولات.

المحور الرابع: المواطنة النشطة وقضایا مجتمعیة:

فی هذا المحور اهتمت الدراسات بعلاقة المواطنة النشطة ببعض القضایا الاجتماعیة کدورها فی تحسین الخدمات أو تحقیق التکامل والاندماج أو علاقتها بالمشارکة وغیرها من القضایا، وبعض هذه الدراسات عززت دور ممارسات المواطنة النشطة فی زیادة فاعلیة الخدمات الاجتماعیة ومنها دراسة (Brannan Tessa, John Peter and Stoker Gerry, 2006) التی اهتمت بممارسات المواطنة النشطة فی إنجلترا، ودورها فی زیادة فاعلیة الخدمات کالإسکان والحد من الجریمة وتحسین التعلیم والصحة، وقد أکدت الدراسة على ضرورة إدراج المواطنین المدنیین النشطاء فی الأجندة السیاسیة لجعلها أکثر تأثیرًا، مع الاعتراف بصعوبة ذلک فی الممارسات الواقعیة الفعلیة بالنسبة لصانعی السیاسات.

وهذا ما حدا ببعض الدراسات الدعوة لاتخاذ المواطنة الفعالة کمدخل لتحسین الأداء الإداری الحکومی فی الدولة (وفا محمد، دینا، 2010) حیث خلصت الدراسة لأهمیة اتخاذ المواطنة الفعالة کمدخل لتطویر العمل الحکومی فی مصر، ورغم ترکیز الکثیر من الأوراق البحثیة على الجانب المضیء والمهم لممارسة المواطنة النشطة فی المجتمع ودورها فی تحسین الخدمات إلا أن هناک عددا من الدراسات أبرزت بعض الجوانب التی قد یُغفل عنها مثل بعض الفئات المجتمعیة أو حتى العمریة کالأطفال، کما أظهرت دراسة (O’ Brien and Salonen, 2011) حیث خلصت إلى إن کثیر من الأطفال لازالوا یعانون من الفقر، وتم التغافل عن حقوقهم فی نیوزیلاندا والسوید حیث أن الترکیز عند الحدیث عن حقوق المواطنة یکون منصبا على حیاة وحقوق الکبار ولیس احتیاجات وحقوق الطفل، وبالقطع هذه القضیة لن تتعلق بالأطفال فقط کما أشارت الدراسة السابقة فقد یتغافل المجتمع أحیاناً عند المناداة بالحقوق عن الکثیر من الفئات والطبقات المجتمعیة مما قد یؤدی لانعدام معیار العدالة الذی هو أساس المواطنة بکل أشکالها، وهذه نقطة ستحاول الدراسة موضع البحث عدم إغفالها.

وحول علاقة المواطنة النشطة ببعض القضایا المجتمعیة الأخرى نجد دراسة أخرى
(Reuben Ng, 2009) اهتمت بعلاقة المواطنة النشطة بالمشارکة الاجتماعیة والتماسک المجتمعی للشباب فی سنغافورة واعتمدت الورقة على مسح اجتماعی أجرى على 4106 شباب فی سنغافورة، وخلصت الدراسة لنتیجة شدیدة الأهمیة ألا وهی: إن ممارسة المواطنة الفعالة تبدأ من الاهتمام والقیام بالمسئولیات داخل الأسرة وإن المواطنة النشطة والمشارکة الاجتماعیة أساس التماسک الاجتماعی.

وحول علاقة المواطنة النشطة ببعض القضایا المجتمعیة، برزت علاقة العمل التطوعی بالمواطنة النشطة کمحور للدراسة (Tansey Gallo, 2015) حیث خلصت تلک الدراسة لأهمیة العمل التطوعی للشباب کأساس للتحول إلى ممارسة نشطة للمواطنة، وقد أجریت الدراسة على الشباب المتطوع فی المفوضیة الأوربیة، وأظهرت تمیز الشباب المتطوع عندما یترک لهم تحمل المسئولیة والتی تنعکس على ممارسة المواطنة النشطة "للشباب الأوربی".

ویلاحظ إن کانت الدراسات السابقة حول المواطنة النشطة ودورها المجتمعی فی بعض الجوانب الاجتماعیة کالتماسک أو علاقتها بالتطوع والمشارکة تمت فی مجتمعات غربیة، فإن الدراسات التی اهتمت بالمواطنة النشطة فی المجتمع المصری جاء أغلبها مهتماً بها کتداعیات لثورة 25 ینایر فنجد دراسة (سارة أشرف ، 2013) اهتمت بدراسة الأمن الاقتصادی والمواطنة النشطة فی المجتمع المصری، کتداعیات لثورة ینایر وکذلک دراسة أخرى بعد ثورة 25 ینایر عن علاقة الاندماج الاجتماعی والمواطنة النشطة (علی جلبی ، 2013) التی اختتمت بمحاولة توظیف إستراتیجیة مجتمع الجودة فی بلورة بعض الخیارات للمستقبل باعتبار أن مصر فی تلک المرحلة تقف فی مفترق طرق بحثا عن وجهة تسیر فیها نحو إعادة بناء المستقبل، واستکمالا للاهتمام بتأثیر ثورة 25 ینایر على المواطنة بشکلها النشط اهتمت دراسة أخرى (محمود الصغیر ، 2017) بدور ثورة 25 ینایر فی تفعیل قیم المواطنة النشطة لدى الشباب المصری.

باعتبار أن الثورة کانت محرکا لتفعیل قیم کالمشارکة والولاء والهویة لدى الشباب المصری فی الریف والحضر مع الإشارة لاختلاف هذه القیم باختلاف البیئة الریفیة والحضریة.

وفی نهایة هذا المحور أظهرت الدراسات السابقة ونتائج الأوراق البحثیة إن دراسة ممارسات المواطنة لم تعد أمرا اختیاریا حیث إن ممارسات المواطنة أصبحت ترتبط بأرکان وثوابت المجتمع کالتکامل الاجتماعی والمشارکة المجتمعیة وتحسین الخدمات وذلک فی نطاق المجتمع العالمی، ولهذا أصبحت دراسات المواطنة فی المجتمع المصری أمرًا إجباریًا مع الوضع فی الاعتبار أن غالبیة الدراسات التی اهتمت بالمواطنة النشطة مؤخرًا فی مصر قد اهتمت بها فی ضوء علاقتها بثورة 25 ینایر سواء بالتأثیر أو التأثر، وبهذا، فقد جاءت الورقة البحثیة الحالیة لتحاول أن تضیف حیزًا معرفیًا مختلفًا.

وفی ختام عرض بعض من التراث البحثی المزدحم نود أن نشیر لعدة ملاحظات ألا وهی:

-       إن الاهتمام بالمواطنة هو أمر حدیث ولذا، فإن الدراسات حول المواطنة النشطة هی دراسات حدیثة نسبیاً، وقد ترکزت أغلب الدراسات فی الغرب حیث أن التراث العربی حول المواطنة النشطة قلیل نسبیاً ربما لحداثة الاهتمام الغربی، وأیضاً ربما لان الوطن العربی یمتلئ بالمشکلات التی قد تنشغل بها الدراسات رغم أهمیة المواطنة النشطة کمدخل لحل کثیر من هذه المعضلات، إلا أن کثیرا من الباحثین لم ینتبهوا لذلک.

-       رکزت أغلب الدراسات على علاقات المواطنة النشطة بقضایا مختلفة أو کیفیة إدماجها من خلال التعلیم أو قیاسها وتحلیلها، ولم تتعرض الدراسات بشکل مباشر لممارسات المواطنین ذاتها وعلاقتهم بالدولة، أی: إنها لم تلمس المواطن ذاته، وهذا ما تسعى الدراسة الحالیة إلیه حیث ترصد الدراسة موضع البحث تفاعلات المواطنة سواء فی نطاق الفاعلیة أو الخمول والانسحاب.

-       اکتفت العدید من الأوراق البحثیة بالتحلیل التاریخی للمواطنة النشطة، أو بتحلیل کمی لنتائج مسوح سابقة، أو تطبیق استمارة استبیان أو دلیل بسیط للمقابلة، إلا أن هذه الورقة البحثیة حاولت أن تستخدم التعددیة المنهجیة باستخدام مسح اجتماعی واسع النطاق ممثل نسبیاً للمجتمع المصری، وإجراء بعض المقابلات المیدانیة للحصول على بیانات کیفیة، وإن ظلت استمارة الاستبیان هی الأداة الرئیسیة، والهدف من ذلک هو الاقتراب الفعلی والمباشر من فهم واقع المواطنة فی المجتمع المصری.


سادساً: المواطنة الانسحابیة والمواطنة التفاعلیة فی ضوء الحق الواجب:

نناقش هنا قضیة شدیدة التعقید ففی دراسة سابقة عن مفهوم المواطنة بین النظریة والواقع (نیرة علوان، 2015) أظهرت النتائج ترکیز المصرین على مفهوم المواطنة من منظور حقوق المواطن واعتبروا أن الحق قبل الواجب، وهذا ما لا یتلاءم مع صور المواطنة النشطة. وهنا تصبح المواطنة فی مأزق تجعل علینا لزاماً بادئ ذی بدء التعرف على شکل وطبیعة العلاقة بین المواطن والدولة من منظور الحق والواجب، أو ما أشکال ممارسة المواطنة فی ضوء هذا التصور المعرفی الثقافی عن المواطنة وانعکاساته على السلوک والممارسات؟ وقد أظهر البحث إن هناک حالة من التقهقر المتعمد من المواطنین عن المشارکة فی أی نشاط أو اجتماع یخص الوطن، فظهر 92% تقریبا من العینة لم یشارکوا فی أی عمل أو نشاط له طابع وطنی لمدة أکثر من عام. (جدول 2) ولم یرشح 97% من العینة فی أیة انتخابات (جدول 3).

المشارکة فى ما یخدم الوطن

 

الترشح فى انتخابات

 

عدد

نسبة مئویة

 

 

عدد

نسبة مئویة

مرة واحدة

51

3.7%

 

نعم

39

2.8%

أکثر من مرة

58

4.2%

 

لا

1348

97.2%

لم أشارک على الإطلاق

1278

92.1%

 

الإجمالی

1387

100%

الإجمالی

1387

100%

 

                        جدول (2)

 

                        جدول (3)

وقد دعمت المقابلات هذه النتیجة ولم یظهر أی شکل من أشکال النشاط والفاعلیة فی خدمة الوطن إلا مع "مبحوثة 14" وهی مسنة فأشارت "نعم شارکت لقد کنت رئیسة التنظیم النسائی فی الإذاعة وخدمت البلد وطلبت معاش السادات للأرامل وماشی لحد دلوقتی، وکمان تطوعت فی تمریض أثناء الحرب"، ونجد هنا أنه للأسف الحالة الوحیدة التی أبدت فاعلیة ونشاط کانت فوق الثمانین من العمر، أما الشباب، فلم یظهر أی من أشکال المشارکة.وربما یرتبط بهذه الممارسة الانسحابیة رؤیة أنهم لم یحصلوا على حقوقهم
(جدول 4).

هل ترى أن الدولة تؤدی واجبها تجاه المواطن المصری

 

عدد

نسبة مئویة

نعم

423

30.5%

إلى حد ما

197

14.2%

لا

767

55.3%

الإجمالی

1387

100%

جدول (4)

فنجد 55% من أولئک المواطنین یرون إن الدولة لم تؤد واجباتها 14% إلى حد ما، فى حین أشار بنعم 30% فقط، وکان سکان الریف أکثر رضا بنسبة 40% تقریبا فی حین أن سکان الحضر راضون بنسبة 25% (جدول 5).

هل ترى أن الدولة تؤدی واجبها تجاه المواطن المصری
(الریف والحضر)

 

 

ریف

حضر

اجمالى

نعم

عدد

275

178

423

نسبة

33.9%

25.7%

30.5%

إلى حد ما

عدد

110

87

197

نسبة

13.6%

15.1%

14.2%

لا

عدد

426

341

767

نسبة

52.5%

59.2%

55.3%

 

اجمالى

811

576

1387

جدول (5)

ربما ذلک لعدم وجود التفاوتات الاجتماعیة الموجودة بالمدن، والأمر الأکثر إثارة للحیرة إن الطبقات العلیا من العینة أکثر الطبقات رؤیة بأن الدولة لم تعط المواطن المصری حقه بنسبة 22.4% ترى إن الدولة أدت واجبها نحو المواطن المصری، فی حین رأت الطبقة الدنیا ذلک بنسبة 33.3% (جدول 6)

هل ترى أن الدولة تؤدی واجبها تجاه المواطن المصری (الطبقة)

 

 

دنیا

وسطى

علیا

اجمالى

نعم

عدد

177

187

59

423

نسبة

33.3%

31.5%

22.4%

30.5%

إلى حد ما

عدد

52

93

52

197

نسبة

9.8%

15.7%

19.8

14.2%

لا

عدد

302

313

152

767

نسبة

56.9%

52.8%

57.8

55.3%

 

اجمالى

531

593

264

1387

جدول (6)

وتؤکد المقابلات ذلک فتشیر "مبحوثة 11" وهی من طبقة میسورة نسبیا "الدولة لا تؤدی واجبها؛ بل تبحث عن حقها من الشعب المسکین قبل أن تعطیه حقوقه، فالخدمات المجانیة التی تقدمها الدولة لا نستطیع استخدامها فهی غیر آدمیة وبخاصة فی مجال التعلیم والصحة".

 

 

 

 

 

 

 

ما هی الحقوق التی لم تقدمها لک الدولة بشکل کامل

 

العدد

النسبة

العمل

710

20.4%

التعلیم

472

13.6%

کل حقوقی

375

10.8%

حریة التعبیر عن الرأی

249

7.2%

الأمن

522

15%

العلاج الدائم

574

16.5%

حریة التنقل والسفر

169

4.9%

استخراج وثائق من الحکومة

167

4.8%

حریة تنظیم المظاهرات

97

2.8%

أخرى

138

4%

الإجمالی

2472

100%

جدول (7)

وقد تنوعت الحقوق التی لم یحصل علیها المواطنون وترکز أغلبها فی الحقوق الأساسیة للمواطنة التی أشار إلیها "Turner" کالتعلیم والعلاج والعمل بل رأى حوالی 11% تقریباً أنهم لا یحصلون على کل حقوقهم وهی نسبة لا یستهان بها من المواطنین (جدول 7).

ویؤکد المبحوثون فی المقابلات على الإحساس بعدم حصولهم على حقوقهم کما یجب فیشیر "مبحوثان 5 و 2". (المواطن المصری مظلوم فی المرتبات والأجواء المعیشیة بس مش کل المواطنین ده حال الطبقة الفقیرة والمتوسطة، فالعلاج مثلا متوفر للأغنیاء للی لیهم سلطة فی البلد أما الطبقة الفقیرة لا).

وبکل أسف یؤکد ذلک "مبحوث 3" (کل حاجة الدولة مقصرة فیها لا تعلیم ولا صحة ولا حریة الناس تعبانة محدش واخد حقه غیر الأغنیاء أما الفقراء طالع عینهم)، وللأسف فقد کانت المقابلات أغلبها تنحو هذا المنحى السلبی تجاه دور الدولة وحقوق المواطنین، فی حق الحصول على التعلیم الجید والتأمین الصحی للفقراء والوساطة فی العمل، والذی انعکس على الثقة بالدولة فیشیر "مبحوث 10" "لقد أصبح لا ثقة لدی فی الدولة الحکومة کدابة تقول بتوفیر فرص عمل للشباب ولا نجد شیء، کله کدابین حتى رجال الدین کدابین وکله بیاخد فلوس وضحک على الدقون، لما البلد توفرلی وظیفة عدلة ومرتب معقول ابقى اخدمها وأفکر فیها".ویؤکد هذا الانطباع السلبی وبشکل ساخر عن دور الدولة تجاه المواطن "مبحوث 9" وهو للأسف شاب بقوله (إن الدولة لا توفر أی خدمة للمواطن غیر خدمة الدفن السریع وهی أفضل خدمة توفرها للمصریین)، ورغم مبالغة هذا التصور ولکنه یحمل فی طیاته کما کبیرا من الأسى والحزن، ومؤشرا على تفکک الروابط التی تربط هذا الشاب بالدولة إذا استمر الوضع بهذا الحال کثیرا حیث أن فقدان الثقة بالدولة قد یؤدى إلى انعدام الرغبة إلى النزوع فى المشارکة فى الحیاة العامة، فیؤکد "روبرت یوتنام" ذلک حیث یرى إن الجماعة التی تتسم بوجود الثقة بین أعضائها تکون أکثر قدرة على الإنجاز بالمقارنة مع الجماعات الأخرى التی تفتقد إلى الثقة. (زبیرى رمضان، 2012، ص 6)، وهذا ما یجعلنا نحاول أن نستکشف انعکاس هذا الوضع من عدم الحصول على الحقوق على ما قد یقدمه المواطنون من واجبات، أو ما قد یقومون به من ممارسات انسحابیة تعکس شکل العلاقة بین الفرد والدولة وانعدام الثقة، تلک الممارسات التی أشار جیدنز لأهمیتها کأساس لفهم الطریقة التی یتشکل بها المجتمع، وبخاصة الممارسات من وجهة نظر الحقوق والواجبات وکذلک الأسالیب الملائمة أو غیر الملائمة لأداء هذه الممارسات (زاید: 2016، ص176) والتی تتناقض هنا مع المواطنة التفاعلیة والتی یمکن أن نعتبرها شکلاً محددًا للمواطنة الفعالة والنشطة، فنجد الممارسات قد تشیر أحیانًا لوجود أزمة فی المواطنة، وتنعکس هذه الأزمة على ممارسات المواطنین فحین نجد أکثر من ثلث المواطنین من العینة 34% تقریبا، تکون استجاباتهم لعدم حصولهم على حقوقهم بعدم فعل أی شئ (جدول 8)؛ وتلک النسبة ترتفع لدى الطبقات الدنیا الفقیرة لتقترب من النصف بنسبة 45% تقریبا، فإن هذا الشکل الانسحابی والانهزامی قد یصبح مؤشرا خطیرا؛ وبخاصة وأن فکرة السعی خلف الحق أکثر من مرة کانت أکثر بزوغا لدى الطبقات العلیا بنسبة 43.8%، ثم الطبقات الوسطى 39.7%، ثم الدنیا بنسبة منخفضة 29.6%، على العکس من الحصول على الحق المسلوب بالقوة التی کانت أکثر بزوغا لدى الطبقات الدنیا بنسبة 8.7% تقریبا، ثم الوسطى 7.4%، ثم العلیا بنسبة 5.8% (شکل 4).

ماذا تفعل عندما تجد حقوقک مهضومة؟

 

العدد

النسبة

أقدم شکوى رسمیة

424

26.8 %

لا أفعل شیئاً

542

34.3 %

أسعى وراء حقی أکثر من مرة حتى أحصل علیه

502

31.8%

أخذ حقی بالقوة

104

6.6 %

أخرى

8

5%

الإجمالی

1580

100%

جدول (8)

 

 

 

وربما یرى البعض بأن هذه النسبة ضئیلة ولیست لها دلالة ولکن عندما نحاول أن نتأملها بشکل أکثر عمقا نجد إن الطبقة الدنیا أصبحت تجد المطالبة بحقوقها بشکل رسمی لا جدوى ولا طائل منها کالطبقات العلیا، أما عند استخدام القوة والعنف للحصول على الحق، فإن الطبقات الدنیا کانت أکثر استخداما للقوة والعنف من الطبقات العلیا، وهذا مؤشر على الدولة الانتباه له فی ظل منظومة إهدار الحقوق الأساسیة، وحینما یصبح الفقراء أمام خیارین: أمام الانسحاب والتقهقر، أو القوة والعنف. وهنا یمکن أن یکون ذلک مدخلا للاستسلام للأفکار المتطرفة والتوجهات العنیفة.

کما ذکر "مبحوث 2" بقوله: (لا أفعل شیء إلا إنی أقول کما قال أبو سیدنا یوسف إنما أشکو بثی وحزنی إلى الله فالشکوى لغیر الله مذلة)،وأکدت نفس الفکرة "مبحوثة 5" بقولها "لا أفعل شیء سوى قول حسبنا الله"، فی حین ذکر "مبحوث 1" وهو من ذوی الدخل المرتفع نسبیًا (لن استسلم أبدا بل أظل وراء حقی حتى آخذه، وأطالب بحقی بالطرق والإجراءات الرسمیة) أما "مبحوث "9 وهو شاب من ذوی الدخل المنخفض (عندما أجد حقوقی مهضومة ألجأ إلى الشکاوی فإن لم تحل فألجأ للإضراب ثم نتجمهر أنا والمظلومین مثلی لاسترداد الحقوق) وهو ما أکده مبحوث (4) أیضاً بقوله: "العیار اللی ما یصبش یدوش". وهنا یظهر بأن المقابلات قد أکدت نفس الأفکار التی ظهرت من نتائج البحث.

وتزداد هذه الفکرة النظریة تعقیداً فی المجتمع المصری عندما نجد 60% تقریباً من أفراد العینة لا یکفی دخلهم مصاریف حیاتهم بنسبة 45.2% لا یکفی و14%إلى حد ما شکل (5)

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقد أکدت المقابلات ذلک بأن الدخل لا یکفی المصاریف إلا "مبحوثة 13" والتی أشارت لذلک" بقولها: "الدخل یکفی لأننا نعمل بالخارج، لو کنا نعمل فی مصر أکید لم یکن یکفی الدخل". وقد ظهرت هذه النسبة فی الریف والحضر أیضاً بنسبة 60% تقریباً (جدول 9).

 

هل یکفی دخلک مصاریف الحیاة بالنسبة لک (الریف والحضر)

 

 

ریف

حضر

اجمالى

نعم

عدد

326

228

554

نسبة

40.2%

39.6%

39.9%

إلى حد ما

عدد

134

72

206

نسبة

16.5%

12.5%

14.9%

لا

عدد

351

276

627

نسبة

43.3%

47.9%

45.2%

جدول (9)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهل هذا یمکن أن ینذر بأی أمن إنسانی وسلام مجتمعی وبخاصة فی ظل إحساس أفراد العینة بأن سبب المشکلة والحل لیس ذاتی؛ بل هو من الدولة حیث أشار 47.3% الدولة علیها أن ترفع المرتبات، أما الحلول الذاتیة کالعمل بمهنة أخرى أو البحث عن عمل إضافی، فبلغت النسبة 36% تقریباً (شکل 6)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (6)

أی: الشعب یرى إن الدولة لدیها المشکلة والحل وابتعد الجمیع عن الحلول الذاتیة وهذا الوضع یولد غیاب للثقة بین الدولة والمواطن، حیث إن الدولة علیها ضمان حمایة الحقوق الاجتماعیة للمواطنین، والذی من شأنه أن یعزز من وجود رأس مال اجتماعی إیجابی یؤدى إلى التعاون والانسجام والاستقرار، فتصبح الثقة فى الدولة میکانزم اجتماعی للاستقرار فى المجتمع (المهدی الشیبانى نعمان، (2012) ص 12) وهو ما أکده "بوتنام" أن الجماعة التی تملک الثقة فى الدولة تکون أکثر قدرة على الانجاز من الجماعات الأخرى التی تفتقد تلک الثقة.والمعضلة التی أظهرها البحث المیدانی أن هذه العلاقة مع الدولة والمرتبطة بالإحساس بوجود تقصیر من الدولة فى إعطاء الحقوق لم یقتصر على ذوى التعلیم الأقل، ولکن قد ظهر هذا أکثر بشکل ملفت لدى الأکثر تعلیما حیث رأى 65.2% منهم إن الدولة هی التی علیها أن ترفع المرتبات مقابل 43.4% لذوی تعلیم أقل من متوسط  (شکل 7)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (7)

وهنا یظهر إن الأکثر تعلیما ربما یرون أنهم قد فعلوا ما علیهم ومستوى التعلیم غیر مقدر مادیاً کما یجب، وهذا یجعلنا نتسائل: ما انعکاس هذه العلاقة المأزومة والمتشابکة بین الحقوق والواجبات وحق تبادل المنفعة والطاعة القانونیة على ممارسات المواطن المصری وهذا ما ینقلنا للتساؤل التالی: ما انعکاسات هذا الواقع المأزوم على المواطنة من حیث النشاط والفاعلیة؟!

سابعاً: انعکاسات الواقع على ممارسة المواطنة النشطة:

نبدأ هنا بما قاله "برتی السوتاری" عندما تحدث عن الواقع الاجتماعی وتعقیده، والذی یعد مؤسسة للتفاعل ما بین الممارسات الروتینیة التأملیة أو الانعکاسیة (برتىالسوتارى: 2015،ص16)، وهنا فی ظل ما أظهر البحث من وجود واقع اجتماعی معقد کیف یتعامل المواطنون فی حیاتهم الیومیة مع ما ذکروه من مشکلات؟ أی: ما الممارسات الانعکاسیة التی تظهر نتاج هذا الواقع فی المجتمع المصری؟

وقد أختارت الدراسة دفع الضرائب کممارسة اقتصادیة للمواطنة وواجب وطنی لنرى کیف ینعکس الواقع المأزوم على الممارسات الروتینیة الواجبة کدفع الضرائب، والتی تعد ممارسة اقتصادیة للمواطنة الفعالة أو النشطة، أشار 43% من العینة تقریباً لعدم أدائهم الضرائب المستحقة علیهم بانتظام، فی حین 2% أجابوا حسب الظروف، و55% أجابوا بنعم (شکل 8). ولکن أظهر البحث هنا نقطة إیجابیة وهى ظهور التعلیم کمتغیر مؤثر ومحفز إیجابیاً فی اتجاه ممارسة دفع الضرائب حیث أن ذوى التعلیم الأعلى من متوسط یدفعون الضرائب بنسبة 71% مقابل 45% لمن هم أقل تعلیماً، فیظهر هنا التعلیم کحافز للممارسة النشطة و الإیجابیة تجاه الدولة، و توافق مع هذه النتیجة أن الطبقات العلیا أکثر سدادا للضرائب بنسبة 82% ثم الوسطى بنسبة 56% ثم الدنیا بنسبة 37% و هذه بالقطع نتیجة منطقیة، ولکن تظل نسبة من لا یسددون الضرائب هی نسبة لا یستهان بها کلیة فحینما نجد نصف العینة تقریبا لا تدفع الضرائب بانتظام، وحینما یرى 75% منهم ذلک أمر طبیعی لأنهم لا یملکون ما یعیشون به لیعطوا الدولة، أو یرون إنها سرقة من الدولة 3%، أو یرو إنهم لا یحصلون على خدمات لیدفعوا للدولة 11% تقریباً (شکل 9)

هنا یحتاج هذا الأمر لوقفة فعلیة لیس بقهر المواطن على أداء هذه الضرائب، بل بالوصول إلى دفعه إلى الإحساس بأنه یقف مع الدولة فی بوتقة واحدة وهی بوتقة الوطن ولیسوا على طرفی نقیض أو جبهتین متعارضتین، وهذا ینقلنا لنقطة أخرى شدیدة الارتباط بما سبق أظهرها البحث المیدانی وهی: أنه ربما لیس فقد عدم تحقیق الاکتفاء المعیشی کواقع هو الذی انعکس على الممارسة النشطة للمواطنة، حیث أشار أکثر من 37% من أفراد العینة.

أن أکثر الممارسات الاجتماعیة التی یرون أنها موجودة فی المجتمع ولا تتفق مع المواطنة هی عدم وجود عدالة اجتماعیة وعدم احترام آدمیة المصریین، ثم عدم احترام القوانین بنسبة 18%، والسلبیة واللامبالاة بنسبة 16%، ثم الاهتمام بالمصلحة الفردیة وإهمال المصلحة العامة بنسبة 15% (جدول 10).

 

جدول (10)

الممارسات الاجتماعیة السلبیة المنتشرة

 

العدد

النسبة

السلبیة واللامبالاة فى کل مکان

634

16%

التدخل الزائد فى شئون الغیر

540

13.7%

الاهتمام بالمصلحة الفردیة وإهمال المصلحة العامة

595

15.1%

عدم احترام آدمیة المصریین

627

15.9%

لا یوجد عدالة بین الناس

840

21.3%

عدم احترام القوانین

798

18%

الإجمالی

3944

 

 وقد أکدت المقابلات على هذه الممارسات الاجتماعیة السلبیة التی لا تتفق مع المواطنة النشطة وإن کانت أحیانا بعض الممارسات قد تفرضها قیود مجتمعیة، فقد یکون النوع عائق للفاعلیة والإیجابیة أحیاناً، کما تشیر "مبحوثة 8" "کثیرا ما أرغب فی أخذ بعض المواقف. خاصة فی المشاجرات، ولکن اضطر أبعد لإنی بنت وهیبصوا لی نظرة وحشة"، وفى مجال الممارسات الاجتماعیة السلبیة التی لا تتفق مع المواطنة، فإن هناک نتیجة أخرى تحتاج إلى تأمل عمیق وهى أن ساکنی الریف یرون أن هناک تزایداً فى الاهتمام بالمصلحة الفردیة بنسبة 51% وساکنی الحضر بنسبة 34%، کذلک أظهر البحث تزاید انتشار رؤیة العینة لوجود ممارسات مثل عدم احترام آدمیة المواطنین فى الریف بشکل أکبر بنسبة 52% مقابل 39% لسکان الحضر، کما ظهرت السلبیة واللامبالاة بنسبة 51% فى الریف و 41% فى الحضر، والتدخل فى شئون الغیر ظهر فى المجتمع الریفی بنسبة 47% و 30% فى الحضر، وهو أمر یحتاج إلى مزید من الدراسات حول التغیر الثقافی الریفی، فعندما تکون ممارسات المواطنة الاجتماعیة السلبیة أکثر انتشار فى المجتمع الریفی یصبح هناک ضرورة للاهتمام بتغیر السمات الثقافیة والاجتماعیة فى الریف المصری، وربما کانت الأوضاع الاقتصادیة سبباً فى وجود هذه الممارسات السلبیة للمواطنة، حیث ظهرت السلبیة أکثر لدى الطبقات الدنیا بنسبة 57% ثم 43% الطبقات الوسطى ثم 37% الطبقات العلیا، کما ظهر الاهتمام بالمصلحة الفردیة بنسبة 49% لدى الطبقات الدنیا ثم 44% لدى الطبقات الوسطى ثم 35% لدى الطبقات العلیا، وهو ما یؤکد الفرضیة التی أشرنا إلیها أنفا وهى أن هنا انسحاب خاصة فى الطبقات الوسطى ( ویمکننا هنا أن تضیف الطبقات الدنیا) من العام إلى الخاص، وهو ما یدعم وجود ممارسات انسحابیة وسلبیة للمواطنة أظهرها البحث وظهرت بشکل أکبر لدى سکان الریف والطبقات الدنیا والوسطى.کما نجد الواقع المصری للمواطن ملئ بصور تفاعل لممارسات المواطنة القانونیة تتناقض مع المواطنة النشطة نسبیًا، فهی تتعلق بممارسات المواطنة الخاصة بالآخر فی الجانب القانونی فنجد 58% من أفراد العینة یرون أهمیة الإبلاغ عن أیة تجاوزات قانونیة والتعاون مع الشرطة کممارسة قانونیة جوهریة، وتخطت هذه النسبة من یروا أنه علیهم احترام دستور البلاد والتی بلغت نسبة 22% من العینة کممارسة قانونیة أساسیة (شکل 10).

أی: إنهم اهتموا بممارسات الغیر قبل ممارستهم الذاتیة وهو أمر یثیر التعجب کیف یکون الإبلاغ عن الآخرین قبل احترامی للدستور؟! ألیس ذلک مؤشرا على وجود خللاً ما فی العلاقة مع الآخر فی منظومة الوطن، وفی وهج قیم المواطنة خاصة الشکل الفعال والنشط منها؟ وهنا نعود إلى نقطة جدیرة بالمناقشة: هل یمکن تلک العلاقة بالآخر أن ترتبط بالإحساس بانعدام العدالة والتی سبق الإشارة إلیه؟ والتی جعلت کل مواطن یبحث عن مصالحه الذاتیة، ولهذا سوف نبحث عن وضع المواطنة من منظور العدالة الاجتماعیة والمساواة.

ثامناً: المواطنة فی ضوء العدالة الاجتماعیة والمساواة (المواطنة المقهورة):

بعد مناقشة ممارسة المواطنة فی ضوء فکرة الحق واجب، والتعرف على وجود أنماط انسحابیه من المواطنة ترتبط بالإحساس بغیاب الحقوق التی تبعد عن الشکل التفاعلی والنشط من المواطنة، الأمر الذی یجعلنا نتذکر صیاغة "جون رولز" حول فکرة العدالة کإنصاف وتأکیده بأن (الطاعة مصدرها الوحید القبول بالفوائد)، أو إن الحق فی المکاسب الحاصلة یقابله إنصافا واجبا إطاعة القوانین (جون رولز: 2009، ص35)، وهنا قد تظهر الإشکالیة التی أشار إلیها رولز فی مجتمعنا المصری، ألا وهی: ماذا یحدث فی حال المواطنین فی الدول التی لا یقدر المواطنون بها الحصول على منافع؟ هل هم معفیون من واجب الطاعة؟

 ولأن المواطنة الکاملة تتطلب المساواة الکاملة فی الفرص وإعطاء المواطن الإمکانیات الکافیة للارتقاء والهبوط المجتمعی تبعاً لإمکانیاته ومواهبه الذاتیة ومقدرته على العمل الجاد (Drew Heywood: 2005, p211)، مما یجعل التفاعلات مع الدولة تترکز فی الجانب النشط والفعال من المواطنة، فهل نجد فی مجتمعنا هذا الشکل من المساواة الکاملة الذی یسمح للأفراد بممارسة المواطنة النشطة والفعالة؟ أم هذا الشکل من المساواة یتطلب عدالة اجتماعیة ومجتمعیة وتوزیع عادل للثروة والفرص؟ فهل واقعنا به یقترب من ذلک؟! لقد رأینا بوضوح فی مصر قبل ثورة ینایر 2011، إن الأرقام تشیر لارتفاع مستویات النمو فی حین کانت حقائق الحیاة الفعلیة تشیر إلى تراجع مستویات المعیشة، وتدهور نوعیة الحیاة للأغلبیة العظمى من المواطنین (إبراهیم نوار: 2015، ص20)، إضافة إلى انهیار الخدمات العامة وعلى رأسها خدمات الصحة والتعلیم وقد أظهر ذلک التعداد العام للسکان والإسکان والمنشآت لعام 2017 حیث ظهرت نسبة الأمیة 31% فی الحضر والریف من الذکور والإناث، وهی نسبة تمثل معضلة جوهریة أمام أیة محاولة لإحداث تنمیة بشریة أو تنمیة عامة (الجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء: سبتمبر 2017، ص48).

فهل فی ظل هذه الظروف یمکن إحداث عدالة مجتمعیة، أم هناک ازدیاد فى حدة الانقسام والتفاوت الاجتماعی وبخاصة فی ظل السیاسات الاقتصادیة المنحازة لقوى السوق على حساب العدالة الاجتماعیة، ونجد الذین تجرؤوا على انتقاد الطریقة التی یتم بها إحداث التراکم فی الثروة ونقد السیاسات الاقتصادیة المنحازة لقوى السوق على حساب العدالة الاجتماعیة على مستوى العالم. وفی بلدان کثیرة ومنها مصر، جرى تصنیفهم واتهامهم على الفور بأنهم ینتمون إلى حزب أعداء النجاح، فنجد منظومة یروج لها رجال الاقتصاد والسیاسة والمثقفون من أصحاب المصالح والتی تعمل على تعظیم ظاهرة ترکیز الثروة وتغذیة التوحش.

وهنا نتبنى ما أشار إلیه "توماس بیکیتی" إلى استمرار ترکز الثروة، قد یؤذی القیم الدیمقراطیة التی قامت على أساسها الرأسمالیة، وتؤدی إلى العودة إلى مجتمع القلة الأولیجاریکی، وقد أشار بیکیتی إلى التفاوتات الاجتماعیة وانعدام المساواة له تأثیر على التفاوت فی المشارکة السیاسیة وفی أنشطة المجتمع المدنی (إبراهیم نوار: 2015،
ص ص20: 78) وحینما حاولت الدراسة الاقتراب من هذه القضیة الشائکة وهی: العدالة الاجتماعیة والمساواة وانعکاسهما على ممارسة المواطنة وعلاقة المواطن بالدولة وفی ضوء المقدمة النظریة التی تم طرحها عن نتائج التعداد وسوء الخدمات وتفاوتات توزیع الثروة وما قد تؤول إلیه قیم الدیمقراطیة، وبخاصة العدالة الاجتماعیة من دمار فی حال ازدیاد التفاوتات کما أشار توماس بیکیتی، فإن الواقع المیدانی أکد على إن المواطن المصری یتضخم لدیه إحساس بوجود تفاوتات اجتماعیة حادة حیث أشار 55% لعدم رضائهم عن أداء الدولة؛ لعدة أسباب منها: (هناک ناس تأکل وتشبع وناس مش لاقیة اللقمة) بنسبة 47%، وأشار 38% تقریباً إلى إن (أصحاب السلطة بیدوسوا على الضعاف) وأشار 13% إلى أنه (لا کرامة لعلم أو سن أو عمل).

وإذا حاولنا أن نضع شکل العدالة الاجتماعیة فی المجتمع المصری وفق التصنیف الذی اقترحه زاید لأشکال العدالة الاجتماعیة وهو:

  1. العدالة التصحیحیة: التی غالبا ما تقوم على الرعایة والإحسان من قبل الأطراف القویة للأطراف الهشة وهی انتقائیة، وتعرف العدالة الاجتماعیة هنا باعتبارها شکلا من أشکال التدخل التصحیحی من قبل الدولة أو المجتمع المدنی أو الأفراد بهدف مساعدة الفقراء المهمشین.
  2. العدالة التوزیعیة الحمائیة: وتتحقق بالسعی الدائم نحو توسیع الفرص والاختیارات والتوزیع العادل للثروة، والسعی الدائم کذلک نحو صیاغة سیاسات تستهدف حمایة أکبر قدر من السکان وبخاصة الفئات الضعیفة والمهشمة والعدالة هنا إصلاحیة حمائیة وتمکینیه.
  3. العدالة التشارکیة أو الإنصاف العام : وهی تتجاوز فکرة التوزیع العادل للثروة والفرص بحیث تصبح العدالة مبدأ عاما؛ وتعرف العدالة هنا کإنصاف عام ینتفی فیه الظلم والفقر والحرمان، وتنعدم فیه الفروق غیر المقبولة اجتماعیا.( زاید، 2018، ص53)

یظهر للأسف بأننا فی المرحلة التصحیحیة أی فی النمط الأول من أنماط العدالة الاجتماعیة، وقد أکدت جمیع المقابلات على وجود انعدام للعدالة الاجتماعیة؛ خاصة فى الدخل ووجود تفاوتات طبقیة واضحة وعندما خطونا أکثر للتعرف على مدى الانتشار أو الإدراک المجتمعی لوجود حالة من التفاوتات الاجتماعیة، لدى فئات مجتمعیة، أظهر البحث المیدانی أکثر من نصف العینة بمتوسط 60% تقریباً ترى إن هناک انعداما فی العدالة الاجتماعیة، واتفق فی ذلک سکان الریف والحضر والذکور والإناث وکذلک الطبقات المختلفة وإن کانت الطبقات الدنیا أکثر إشارة لهذا التفاوت، والشباب أکثر رؤیة لانعدام العدالة من الکبار. (انظر جدول11).

جدول (11)

البعد

نسبة من یشیروا لانعدام العدالة الاجتماعیة

المکانی

ریف

حضر

63%

60%

الجیلی

شباب

کبار السن

65%

59%

النوع

ذکور

إناث

60%

64%

المادی

 

طبقة علیا

وسطى

دنیا

60%

60%

60%

 

 

تؤکد ذلک مبحوثة "11" بقولها: "العدالة أصبحت وهم فنحن لدینا تفاوت طبقی یزداد بصورة رهیبة، فالمجتمع یعانی من انعدام للعدالة وتفاوت بین الناس وأصبح الفرد یقیم بملابسه ونوع سیارته، وهذا شیء مستفز جداً، فأنا أبدو میسورة الحال ویتقرب الناس منی للحصول على أموال، وفی المقابل یتعامل الفقیر بشکل مهین والطریقتین فی التعامل غلط لا الاستغلال حلو ولا الإهانة".

وتؤکد "مبحوثة 13" ذلک بقولها: "عدالة اجتماعیة إیه فلوسک تشتری تعلیمک وحیاتک وصحتک، کل حاجة تتحکم فیها المظاهر والمستوى المادی متکلمنیش عن عدالة فی مصر".

 

أی: هناک حالة من السخط وعدم الرضا عن الدولة بسبب هذا التفاوت الاجتماعی وانعدام الشعور بالعدالة الاجتماعیة، ویرتبط الشعور بعدم المساواة وانعدام العدالة الاجتماعیة لدى المواطن المصری برؤیته للفساد کأمر واقع یتعایش معه جمیع الأفراد فیرى 42% من العینة تقریبا بأن الجمیع متورطون فی الفساد ویرى 25% بأن الفساد منتشر بشکل متوسط، أما من یروا بأن عددا قلیلا من الأفراد متورطون فکان نسبة 21% (شکل 11)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تؤکد المقابلات وجود الفساد فی کل مکان، فیشیر "مبحوث 6" لذلک بقوله: "الفساد فی کل شیء فی الهواء والماء والعمل فی کل مکان، الوزراء الکبار ورجال الأعمال بیاخدوا قروض ویهربوا، أما الشباب فمظلوم، کل شیء بواسطة التعیین بواسطة والعلاج وکل ورقة نحتاج لواسطة"، وتؤکد "مبحوثة 13" ذلک بقولها: "أکید الفساد فی کل مکان والسرقة وبعیداً عن السرقة، إن إحنا نصرف فلوس الدولة فی غیر محلها ده فساد، عدم احترام المحمیات الطبیعیة والأماکن الأثریة ده نوع من الفساد، بقى عندنا فساد حتى فی الذوق والأخلاق"، ویؤکد ذلک "مبحوث 7" وهو شاب بقوله: "الفساد منتشر فی کل مفاصل الدولة وهو مثل الوباء أو السرطان منتشر فی کل مکان".

أی: إن نسبة کبیرة من أفراد المجتمع ترى الفساد منتشراً فی المجتمع، وهذا ما قد یخلق نوعاً من المواطنة التی أطلقنا علیها: المواطنة المقهورة، ونقصد بها ذلک النوع من المواطنة التی یرى بها المواطن هناک حقوق مسلوبة، ولکن فی ذات الوقت یرى آخرون یحصلون على أکثر مما یستحقون ما قد یؤدی إلى حالة من القهر، التی تتناقض مع ممارسة المواطنة النشطة والفعالة، والتی قد تعود بالمواطنین للانسحاب من الشأن العام إلی شأنهم الخاص لتحقیق المصالح الذاتیة، وهنا تتسع الهوة بین المواطن والدولة، ویصبح لزاما على کل من الطرفین البحث عن الحل، لتلک العلاقة التی أصبح یشعر بها قطاع کبیر من المواطنین إنهم مهمشون من الحصول على حقوقهم کمواطنین مقابل آخرین یحصلون على الکثیر، فهل یکون الحل فی ظهور نمط جدید من المواطنة التی شهدت السنوات الأخیرة الاهتمام به لحل هذه الأزمة؟ وهو المواطنة الوسیطة " Mediated Citizenship " والذی یتمثل فی مجموعة من الممارسات المرتبطة بوسطاء یمثلون المواطنین ویعبرون عن حقوقهم ومطالبهم المختلفة ویمارسون الضغوط لتحقیقها، أی: یستخدم التوسط لتمکین المواطنین. (المصری سعید:2018،ص5) والفکرة قد تکون فی إطار الیوتویبا فی نطاق مجتمعاتنا ولکن لابد من المحاولة لتقلیص الهوة التی أظهرها البحث بین المواطن والوطن.

وهنا نتنقل إلی نقطة أخری جدیرة بالاهتمام ألا وهی: هل یمکن أن ینتقل المواطن بمواطتنه النشطة خارج إطار الوطن حینما تسنح له الفرص؟ وهذا هو مضمون المحور التالی.

 

 

 

 

 

تاسعاً: المصریون ما بین المواطنة القومیة (National Citizenship)

والمواطنة العولمیة :(Golbal Citizenship)

إن مثل هذا التساؤل حول وضع المصریین بین المواطنة القومیة أو الوطنیة والمواطنة الکونیة - قد یکون تساؤلاً لدراسة منفصلة - ولکن عند الحدیث عن المواطنة النشطة فی الوضع الراهن، من العسیر تجاهل وجود بعض المؤثرات والتدخلات العالمیة التی قد تؤثر على ممارسة المواطنة القومیة، وبخاصة فی ظل العصر الذی أشار الباحثون إلیه على أنه العصر الذی لن تعود للدولة القومیة "National State" دور وسیط فی تحدید معنى المواطنة فیما بعد. (Kivistoacl Faist: 2007, p.140) فکما یشیر “Parekh” إن المواطن أصبح عضواً فى نمطین من المجتمعات، النمط الأول: المجتمع السیاسی الخاص (دولته)، والنمط الثانی: المجتمع الإنسانی العالمی، وبهذا الشکل فقد أضحى للمواطنة بعدان بعداً قومیاً وبعداً عالمیاً، وهو ما أطلق علیه المواطنة ذات التوجه العالمی“Globallally oriented Citizenship” وهذا المفهوم الذی سوف نستخدمه هنا، حیث أن المواطن ذو التوجه العالمی یرتبط بموطنه الأصلی وبمن لدیهم نفس القیم والولاء وهو فى ذات الوقت مواطن عالمیاً، إن المواطن ذو التوجه العالمی یرتبط بدولته الأصلیة وکذلک بالنوع الإنسانی فى ذات الوقت (Bhikhu Parekh 2008 pp 248:249 )” ونبدأ فی هذا المحور بالتعرف على رؤیة المصریین لوطنهم ودرجة استقلاله فنجد ربع العینة تقریباً 24% لا ترى الوطن مستقل. (شکل 12).

 

 

ویرون سبب ذلک هو أسباب عالمیة 59% تقریباً وهى التحکم الدولی، و39% لأسباب خاصة بقادة الداخل إما للضعف 26% أو لعدم النزاهة 13%، (شکل 13).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفى ظل الشعور بعدم الاستقلال، فبالقطع من المنطقی عندما نجد فرصة للتطویر والهروب من بوتقة الضعف للقوة أن نقبل، ولکن المصریین بالفعل شعبا محیرا ومثیرا للتعجب حیث أشار 85% تقریباً، لرفضهم الحصول على أیة جنسیة أخرى غیر الجنسیة المصریة حتى ولو کانت أوربیة أو أمریکیة، (جدول 12).

جدول (12)

إذا عرضت علیک الجنسیة الأوربیة أو الأمریکیة متى تقبلها وتتخلى عن جنسیتک

 

عدد

نسبة %

إذا منحت بغیر شروط

60

4.3%

إذا لم یکن فیها تنازل عن الجنسیة المصریة

122

8.8%

إذا کانت فیها امتیازات مادیة

32

2.3%

لا أقبل فى کل الأحوال

1173

84.6%

الإجمالی

1387

 

وهو أمر لا تفسیر منطقی له سوى، إن المصریین لا زالت مصر تعنى لهم الکثیر. وإن کانت بعض إجابات الشباب صادمة وتناقد تلک النتیجة، فنجد "مبحوث 12" وهو شاب یقول: "أنا ممکن أتخلى عن الجنسیة هی إیه الجنسیة غیر ورقة وبطاقة کل اللی یقول غیر کده کداب، الواحد عایز إیه غیر عیشة کویسة لیه ولولادة، ولو لقیت فرصة ممتازة وجنسیة أوربیة همشی".وکذلک "مبحوث 3" یذکر:"یا فرحتی وأنا معایا الجنسیة المصریة عملتلی إیه أکلتنی، لبستنی، جابت لی شغل کله کلام على ورق آه هوافق أکون أمریکی أو أوربی أنا عایز أعیش بنی آدم".

وهذه النقطة تحتاج لدراسة جدیدة حول وجود أشکال جدیدة من ضعف الانتماء للوطن ولکن أظهر البحث بعض الجوانب الأخرى الإیجابیة.

ففی حالة وجود مزایا مادیة کوظیفة فى شرکة عالمیة، فإن من أشاروا لقبولها بلا تردد 27% من العینة، فی حین أشار 25% إلى ضرورة التفکیر فی موطن الشرکة وأهدافها، والأغرب إن 18% یقبلون بشرط عدم ترک الوطن (جدول 13). والأمر الجدیر بالاهتمام أن العلیا کانت أکثر قبولاً لها بلا تردد بنسبة 33% مقابل الطبقة الأکثر عوزاً واحتیاجاً وهى الطبقة الدنیا بنسبة 23% رغم التماثل فى فکرة رفض ترک الوطن، وربما کان السبب هو عدم إدراک أفراد الطبقة الدنیا لمقابل رأس المال المادی والاجتماعی الذی یمکن أن یحصلوا علیه نتاج العمل فى شرکات عالمیة.

 

 

 

 

 

 

 

جدول (13)

إذا عرض علیک عمل ماذا تفعل

إذا عرض علیک وظیفة فی شرکة عالمیة ماذا تفعل

 

عدد

نسبة%

أقبلها بلا تردد

376

27.1%

أفکر فى موطن هذه الشرکة وأهدافها

352

25.4%

أقبل بشرط عدم ترک الوطن

255

18.4%

أخرى

404

29.1%

الإجمالی

1387

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والأمر الذی یدعو للبهجة الممزوجة بالدهشة هو رفض أفراد العینة لأی تدخل خارجی من الأمم المتحدة فی شئون مصر حتى لو حدث انتهاک لحقوق الإنسان بنسبة 78%،
(شکل 14)، وقد توافق فى ذلک أفراد العینة من حیث الطبقة والتعلیم ومکان الإقامة.

 

ونجد "مبحوث 12" وهو شاب وافق على التخلی عن الجنسیة من قبل یرفض بقوة وفی موقف مغایر تماما لحدیثه عن عدم جدوى الجنسیة المصریة یقول:"تولع حقوق الإنسان أنا أرفض أی حد یتدخل فی بلدی".وهنا یظهر حتى من کان یبدی ضیقه من الوطن یرفض المساس به بأی شکل وتؤکد "مبحوثة 14" ذلک بقولها:"لا أرضى طبعا الأمم المتحدة تتدخل إحنا نصلح الحکومة بالشعب إحنا هنجیب لنفسنا استعمار محدش من بره البلد یتدخل عندنا، دول عصابة دولیة".وهنا نجد أن المصریین لازالوا متمسکین بالوطن حتى فی ظل الجذب العولمى لهم، ورغم أن المواطنة ذات التوجه العالمی کانت واضحة لدیهم إلا أنه ظل الارتباط بالوطن واضحاً وجلیاً، وظلت ممارسة المواطنة فی النطاق القومی أکثر جذبا وفاعلیة لدى المصریین، برغم ما أظهره البحث من مشکلات تعترض سبیل تحقیق ممارسة فعالة ونشطة للمواطنة، إلا أن المصریین اظهروا تمسکا بتلابیب الوطن فجعلنا ننهى الدراسة بقول الشاعر:"بلادی وإن جارت على عزیزة وأهلی وإن ضنوا على کرام"(*).

عاشراً: مناقشة ختامیة لنتائج البحث:

-       أظهر البحث وجود أنماطا من المواطنة أطلقنا علیها: المواطنة الانسحابیة لأنها تتضمن تقهقر متعمد وإحجام عن المشارکة فی أی نشاط له طابع وطنی، وقد أظهرت المقابلات أن أحد أسباب هذه الممارسة الانسحابیة هو: إحساس المصریین من العینة بعدم الحصول على حقوقهم وبخاصة الحقوق الثابتة (Passive) التی أشار إلیها "تومبسون" من حقوق العیش الأساسیة من تعلیم وصحة.... إلخ، وکذلک عدم کفایة الدخل، وقد کان الحل الأمثل لدى أغلب العینة هو: من الدولة وابتعد الجمیع عن الحل الذاتی، أو ممارسة الحقوق والواجبات النشطة وأحجموا عن الانخراط السیاسی والمشارکة الاجتماعیة أو السیاسیة، وظهر هذا الشکل من الممارسة أکثر لدى ذوی التعلیم الأعلى الذین أشاروا إلى أن التعلیم أصبح غیر مقدر مادیا النجاح أصبح له معاییر أخرى، وهنا تصبح المواطنة النشطة أمام أزمة حقیقیة حیث أنه وکما أشارت العدید من الدراسات (Aldenmy Sara, 2012) و(Namart, 2015) و (Frank, 2016) وغیرهما بأن التعلیم من أهدافه الأساسیة تفعیل قیم وممارسات المواطنة النشطة، وأن على الدولة أن تعمل على إدماج المواطنة النشطة من خلال تدریب الطلاب على ممارستها وتضمین قیمها فی المدارس والجامعات، ولهذا فعندما نجد نتائج الدراسة الحالیة تشیر من خلال البحث المیدانی إلى إن ممارسات المواطنة بشکلها النشط لم تُظهر انعکاسا إیجابیًا فی علاقتها بمستوى التعلیم، بل ظهر الانعکاس سلبیا بشکل أکبر، مما یؤکد على ضرورة إصلاح النسق التعلیمی بما یتیح إکساب مفهوم المواطنة أهمیة أکبر تنعکس على ممارسات المخرجات التعلیمیة لهذا النسق من طلاب، بل ومعلمین.

-       أظهر الواقع المیدانی کذلک إن هناک غیابا نسبیا لبعض الممارسات التی یمکن أن نعتبرها مؤشرات على المواطنة النشطة مثل دفع الضرائب کممارسة اقتصادیة إلزامیة حیث أظهر البحث بأن ما یقترب من نصف العینة لا یدفعونها بانتظام، إلا التی یجبروا على دفعها (کما أشارت المقابلات)، وإن کان السبب لدى الغالبیة هو الحالة المادیة السیئة التی یعیشون بها وهو ما أکدوا علیه، کما إن هناک ممارسات اجتماعیة أخرى ارتبطت بعدم الفاعلیة مثل اللامبالاة والسلبیة والاهتمام بالمصلحة الفردیة کما أشار أفراد العینة والتی ظهرت بشکل أکبر فى المجتمع الریفی الذی کان یتمیز بالعلاقات الحمیمیة والتواصل الایجابی بین أفراده، وهذا أمر یحتاج للاهتمام بدراسة التغیرات التی طرأت على بنیة المجتمع الریفی وأدت إلى انتشار تلک الممارسات السلبیة، وقد اظهر البحث أیضًا بعض الممارسات التی تتعلق بالجانب القانونی کالإبلاغ عن تجاوزات الغیر قبل احترامی للدستور وهی قضیة تحتاج إلى ضبط العلاقة مع الآخر.

-       لا مجال للتأکید على قیم العدالة الاجتماعیة والمساواة بأنها من جوهر قیم المواطنة النشطة لهذا فقد سعت الدراسة الحالیة للتعرف على أشکال ممارسة المواطنة وتفاعل المواطن مع الدولة فی ضوء العدالة الاجتماعیة والمساواة، حیث أظهر البحث ظهور شکل من أشکال "المواطنة المقهورة" التی کانت انعکاسا لعدم الإحساس بالمواطنة الکاملة التی تتطلب المساواة الکاملة کما أشار (Heywood, 2005)، حیث لم یشعر المواطنون بأن فرص الارتقاء والهبوط المجتمعی مرتبطة بالإمکانیات والمواهب والقدرة على العمل الجاد، حیث أکدت النتائج "المیدانیة" ما أشار إلیه "توماس بیکتی" من التفاوتات الاجتماعیة وانعدام المساواة واستمرار ترکز الثروة له تأثیر سلبی على أشکال المشارکة وبالتالی المواطنة التی یمارسها الأفراد، والتی أطلقنا علیها "المواطنة المقهورة" حیث ارتبطت تلک الممارسات بوجود النمط الأول من أنماط العدالة الاجتماعیة وهو العدالة التصحیحیة (زاید، 2018) حیث أکد غالبیة الأفراد من عینة البحث إلى انعدام العدالة والتفاوت الطبقی الحاد وتساوى فى تلک الرؤیة سکان الریف والحضر والشباب وکبار السن والطبقات الاجتماعیة المختلفة، وارتبط لدیهم ذلک بأزمة فی العلاقة بین المواطن والدولة والتأکید على انتشار الفساد فی کل مفاصل الدولة، مما عزز وجود هذا النمط من أنماط ممارسة المواطنة اللاتفاعلیة الانسحابیة والمقهورة.

-       وقد توصلت الدراسة إلى أنه رغم الأشکال الانسحابیة غیر الفعالة والمقهورة للمواطنة، فإن النتائج المیدانیة أکدت بأن مصر کوطن لازال یعنی الکثیر لأبنائه ورفض غالبیة العینة أی تدخل خارجی فی الوطن؛ أو المساس بالوطن بأی شکل، کما رفضت الغالبیة التخلی عن الجنسیة المصریة، أی:إن المواطنة المصریة الانسحابیة أو حتى المقهورة انتصرت على المواطنة العولمیة البراقة وظهرت " المواطنة ذات التوجه العالمی" فى بعدها القومی أکثر قوة من بعدها العالمی، وبهذا تکون تلک نقطة البدء لأبحاث جدیدة وعمل جاد یعمل على زیادة الفاعلیة والنشاط للمواطن المصری لتحقیق الشکل الأمثل فی تفاعل المواطن المصری مع الوطن بحیث تظل معادلة المواطن مع الوطن متزنة، ومتعادلة فی الحقوق والواجبات بلا إفراط أو تفریط من طرفی المعادلة.

-       أظهر البحث المیدانی بأن هناک هوة متسعة فی علاقة المواطن والدولة وارتبطت هذه الهوة بانعدام الثقة لعدم ضمان الدولة للحقوق الاجتماعیة ویؤدى غیاب الثقة کمیکانیزم اجتماعی لتحقیق التعاون والانسجام وتکوین رأس مال اجتماعی لغیاب الدافع للاندماج الاجتماعی والنشاط والفاعلیة، وبهذا تأکدت الفکرة التی أشار إلیها "زاید" حول وجود کوابح للاندماج الاجتماعی أدت إلى الانسحاب من الشأن العام، ومن ثم ظهور أنماط انسحابیه ومقهورة من المواطنة، تعمل على تقلیص أشکال التفاعل النشط فی کثیر من الأحیان، وأنه للخروج من هذه الأزمة ربما هناک حاجة ملحة لنوع من المواطنة الوسیطة (Mediated Citizenship) بأن یستخدم التوسط لتمکین المواطنین وأن یکون أولئک الوسطاء من المواطنین النشطاء أو أعضاء المجتمع المدنی کما أشارت بعض الدراسات، وذلک لإیصال صوت المواطن المصری؛ ومساعدته على أن یکون أکثر فاعلیة ولا یتخذ المنحى الانسحابی السلبی من المواطنة، فیتحقق ما أکدته الدراسات من مزایا للممارسة النشطة للمواطنة من تکامل مجتمعی وتحسین لأداء الدولة ومشارکة فعالة وتکوین کوادر للقیادة، وغیرها من المزایا التی تتحقق حینما تتماشى المصالح الفردیة للمواطن مع المصالح الجماعیة للوطن إلى حد التماهی.

وأخیراً تخرج هذه الورقة البحثیة بعدد من التوصیات فى ثلاثة اتجاهات:

1)    الدولة: على الدولة الترکیز وحمایة الحقوق الاجتماعیة للأفراد وذلک لتعزیز الثقة بین الفرد والدولة وإعادة الإحساس بالعدالة الاجتماعیة والمساواة، حیث أن الغیاب الواضح للحقوق الأساسیة، یعرقل أی محاولة لتحقیق أی اندماج اجتماعی وتفاعل نشط للمواطنة فى ظل انسحاب الأفراد من الشأن العام لفقدان الثقة، من أجل البحث عن لقمة العیش أو من أجل رفض الواقع، ویجب أن تسعى الدولة لإعادة استدماج المواطنین من خلال عدم التهاون فى کل أنواع وأنماط الحقوق وعدم التبسیط فى أى من أشکالها، لتقلیص الفجوة المتسعة فى علاقة المواطن والدولة وإعادة بناء جسور الثقة فحینها تصبح العدالة کإنصاف والحق یقابله واجب کما أشار "رولز" وتکون الطاعة هی الطریق وتصبح الفاعلیة والنشاط هی أساس المواطنة.

2)    المجتمع المدنی: یجب على مؤسسات المجتمع، تقدیم أکبر قدر من المساندة للدولة، وان تظل العلاقة مابین المجتمع السیاسی والمدنی هی علاقة تکامل کما أشار "انطونیو جرامشى"، کما على مؤسسات المجتمع المدنی إفراز أنماط من المواطنة الوسیطة والدفع بالفاعلین النشطاء لتدریب المواطنین على الفاعلیة والنشاط وجذبهم من دائرة التقهقر والانسحاب التی تجبرهم الظروف المجتمعیة أو الطوعیة إلى الدخول بها. وهو دور لیس عسیر على مؤسسات المجتمع المدنی.

3)    المجال الأکادیمی: أصبح هناک ضرورة لتوجیه المزید من الأبحاث العلمیة فى المجتمع المصری إلى دراسة الممارسات الفعلیة للمواطنین؛ والتعرف على الکوابح التی قد تعیق محاولات التطویر والنهوض المجتمعی، وذلک لتحقیق الاستفادة المرجوة من الطاقة البشریة الجبارة الموجودة فى المجتمع المصری ویصبح الدولة والمواطن فى خدمة الوطن.

ویمکن هنا ان نقترح عدة قضایا بحثیة تکون جدیرة بالاهتمام وموضع لأبحاث جدیدة:

(‌أ)    دراسة کوابح المواطنة النشطة والاندماج المجتمعی.

(‌ب)  دراسات حول تضمین مفهوم المواطنة فى البرامج التعلیمیة.

(‌ج)  مفهوم العدالة الاجتماعیة لدى المصریین.

(‌د)   المجتمع المدنی والمواطنة الوسیطة.

(‌ه) ممارسات المواطنة فى الریف المصری.

(‌و)   التغیرات الثقافیة والاجتماعیة فى الریف المصری.

 

 

 

 



*مدرس علم الاجتماع بکلیة الآداب، جامعة القاهرة.

ملحوظة: هذا البحث تم بتمویل من مشروع دعم البحث العلمی فی العلوم الاجتماعیة بالتعاون مع مؤسسة فورد.

*قائل هذا البیت "الشریف قتادة بو عزیز"

قائمة المراجع:
1-         ابتسام ناصیف منصور (2016): مستوى حاجات طلبة کلیة التربیة جامعة دمشق للأخذ بمدخل التعلم الخدمی فی إطار تعزیز المواطنة الفعالة، مجلة اتحاد الجامعات العربیة للتربیة وعلم النفس، سوریا، مجلد 24، عدد 4، سوریا.
2-         إبراهیم نوار (2015): مانفستو جدید للعدالة الاجتماعیة ثورة توماس بکیتی على النیولیبرالیة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، المکتبة السیاسیة، سلسلة شهریة.
3-         أحمد زاید وآخرون (2006): رأس المال الاجتماعی لدى الشرائح المهنیة من الطبقة الوسطى، کلیة الآداب جامعة القاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة.
4-         أحمد زاید (2016): النظریات الاجتماعیة المعاصرة، کلیة الآداب، جامعة القاهرة.
5-         _____ (2018): المواطنة الهویة الوطنیة والمسئولیة الاجتماعیة، دار العین للنشر، الطبعة الأولى، القاهرة.
6-         المهدی الشیبانى نعمان (2012): الحقوق الاجتماعیة بین الدولة والمواطن فى المجتمعات المعاصرة، المجلة الجامعة، العدد الرابع عشر، لیبیا.
7-         برتی السوتاری (2015): النظریة الاجتماعیة والواقع الإنسانی، ترجمة وتقدیم علی فرغلی، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة.
8-         بیر بوردیو (2012): مسائل فى علم الاجتماع، ت هناء صبحی، الطبعة الأولى، هیئة أبو ظبی للسیاحة والثقافة، دولة الإمارات العربیة المتحدة.
9-         جون رولز (2009): العدالة کإنصاف إعادة صیاغة، ترجمة حیدر حاج إسماعیل، المنظمة العربیة للترجمة، بیروت، لبنان، الطبعة الأولى.
10-    الجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء (سبتمبر 2017): التعداد العام للسکان والإسکان والمنشآت، جمهوریة مصر العربیة.
11-    دینا محمد حسن وفا (2010): المواطنة الفعالة کمدخل لتحسین الأداء فی الجهاز الحکومی، رسالة دکتوراه، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، قسم الإدارة العامة، جامعة القاهرة.
12-    زبیرى رمضان (2012): مسئولیة رأس المال الاجتماعى تجاه تحقیق تنمیة بشریة مستدامة، کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة الطاهر مولاى.
13-    سارة أشرف (2013): الأمن الاجتماعی الاقتصادی والمواطنة النشطة فی المجتمع المصری، دراسة سوسیولوجیة لتداعیات ثورة 25 ینایر، رسالة ماجستیر، قسم الاجتماع، کلیة الآداب، جامعة الإسکندریة.
14-    سعید المصری (2018): ملحمة المواطنة: من صکوک الوطنیة إلى عولمة الحقوق الإنسانیة، شرفات 6، مکتبة الإسکندریة، وحدة الدراسات المستقبلیة، مصر.
15-    سمیة حیدر منصور (2016): متطلبات نجاح التعلیم الخدمی کمدخل معاصر فی تربیة المواطنة الفعالة فی التعلیم، المؤتمر السنوی الثالث والعشرین، الجمعیة المصریة للتربیة المقارنة والإدارة التعلیمیة، جامعة عین شمس، کلیة التربیة، القاهرة، مصر.
16-    على لیلة (2007) المجتمع المدنی العربی " قضایا المواطنة وحقوق الإنسان"، مکتبة الانجلو المصریة، الطبعة الأولى، القاهرة.
17-    علی جلبی (2013): الاندماج الاجتماعی والمواطنة النشطة مصر بعد ثورة 25 ینایر نموذجاً، المؤتمر السنوی الثانی للعلوم الاجتماعیة الإنسانیة، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، نسخة أولیة، الدوحة، قطر.
18-    محمد محمود سرحان (2011): برنامج مقترح لتنمیة المواطنة الفعالة لدى الشباب الجامعی من منظور طریقة تنظیم المجتمع، مجلة دراسات فی الخدمة الاجتماعیة والعلوم الإنسانیة، عدد 30، جزء2 ، مصر.
19-    محمود الصغیر (2017): دور ثورة 25 ینایر فی تفعیل قیم المواطنة النشطة لدى الشباب المصری "دراسة میدانیة مقارنة على الریف والحضر"، رسالة ماجستیر فی علم الاجتماع، کلیة الآداب، جامعة الإسکندریة.
20-    نیرة علوان (ینایر 2015): مفهوم الوطن والمواطنة بین النظریة والواقع، مجلة کلیة الآداب الإنسانیات والعلوم الاجتماعیة، المجلد 75، العدد (1)، وحدة النشر العلمی، کلیة الآداب، جامعة القاهرة.
21-           AkarBassel (2016): Dialogic pedagogies in Educational setting for Active citizenship, social cohesion and peace building in Lebanon, Education, citizenship and Social justice, Vol. (11), No.1, Sage pub.co.uk.
22-           Aldenmy I Sara, Wigg J Ulrika and Olson Maria (2012): Warries and possibilies in Active citizenship, Education, citizenship and social Justice, Vol 17, Issue 3 (Journals. Sage pub.com).
23-           Bird Well Johnthan, Scott Ralph and Horley Edward (2013): Active citizenship, Education and service learning, Education, citizenship and social justice, 8 (2), Sage pub, UK.
24-           Brannan Tessa, John Peter and Stoker Gerry (2006): Active citizenship and Effective public services and programmes, Urban studies, Vol. 43, No. 516.
25-           HaccupTony (2015): Alternative Journalism As Active Citizenship, Sage pub, UK.
26-           Heywood Andrew (2005): Political Theory, Palgrave Macmillanf, Third Edition.
27-           Hinton Austin Kip (2015): Undocommented citizens: The civic engagement of Activist immigrants, Education, citizenship and social Justice, Vol. 10.
28-           Hoskins L Bryony (2009): Measuring Active Citizenship through The development of composite Indicator, social Indicators Research, Vol. 90, Issue 3. (https://link.springer.com)
29-           Kahveci, NiatGurel (May 2012): Role of social studies on Active citizenship and citizenship Education, paper presented at the annual meeting of Eighth Annual congress of Qualitative Inquiry, Urbana champaign , Urbana.(http://citiation.allacademic.com 9-10-2018)
30-           Kearns Ade (1995): Active citizenship and local governance: Political and Geographical dimension, Political Geography, Vol. 14, Issue 2.(http://scinaps.io/papers 22-9-2018).
31-           Kivisto peter and Faist Thomas (2000): citizenship Discourse, Theory and Transnational prospects, Black well, first published, UK.
32-           LuntaKallio, Eva (2011): Finnish and French Conceptions of Active citizenship in Acompartative perspective “paper presented at the annual meeting of the American Sociological Association, Las Vegas”.(http://cittation.allacademic.com).
33-           Marinetoo Michael (2003): Who wants to be an Active citizen?, Sociology, Vol. (37), Vol. 1, Sage publication, London.
34-           NG, Reuben (2009): Social cohesion Among Asian youth, paper presented at Annual A Scientific meeting, Trinity college, Dublin, Ireland, (http://citiation.allacademic.com10-10-2018).
35-           O’Brien Michael and SalonenTapio (2011): child poverty and child Rights meet active citizenship: A Newzealand and Sweden case study, childhood 18 (2). Sage pub, UK (chd.Sagepub.com).
36-           Palumbo Mauro: Active Ageing and Active citizenship in liguria: A case study, Journal of Adult and continuing Education Manchester university press, Vol. 20, No.1.
37-           Parekh Bhikhu (2008): A New Politics of Identity “Political Principles for An Inter dependent World, Palgrave Macmillan, China.
38-           Reicherd Frank (2016): learning for Active Citizenship Are Australian Youth Discovering Demorcacy at school? Education, Citizenship and Social justice, Vol. 11 (2) (ecsji. Sage pub.com).
39-           Scott John (2006): Sociology, The key Concept, Routledge, first published, New York.
40-           Sharma A Namart (2015): Can Active citizenship be learned? Examining Content and Activities In a Teacher’s Education Module Engaging with Gandhi and Makiguchi, policy futures in Education, Vol. 13 (3). (Sage pub. Com- 20/4/2018).
41-           Tansey Larraine and Gallo Maria (2015): From Reflicative Volunteering to Active Citizenship? Acritical Analysis of European Youth pass competency frame work, paper presented at the Annual meeting of the Arnova’s 44th Annual conference, Chicago. (http://citation.allacademic.com (10-10-2018)).
42-           Turner Bryans (2000): Citizenship and Social theory; Sage publication, Third edition, London.
43-           Vickery E. Amanda (July 2017): We are all in this struggle together: Toward And Active Communal Construct Of Citizenship, Urban Education. (Journals. Sage pub. com).