أنماط المشارکة السياسية دراسة ميدانية للطبقات الشعبية بمدينة بني سويف

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

 تهدف الدراسة الراهنة إلى التعرف علي أنماط المشارکة السياسية داخل الأحياء الشعبية الحضرية بمدينة بني سويف، من خلال الکشف عما إذا کان التعليم له دور في تحول الطبقات الشعبية إلى أنماط جديدة؟ وللإجابة علي هذه التساؤلات صاغت الدراسة إطار نظريا يعبر عن رؤية الفرضية الجرامشية الجديدة. وقد اعتمد البحث علي منهج المسح الاجتماعي عن طريقة العينة متعددة المراحل بلغت( 725 مبحوث). وانتهت الدراسة الميدانية إلى مجموعة من النتائج أهمها: أنها حصرت الأعباء البنائية والثقافية في أعباء طبقية کالانقسامات الطبقية ( زيادة الفروق الاقتصادية)،  أعباء الشعور بالظلم وعدم العدالة،  وأعباء الاستبعاد من التوقعات الاجتماعية (الإحساس بنقص المکانة)،  إضافة إلى أعباء الاستبعاد من الفوائد الشخصية للتکامل الاجتماعي،  وأعباء الاستبعاد من التنظيمات العامة والخاصة . 
"Patterns of Political Participation"
A Field Study of Popular Classes in Beni Suef
 
Abstract
The current study aimed at identifying the patterns of political participation within the popular urban districts of Beni Suef City by revealing whether education has a role in moving popular classes to new strata. To answer these questions, the study formulated a theoretical framework that expresses the vision of the neo-Gramscian hypothesis. The study depended on the social survey approach through a multi-phase sample (725 respondents). The field study came up with a series of results. Above all, it limited structural and cultural burdens in class burdens, such as class divisions (increasing economic differences), burdens of feeling unjust and unfair, exclusion from social expectations (sense of inferiority), exclusion from personal benefits of social integration and exclusion from public and private organizations.

الكلمات الرئيسية


 

 

أنماط المشارکة السیاسیة

دراسة میدانیة للطبقات الشعبیة بمدینة بنی سویف

                           أحمد محمد عبد الغنی(*)

مقدمة فی مشکلة البحث:

یحکی "روسو" قصة تعبر عن أبعاد المشارکة السیاسیة فی الأوساط الشعبیة أن مواطناً خرج مع جماعة من الصیادین لصید الغزلان بهدوء دون وجود تواصل بینهم. المثیر، أنهم عثروا علی أرانب کثیرة، ورغم صعوبة الإمساک بها جماعیا ورغم أنها لیست بقیمة الغزال إلا أنه یمکن أن یکتفی بها. تلخص القصة التناقض فی مواقف المشارکة فکل صیاد یمکن أن یمسک بأرنب،  مع أنه لیس هدفه، ویظن أن الآخرین لا یفکرون بنفس طریقته(Micheletti,M,2011:18) . یفکر المواطن فی الأوساط الشعبیة بنفس الطریقة،  یذهب إلى المشارکة السیاسیة الکاملة –الغزال- إلا أنه یعود فقط بالتصویت مع وعود بسیطة من الحکومة والصفوة – أرنب. دفعنی هذا الوضع إلى عرض أربعة مواقف بمثابة محاور للمشارکة السیاسیة فی مدینة بنی سویف:

  - نمط المواطن المشتت التقلیدی والذی یعانی من خلل فی التحرک الجمعی. بمعنی ینتمی المواطن ویرغب فی التعاون ولکن یغیب الاتصال المباشر أو غیر المباشر بالوسطاء (المشارکة التقلیدیة ) .

 - نمط المواطن غیر المنظم -غیر تقلیدی -تجاه المصلحة العامة، فقد یتجه إلى المجتمع أو الدولة بحثا عن حلول لمشاکله،  بلا حول له ولا قوة،  والسیاسة فی نظره هی مصلحته فیسهل تعبئته (المشارکة غیر التقلیدیة) .

- نمط المواطن (المعارض)غیر الملتزم مدنیا أو منخرط سیاسیا، بسبب افتقاده للأسلوب المؤسسی فی المطالبة بحقوقه، وغیاب حقیقی للتنظیمات المدنیة والسیاسیة (المشارکة الاحتجاجیة).

-نمط المواطن الإبداعی،  تنحصر المشارکة فی بلوغ الفرد درجة من الوعی بالحقوق -اصطیاد الغزال– ویشارک فی ساحات النفع العام، تنفیذ البرامج العامة، معارضة الفساد السیاسی،  ومحاربة الغلاء، والتطلع إلى الغد. تبدو المصلحة فی سعی المواطنین نحو الخیر العام حتى ولو غابت الأهداف، وتراجعت التنظیمات السیاسیة. ولا تعنی المواقف الأربعة الاتجاه نحو شکل بعینه، أو الشکل المثالی، لأنها متممة،  ومترابطة. لذا فالمشارکة الإبداعیة لیست النموذج المثالی، ولا السیاق البدیل، بقدر ما هی فرصة لإیجاد جماعات مصالح جدیدة، هنا تولد فرضیة البحث وتساؤلاتها: "من المتوقع أن تظهر محاور جدیدة من المشارکة السیاسیة، قد تسوق الطبقات الشعبیة نحو مزید من التکتل لتمثیل مصالحها بعیداً عن وطأة الأعباء البنائیة والثقافیة، ویمکن حصرها إمبریقیاً". وکجواب علی هذا الفرضیة، بادرت إلى ذهن الباحث التساؤلات التالیة:

  1- ما هی أهم الخصائص المعرفیة لسکان الأوساط الشعبیة؟

  2- ما هی أهم أشکال العمل الجمعی وراء المشارکة السیاسیة؟

  3- هل ثمة علاقة بین الخصائص البنائیة لتلک الطبقات، وتزاید الأعباء البنائیة والثقافیة؟

  4- هل هناک علاقة بین محاور المشارکة السیاسیة ومستوی السیاق والرؤیة لتلک الطبقات الشعبیة؟

  5- هل یمکن أن یتمفصل عن المحاور الأربعة للمشارکة أشکالا بنائیة وثقافیة جدیدة کامنة تنبؤ عن مواقف جدیدة فی المستقبل قد تغیر من الصورة النمطیة السیئة عنها فی المستقبل؟

  - أهمیة الدراسة

    تأتی أهمیة اختیار موضوع الدراسة إلى:

 - أنه من الدراسات التی تعنی بالمرحلة الراهنة والتی تشهد حالة إدخال الناس بکافة فئاتهم فی صنع القرار السیاسی،  ولاسیما الأوساط الشعبیة التی تمثل المشارکة السیاسیة نافذة وحیدة بسبب ضعف مقدراتها ومؤسساتها.

- تحاول الدراسة ملامسة التغیرات فی النظرة إلى هذه الطبقات والتی شیع عنها بأنها طبقات سلبیة،  مأجورة،  غیر مبالیة سیاسیاً،  غیر متکاملة مع مجتمعها، خارج الحداثة، قاصرة النشاط وضعیفة الخبرة، خاضعة للأحزاب ورجال الأعمال، ومستثناة من التنظیم الاجتماعی .

- تأتی الأهمیة أیضا فی انضمام الطبقة الوسطی الفقیرة إلیها فزادها قوة برغم تحفظها، إلا أنه علی طریقة التسلل للطبقة الوسطی وصلت إلى السیاسة العامة لتحقق بعض المکاسب المادیة مثل رفع الحد الأدنى للأجور و الدعم، واتجاه التیارات الدینیة إلى تعبئتها، أو ما أطلق علیه ثقافة الکوکا کولا "(Ehteshami,A, ,1996:770).

- نقدم إضافة نظریة إلى ما قدمته النظریات والأدبیات السابقة حول الموضوع، وخاصة مع تغیر معنی السیاسة. فلم نعد نتوهم السیاسة عن الدولة أو الطبقات المهیمنة، إرغام الناس بالقوة،  إنما عن" کیف یفکر الناس البسطاء، وتناقش النساء شئونهن، وتکوین الرأی عن الطبقات، والتعایش المشترک فی مجتمع مشروط بالعدل والمدنیة(Burnell, P, and Calvert, P., 2004:163)   .

- یمکن أن یتمخض عن الدراسة الحالیة توفیر قاعدة بیانات محلیة، یمکن مقارنتها ببیانات مناظرة قومیا لمعرفة  رؤى الأوساط الشعبیة  لمشاکلها والتی فی الأصل سیاسیة مما یخفف من وطأة الأعباء البنائیة .

أولا: الإجراءات المنهجیة للدراسة

  - أهداف الدراسة

     تهدف الدراسة الراهنة إلى معرفة آراء وتصورات الطبقات الشعبیة بشأن النقاط التالیة 1- التعرف علی الخصائص المعرفیة لتلک الأوساط الشعبیة .

2-تحدید أنواع الأعباء البنائیة والثقافیة التی طالت هذه الأوساط وتأثیرها علی المشارکة

3- الکشف عن واقع المشارکة السیاسیة بکافة أشکالها .

4- التعرف علی دور التعلیم کفارق اجتماعی فی سیاقات تلک الأوساط.

4- التنبؤ بواقع المشارکة السیاسیة فی المستقبل فی ضوء المحاور الأساسیة للمشارکة.              

- نوعیة البیانات: اعتمدت الدراسة علی نوعین من البیانات، البیانات الکمیة فی تقدیم صورة عن الظروف السوسیواقتصادیة  لاستخراج نماذج کشفیة تستشرق مستقبل المشارکة. وبدت البیانات الکیفیة فی الاستقراء والاستنباط والوصف والاستدلال من خلال المقابلات،  وحلقات النقاش  فی ظروف استثنائیة یسودها الخوف .

 - أداة البحث:  وفی سبیل الوصول إلى التفسیر المراد، اعتمدت الدراسة علی استمارات المقابلة شبه المقننة مع أفراد الوحدة المعیشیة ذکور وإناث، ومن فوق 18 سنة ممن یتمتعون بالأهلیة، وکان الغرض التطلع لما فی نفوس المبحوثین ومعرفة أرائهم ووجهات نظرهم. وکان منهج المسح الاجتماعی بالعینة، وإن کان لا یکفی لبناء تعمیمات حول المجتمع المصری ککل،  وقام الخبراء بمراجعتها للوصول إلى الصیغة النهائیة .

- العینة: یتطلب الفرض الجید وجود عینة کبیرة الحجم مسحوبة من مجتمع متجانس،  ومسحا للبیانات،  لنحدد أی الأفراد الذین یشارکون. فی ضوء مؤشرات توزیع السلع العامة والاجتماعیة،  قسمت الأحیاء الثمانیة بالمدینة إلى منطقتین الأولی القلب الأقل تطوراً، والثانیة منطقة الأطراف الأکثر تطورا وفقا للمستوی التعلیمی.

جدول (1-1)

توزیع عینة الأحیاء حسب الموارد السوسیواقتصادیة(التعلیم)

م

المنطقة الأولی "القلب"-الطبقة الدنیا

المنطقة الثانیة "الأطراف" الطبقة الوسطی الفقیرة

1

الغمراوی

الجزیرة المرتفعة

2

الرحبة والجبالی

مقبل

3

سوق الخضار

مولد النبی

4

المرماح والعزب

بنی عطیه

     وبما أن المجتمع البحثی غیر متجانس طبقیا وجغرافیا، ویتوزع علی مساحات جغرافیة متباعدة، وغیر متکافئ عددا وحجما، فقد وقع الاختیار علی العینة متعددة المراحل، لوجود قوائم انتخابیة فی کلا المنطقتین. ویحقق هدفین، الأول: یعرفنا بالأطر السیاسیة والاقتصادیة السائدة، الثانی: یمثل کل حی دائرة انتخابیة، ومجتمعا محلیا مستقلا،  ومع ذلک،  وجدنا فجوة فی غیاب ملحوظ للطبقات الغنیة. وقسمت الأحیاء إلى بلوکات ثم شوارع حسب الدوائر الانتخابیة فی الحی. وبلغت عدد اللجان 169، وعدد الناخبین 157,379،  والمصوتین بالفعل 72,962 بنسبة المشارکة 56,5 %. وعلیه، اختیرت العینة بنسبة 1%،  بواقع 725 مفردة، وتمت المقابلات مع  الوحدة الأسریة من کل حی، مع مراعاة البعد النوعی فی الاختیار .أجریت المقابلات فی البیوت بطریقة عشوائیة، حسب الموافقة،  وتم اختیار البیوت وفقا للأعراف الموجودة، وتحدید التوقیت. وبدأت بمقابلة حرة لمدة عدة دقائق وجها لوجه مع صغار السن ثم الأعمار الکبیرة لمعرفة أراء الأسرة ککل، وتسجیل الملاحظات فی الفترة من سبتمبر 2014 إلى ینایر 2015،  متحاشین الأسئلة المثیرة للحرج أو الخوف.

-خصائص العینة:  یشیر التوزیع السکانی للأحیاء الشعبیة إلى عدم التناسق والتساوی علی المساحة الإجمالیة، وهذا حال الطبقات الشعبیة جغرافیا. أما طبیعة الأنشطة، فقد تفوق من لیس لهم نشاط عن ذوی النشاط لارتفاع نسبة الإناث وکبار السن ممن هم خارج قوة العمل فی المدینة. وهذه خاصیة أخری عن نقص الموارد، والاعتماد علی العائل الواحد وانخفاض النشاط لبعض الفئات العمریة. أما توزیع سلع الموارد العامة  یلاحظ ارتفاعا ملحوظا فی نسبة الأمیة فی مشایخ القلب عن الأطراف،  ویرجع إلى وجود النوایات العمرانیة القدیمة غیر المخططة، مع ضمها مساکن عشوائیة من ذوی الدخل المحدود، والمؤهلات المنعدمة ووجود العزب الریفیة.

 

 

    * الخصائص الدیموجرافیة

شکل رقم (1-2) یوضح المتغیرات الدیموجرافیة للعینة

 

 

کشفت المعطیات المیدانیة إن هناک فروق نوعیة لصالح الذکور عن الإناث، رغم ارتفاع نسبة الإناث فی المجتمع الأصلی. وکانت العینة من المسلمین، ومن المتزوجین،  ویعولون أسر کبیرة الحجم، وتتأرجح أعمار الأسر ما بین مرحلتی الشباب والنضج، وذو  الأصول الحضریة، ولا تحبز الحراک الاجتماعی الأفقی، وتمیل إلى الاستقرار فی أماکنها کمیل طبیعی نحو المحلیة،  وتمسک بنمط من الشبکات الاجتماعیة (الجیرة ).

 

 

 

 

 

 

* الخصائص السوسیواقتصادیة

شکل رقم (1-3)

یوضح المتغیرات السوسیواقتصادیة

 

یعتبر التعلیم أحد متغیرات الحراک الراسی حیث غلبت الفئة المتعلمة تعلیما عالیا علی نصف مجتمع البحث، ذات خبرة تعلیمیة لأکثر من 16 سنة، ثم جاء تالیا المتعلمین تعلیما متوسطا ثم باقی الفئات التعلیمیة بسنوات أقل .یکشف الجدول عن وجود فروق طبیعیة بین الطبقات الشعبیة حیث تسکن الغالبیة فی منازل بالإیجار،  مما ساعد علی تفسیر سر الرغبة فی رفض الحراک الأفقی،  فکلما زادت سنوات الإقامة استقرت الأسر فی بیئتها المحلیة. وفی سؤال عن مقدار الإنفاق والاستهلاک لمعرفة ادراکات الناس للطبقة الاجتماعیة عن مقدار المال المنفق والمکتسب، تفسیر الحضور للشبکات الاجتماعیة، وأنماط الاستهلاک. أیضا تعبر الشبکات الاجتماعیة عن العلاقات بین ووسط الأشخاص فی جماعة بشریة تساند أفرادها بالمال، أو المساعدة بالدعم لتقلل من البطالة. وتلعب دورا مزدوجا فی التطور الاقتصادی فی غیاب العمل الرسمی. وتنحصر العینة بین الفئات المحدودة، التی یرتفع معدل استهلاکها رغم انخفاض مستوی دخلها،  وإن فاق الاستهلاک الدخل لطبیعة الثقافة الاستهلاکیة التی دوما لدیها ولع بالشراء،  ولو علی حساب الدخل لما تملکه من تدابیر اجتماعیة توفق بین دخلها واستهلاکها، ویتشابه هذا النمط من الإنفاق الضروری والادخار القلیل مع الطبقة الوسطی الدنیا. ونظرا لان الغالبیة تنحدر من شرائح داخل الطبقات الدنیا، فنجد أن الطبقة الدنیا الوسطی من العمال الیدوین أصحاب المهن الحرة والتی تعمل بشکل غیر منتظم،  یلیها الطبقة الدنیا العلیا مباشرة أصحاب المهن الحکومیة غیر الیدوین، وکلاهما یقعا فی منطقة متذبذبة اقتصادیا، ونقص فی الکفایة الاقتصادیة. وتأتی الطبقة الدنیا الدنیا من العمال الیدوین غیر المهرة (ربات بیوت، متقاعدون،  عاطلون). هذه الحقائق السوسیولوجیة أصیلة ومتجاورة فی المهن والطبقات، ویفرض التجاور ظروف حیاة وثقافة عمل مشترکة منها العمل الإضافی بجانب المهنة الأساسیة،  وخروج المرأة للعمل .

* متغیرات رأس المال السیاسی شکل رقم (1-4)  متغیرات رأس المال السیاسی

 

       أستشعر أن الطبقات الشعبیة تعیش تحت وطأة حقیقیة، فهل أثرت علی ما تملکه من موارد أخری. تشیر الموارد السیاسیة هنا إلى مستوی رأس المال السیاسی، فقد قیس بمتابعة الأخبار السیاسیة، الانتماء لحزب سیاسی، التعاطف مع حزب سیاسی ما،  وأخیراً مقدار الثقة فی مؤسسات الحکومة. تبین النتائج أن أهم الموارد السیاسیة، متابعة الأخبار السیاسیة،  حیث حظی هذا المورد بإقبال شدید علی المتابعة الیومیة،  ثم تراجع قلیلا إلى الوراء مرتین فی الیوم. وتنم هذه النتیجة علی إدراک العینة لمتابعة السیاسة، ولیس الانخراط الکامل فی ظل غیاب کامل للأوعیة السیاسیة وقنوات المشارکة. وتشیر بیانات الشکل السابق أن الانتماء إلى الحزب السیاسی لیس بقدر متابعة الأخبار الیومیة السیاسیة بسبب ضآلة المنتمین. یعنی الرفض لعالم السیاسة الطبیعی وعدم التعاطی أو التعاطف مع أی حزب. من ناحیة أخری،  تأرجحت الثقة فی مؤسسات الدولة بین الثقة الکبیرة والأدنى، وإن کانت أحسن حالا من الأحزاب السیاسیة. ولعل السبب یرجع إلى غیاب الإصلاحات المؤسسیة التی یسوق المجتمع منها أفکاره، مما جعل المشارکة بمثابة الصندوق الأسود، بعیدة عن القرار السیاسی مما ترک الساحة إلى أنشطة محلیة غیر رسمیة تکتفی الدولة فقط بالمتابعة عن بعد،  مثل علاقتها بالتنظیمات الحزبیة.

* متغیرات رأس المال الاجتماعی شکل رقم (1-5) متغیرات رأس المال الاجتماعی

 

       أما عن الوجه الثانی من الموارد (رأس المال الاجتماعی) قیس بمؤشرات کالعضویة فی الجمعیات التطوعیة، شبکات الاتصال الاجتماعی بالآخرین،  مقدار الثقة بالناس،  والإحساس بالمکانة الاجتماعیة وسط الناس. أشارت البیانات إلى وجود ضعف شدید فی الإقبال علی العمل التطوعی یوازی الانتماء أو التعاطف مع الأحزاب السیاسیة. وتفسر شبکات الاتصال الاجتماعی وتبادل الخدمات والمصالح هذا السبب لان ثقة الأشخاص فی الاتصال عند الحاجة دوما تتجه إلى الشخصیات القرابیة. فی حین تناقصت هذه الثقة فی المؤسسات الحکومیة و المدنیة. ولعل هذا المناخ من عدم الثقة له أصوله الاجتماعیة بین الناس التی فقدت الثقة فیما بینها، وتتعامل بحذر شدید. ویعود ذلک کله إلى الإحساس بتناقص المکانة بین الناس إلى حد الشعور بعدم الاهتمام ممن یقدمون الدعم بکافة أشکاله،  أن مثل هذه المؤشرات لدلیل علی تراجع رأس المال الاجتماعی.

    إضافة إلى ما سبق،  فهناک مزید من الأعباء البنائیة والثقافیة برزت فی الرؤیة الذاتیة الطبقیة. فقد أجمعت العینة علی انتماءها للطبقة الوسطی بشکل ملفت للنظر،  اللهم إلا نسبة صغیرة رأت العکس. وفی هذا إشارة عن تراجع الطبقة،  ویعکس التقارب بین الطبقتین الوسطی والدنیا. ویرجع ذلک إلى ان الحدود هنا بالدرجة الأولی کیفیة لیست بالدخل وأسلوب المعیشة بل تعبر عن وضع اجتماعی ونفسی تشعر به، تحن إلیه ولا تخرج علیه، وکأننا أمام طبقة اجتماعیة تتحرک دوما إلى اعلی أو أدنی کباقی الطبقات الاجتماعیة. ولعل هذا عبئا یعود إلى حالة الانقسام الطبقی أو الإدراک للفروق الطبقیة الاقتصادیة التی زادت بشکل ملحوظ. وانعکس هذا الوعی بالفروق الاقتصادیة علی الوعی بالفروق الاجتماعیة والتی تشیر إلى تدنی فی مستوی المکانة الاجتماعیة للفرد.وقد تطرح هذه الفروق التقارب بین الطبقات أو النضال، أو قد یدفعها إلى الخضوع والقنوط أمام قوة القهر البنائی الظالم.

 

 

 

* الرؤیة الطبقیة لدی العینة

شکل رقم (1-6) یوضح المحکات العملیة والبنائیة الطبقیة

 

       تظهر الإجابات جوانب من النضالات الیومیة، أو محاولة لتغییر العلاقة البنائیة بین الدولة المتحیزة والمجتمع،  قد یغیر من الصورة النمطیة ویدفع إلى المقاومة فی المستقبل لا الدمج فی سیاستها. یأتی أولی أشکال النضال الاقتصادی فی البحث عن الرقی الاجتماعی کملکیة الحاسوب کسلعة أساسیة لدی الطبقات الشعبیة لتسایر الحداثة الاستهلاکیة،  ویجعلها تتقارب مع أنماط الاستهلاک الخاصة بالطبقات الأخرى. ویحوی هذا النمط الاستهلاکی تناقضا ما بین عدم کفایة الدخل وزیادة الاستهلاک،  إلا أنه لم یمنعها من امتلاک حاسوب  یقحمها فی الحداثة من أوسع أبوابها عبر الاتصال بالانترنت،  کنضال ثقافی. أعنی انفتاحها علی نتائج الحداثة کسلع أساسیة، وأحداث التغیرات الثوریة الأخیرة. وهناک حقیقة سوسیولوجیة أخری، هی الرغبة فی السفر للخارج لتحسین من أوضاعها –النضال الاجتماعی-إذا أتیحت لها الفرصة تحقیقا لحلم لن یتحقق وأمل خادع یهاجر البعض إلى بلاد النفط ویعودون بسلوکیات العمال المهاجرین .وإن کانت تعثرت وتناقصت إلا إن السفر إلى الخارج سیبقی الطریق الوحید لتحسین أوضاعها الطبقیة أو استلهام مشروع فکری جدید غیر النزول إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها.

- أسالیب التحلیل وتفسیر النتائج : نحتاج إلى نوعیة من البیانات لاختبار المداخل النظریة،  ولهذا السبب، اعتمد تحلیل البیانات علی الأسالیب الکمیة فی أربعة مستویات: الأول فی التحلیل الوصفی، بینما اعتمد المستوی الثانی من التحلیل علی اختبارات (ت) لدلالة الفروق بین المجموعات المستقلة. ویفید هذا الاختبار فی بیان استجابات أفراد العینة فی متغیرات الدراسة الأساسیة باختلاف خصائصهم. والمستوی الثالث،  استخدم أسلوب تحلیل التباین أحادی الاتجاه : وأفاد فی المقارنة بین مجموعات الدراسة المختلفة فی التعلیم، ثم یعقبه استخدام التحلیلات البعدیة للوقوف علی دلالة الفروق بین کل مجموعتین. وأخیراً هدف التحلیل العاملی إلى اکتشاف الأبعاد الکامنة خلف متغیرات المشارکة، ویفید فی إیجاد مجموعات متشابهة الخصائص داخلیا،  ومختلفة عن بعضها مما یزید من قدرة المتغیرات الجدیدة علی شرح الاختلاف المشاهد فی مجموعة کبیرة من المتغیرات.

ثانیا : مفاهیم الدراسة

     1- المشارکة السیاسیة      

     یحوی مفهوم المشارکة السیاسیة أبعاداً وأنشطة سیاسیة عدیدة کالتصویت بغیة توصیل الآراء لأصحاب القرار السیاسی. وبدأ هذا فی ضوء المقارنة بین النشطاء وغیر النشطاء سیاسیا،  وبناء القوة. وهناک خلافا نظریا حول مدی تفاعل المشارکة السیاسیة مع الطبقات الشعبیة، وما الشکل المثالی لتمثیل مصالحها. وما یحسم هذا الخلاف جملة من المفاهیم، بدأها فیربا وزملاءه بوضع تعریفا جامعا مانعا للمشارکة الطوعیة والتعبویة بناءا علی تأثیر الأفعال السیاسیة فی القرارات الحکومیة. وظهرت مسمیات عدیدة للمفهوم، فهناک من حصرها فی المواطنة (تقاسم السلطة)،  وتحویل الناس من فاعلین عادیین إلى مواطنین فاعلین. وتنمط المشارکة علی أساس المواطنة إلى مشارکة اتفاقیة –انتخابات- ومشارکة احتجاجیة (محمد، کولفرانی، 2013: 124).ولا ینفصل مفهوم المواطنة بشقیها والتی تتشکل من خلال تحرر الفرد من وصایا البنی التقلیدیة من جهة،  وبناء الحقوق المدنیة والسیاسیة والاجتماعیة من جهة أخری(وحیدة،  بورغدة،  2012: 136). ویذهب البعض إلى حصرها فی المشارکة المدنیة بسبب تراجع المشارکة الصغرى Micro- participation. (Li,Yaojun and Marsh,2008:24).

         وتختلف المشارکة المدنیة حسب دوافع الناس، مستویات الظلم بین فئات السکان، وغیاب المصالح والأولویات،  وکلها ذات انعکاسات سلبیة علی الإدارة السیاسیة(Verba,S, $ Schlozman,K.l,1997:74) . ویراها فیربا وآخرون أنها تصف نطاق کبیر من الشبکات التطوعیة،  المعاملة بالمثل،  والثقة المتبادلة مما یعود بفائدة غیر مباشرة علی الأعضاء المشارکین(Verba,S, & Schlozman,K.l,1999:431). ولعل ما قدمه بوتنام عن العلاقة الایجابیة بین المشارکة السیاسیة والمدنیة لدلیل علی إدراک الأوساط الاجتماعیة والسیاسیة (Putnam,R,1993:27) .وظهر ذلک جلیا فی مفهومه الانفکاک الغامض "Mysterious disengagement"حیث یؤدی الالتزام المدنی الضعیف إلى حکومة اقل استجابة وکفاءة فی تلبیة مطالب المجتمع(Putnam,R,1995:65-78). ویأتی مفهوم التکامل السیاسی لیعبر عن ربط الجماهیر بالصفوة. مثلا فی السیاسة الأمریکیة،  نجد فی المشارکة السیاسیة التطوعیة تأثیرا علی تحرک الحکومة مباشرة، أو بشکل غیر مباشر التأثیر علی اختیار من یصیغونها (Verba,S, and Schlozman,K.l,1997:38).

        أما فی الاتحاد الأوربی یصفها رالف دارندروف: "إذا أراد الناس أن تکون کلمتهم مسموعة من خلال مظاهرات الشوارع، المیدیا، والمناقشات عبر الانترنت،  وکلها وسائل غیر دیمقراطیة قد تدفع الناس لعدم المشارکة، فهل هناک أی أشکال أخری أکثر تأثیرا غیر التصویت"Dahrendorf,R,2003:107) (. ویستعصى التمثیل فی العالم الثالث لوجود دوائر داخلیة للتمثیل،  تضم الدائرة الأولی المستشارون السیاسیون (أجهزة أمنیة، بیروقراطیة، رتب عسکریة )، أما الثانیة تضم النخب المعارضة،  ثم الأخیرة علی مستوی البناء الاقتصادی التحتی وهی الطبقات الشعبیة الحضریة (Okar,E,Land Zerhouni,S,2008:15-18). أما عن الأشکال الجدیدة للمشارکة، هناک شکلان، الأول اصطلاحیاً، والثانی مجالیاً. یحوی الأول مصطلحات کالمشارکة الإبداعیة، مشارکة ما بعد الحداثة، سیاسات الحیاة الیومیة،  الفعل الجمعی المستقل،  ونموذج DIY: ”Do-It-Yourself، وکلها تدل علی المشارکة الإبداعیة الهادفة للتغیر الاجتماعی. والنموذج الشهیر لها، الأنشطة الدافعة إلى الاستهلاک السیاسی،  مقاطعة المنتجات لأسباب سیاسیة أو بیئیة لصالح منتجات الخیر العام عبر ما عرف بأنماط ما بعد الحداثة الطوعیة (Verba,S, & Schlozman,K.l,1997:38). ویضم الشکل الثانی، مجالات المشارکة الخطابیة،  مثل المناقشات السیاسیة،  والقضایا العامة عبر التلیفون، الإیمیل، تبادل الآراء، ومحاولات الإقناع الذاتی،  وتستثنی المقابلات أو المحادثات التی لا ترتبط بالشأن العام(Jacobs,L,R .,et al.,2009:23-24)  .ویمکن استخراج تعریف إجرائی للمشارکة السیاسیة الحضریة: "تلک السلوکیات الهادفة إلى الانتقال من الأسالیب التقلیدیة وغیر التقلیدیة أو المعارضة للمشارکة السیاسیة إلى الخبرة الواسعة بالحیاة".

 2-الطبقات الشعبیة

       تشیر کلمة "الشعبی" إلى جملة من الممارسات الفطریة، الأذواق، وأنماط من السلوک فی الحیاة الیومیة،  تقع ما بین الفقیر والطبقة الوسطی،  ویناضل أصحابها علی الندرة الاقتصادیة، ویمثلون حراکا طبقیا صاعدا، ویخشون العودة إلى الفقر. ویرجع صیت الکلمة إلى تراث أمریکا اللاتینیة حیث ارتبطت بنمو الحرکات الاجتماعیة المطالبة بمعاملة الناس کمواطنین بعیداً عن الظلم والصراع الطبقی. أما فی مصر، فإن الطبقات الشعبیة جزء من المخزون القومی للشخصیة المصریة فی الأصالة والهویة القومیة،  وتطالب الدولة بالتزاماتها، وإن کان التزاما لا یشبه الغرب، لأنه غیر مرئی لمن فی السلطة، فهم مستهلکون لمنافع الدولة.  تنمو الطبقات الشعبیة أو المجتمعیة - اعتمادا علی الموارد العامة علی عکس الطبقات الأخرى التی تتعایش علی نمو الدولة(Singerman,D,1995: 11-13). وتعنی الکلمة معانی بنائیة منها :

- لیست تعبیراً عن غیاب النظرة المؤسسیة، بل تعبیر عن أفکار وأسالیب بین جماعات اجتماعیة تعیش فی اطر اجتماعیة وثقافیة ثابتة فی وعیهم.

- لا تعنی بالضرورة أنها تلعب دورا رقابیا علی الدولة بقدر ما تعنی مناشدة تنظیماتها بأداء وظائفها الاجتماعیة.

- تعبیر عن خلل فی التمثیل السیاسی مما یجعلها تشعر دوما بالاستیاء،  لأن أمور تحدث حولها بدون موافقتها، ولا یمکن أخذ رد فعل إزاءها،  فأمورها مملاة علیها، وکثیرا ما تشعر بعدم الارتیاح للقضایا السیاسیة (مایر،  توماس،  وداود فورهولت، 2010 :115).

- وفقا لهرمیة الدخل، جماعات اجتماعیة داخل الشریحة الدنیا، تمثل غالبیة الشعب المصری،  وتتناوب مع الطبقات العاملة والدنیا، الجماعات المجزاة والمحرومة،  ذات الفرص الضیقة،  ضعیفة الاستهلاک. وتضم مهن یدویة وغیر یدویة، العاطلون عن العمل، ومن هم خارج الاقتصاد الرسمی وغیر الرسمی کالفلاحین(Oxborn,P, 1995:257)  

-وتعرف سیاسیا بأنها جماعات تعیش حالة ما قبل السیاسة قائمة علی أسالیب غیر مؤسسیة، وذات مطالب حسیة ونفعیة، ولا تدخل فی علاقات مباشرة مع الدولة وأجهزتها الرسمیة(Fouveraker,J,& Craig,L, 1990:28).

     وتنظر الدراسة الراهنة لها بأنها نظام اجتماعی یوازی مؤسسات المجتمع المحلی، والمنظمات غیر الحکومیة، لما تملکه من علاقات وشبکات اجتماعیة داخلیة، ساهمت بطریقة ما أو بآخری بإعطاء شرعیة لکثیر من الأحزاب والتیارات الدینیة. ویبقی السؤال عن ما علاقتها بالمشارکة السیاسیة. هناک مدخلان، الأول ربطها بالتصویت، والثانی تعدی الأمر إلى فکرة الاندماج والتکامل مع الأبنیة النظامیة. وعلیه،  تعرف إجرائیا بأنها " فئات اجتماعیة غیر متجانسة طبقیا ومستقلة،  تقع ما بین الطبقة الوسطی المتعلمة تعلیما عالیا،  والطبقة الدنیا الأقل تعلیما، وتمثل غالبیة المشارکین الحضریین فی مدینة بنی سویف". بمعنی أنها فئات طبقیة وفقا لعدد من الخصائص کالمهنة، أنماط الاستهلاک  إلا أن الدراسة سوف تعتمد علی التعلیم کمؤشر لعدة مبررات منها :-

- یعطی التعلیم لها التجانس والوعی والخروج من الدوائر الضیقة للمشارکة إلى دائرة الرؤیة الواسعة للحیاة .

- یعبر عن البعد الموضوعی للطبقة لأنه یتجاوز الأصول الاجتماعیة المختلفة،  ویشیر إلى مقدار الخبرات الحیاتیة،  وعلامة علی الاستقرار بین الأجیال،  واستمرار لأسلوب الحیاة  للحد أن بعض المسوح رأت فیه مؤشرا علی رأس المال الثقافی، التدرج الاجتماعی،  والتمایز الطبقی(Sullivan,A,2001:893).  

- شکل من أشکال النفوذ الاجتماعی بین المؤثر والمؤثر فیه، فضلا عن أنه علامة فارقة بین ما یریده الناس وما یجب علیهم،  مما جعله أداة للارتقاء الاجتماعی، وأخیراً إشارة صریحة علی امتلاک الوسائل والغایات(Mansbridge,J,2003:519).

- شجع علی ربط الدراسة النظریة بالمیدانیة بتقسیم الطبقات الشعبیة إلى منطقتین الأولی ذات التعلیم العالی-أی یسکنها المثقف العضوی-والثانیة ذات المؤهلات الأقل حیث یقطن المثقف التقلیدی، مما یجعلنا نجری محاورات نظریة ذات علاقة بدور کل منهما فی محاور المشارکة السیاسیة وما یتمفصل عنهما من أشکال أخری.

ثالثا: الإطار النظری للدراسة:

       تحاول الأدبیات النظریة الإجابة علی سؤالین، الأول ما أشکال المشارکة السیاسیة المتعارف علیها، وهذا سؤال وصفی، والثانی، هل ثمة أرضیة ما تنبؤ عن أنماطاً جدیدة؟. والإجابة علی السؤالین انحصر فی ثلاثة مداخل تدیرها الدولة: المدخل الأول، یری أن المشارکة السیاسیة للقطاعات الشعبیة حق طبیعی، وتطلعها لا یضر الدولة وإنما تعبیر عن المصلحة المجتمعیة، لأن الموارد العامة کالمشارکة السیاسیة موزعة بالتساوی بین الجمیع. أما المدخل الثانی، یسعی إلى حصر الطبقات الشعبیة فی أشکال بعینها من المشارکة النمطیة وهو التصویت فقط حتى لا تضر بمصالح الدولة، وعلی الدولة أن تبحث عن بدائل لأجل التغییر. هنا الدولة، متغیر مستقل بیدیها الفرص والعوائق لا کمتغیر تابع یمکن معارضتها، وتوزع المشارکة وفقا لخبرتها ومعرفتها بالطبقات. أما المدخل الثالث یمثله الخلاصات الفکریة السوسیولوجیة المارکسیة والتی تؤمن بضرورة تحرک الطبقات الشعبیة إلى مزید من النضالات للوصول إلى مصالحها وطموحاتها دون انتظار دعوة. وتعمل الفئات المثقفة فیها علی توجیه الموارد العامة لصالحها بفضل تعلیمها العالی فتنقلها من النمطیة إلى الخبرة الواسعة بالحیاة فی الحاضر-المشارکة الإبداعیة- وفی المستقبل کمحاور جدیدة لم تعهدها من قبل، وهو ما تتبناه الدراسة.

      ینظر المدخل الأول إلى المشارکة داخل الطبقات الشعبیة وفق لتوفر الموارد تبعا لقواعد اللعبة الدیمقراطیة، دون شعورها بالظلم والتحیز (التعددیة السیاسیة) والنظر للمکانة الاقتصادیة للمواطنین فقد تفوز الطبقة الوسطی بأنواعها وتسعی إلى المزید.  هنا،  تملک الطبقات الشعبیة وسائل التعبیر والتحرک لمشارکة أکثر إبداعًا (زاید، أحمد، 2001 :124). تبدو الحکومة محایدة فی کل الصراعات، وتتسلل الدولة لمجالات الحیاة، کما شرحها "بوردو " بطریقة لطیفة "الدولة هی المستحوذة علی نوعا ما من السلطة المعترف بها وراء رأس المال،  وعلی أنواع أخری من رأس المال وحاملیه"(Bourdieu,P,1994:4).فکیف تشارک الطبقات الشعبیة من خلال الروابط والأحزاب وتنظیمات المجتمع المدنی "الحضانات الشعبیة" التی تنشر التسامح والاختلاف(Pierson,C,2004:56-57).ولکی تتجنب الدولة سخطها تقدم بین منحا رمزیا کالانتخابات والاستفتاءات فأطلق علیها دولة لسان الفئات الاجتماعیة(Dryzek,J.S,1996:481-483)

     فشلت الدولة فی تقلیل المظالم حتى فی ظل الرقابة الشعبیة، وإعادة توزیع السلطة علی الجماعات الاجتماعیة. بل تلام الدولة والمجتمع المدنی فی غیاب التمثیل للطبقات الشعبیة لأنهما أساس التمایز الطبقی. تملک الدولة أسلحة طبقیة مثل فرض الضرائب والانتقاء فی سیاستها الاجتماعیة فتعلو وتهبط طبقات، کالإسکان الشعبی. أما فی المجتمع المدنی،  تتشکل الطبقات تلقائیا من خلال الموارد الاقتصادیة وتفاعلات السوق، وهذا المجتمع ما هو إلا تعبیر عن مصالح طبقیة مسبقة یکتسب منها هویته. فی تلک الأثناء، تعمل الطبقات الشعبیة علی تعبئة مواردها بالإضرابات أو الشکاوی أو أشکال غیر سلمیة من المشارکة. هنا، ترسم الحلول السریعة للمشکلات المجتمعیة کرسالة طمأنینة للناخبین عن حل مشکلات الفقر والظلم "التسویق السیاسی(Jacobs, L.R,and Shapiro,R,2000:13).. من ناحیة أخری، سعت المداخل المارکسیة إلى تغییر قواعد اللعبة، ونضال الطبقات الشعبیة عبر خطابها الثقافی( الفن والموسیقی والأدب) فی فرض شکلا من المشارکة، طالما المشارکة غیر محصورة فی المکان والزمان، ولا فی ید سلطة ولا طبقة بعینها، أو جماعة ما، بل أداة لتغییر مشارکتها النمطیة. وتحلل الدولة من عدة نوافذ منها المداخل المؤسسیة، البنائیة، الجرامشیة والجرامشیة الجدیدة، وأخیراً التفکیکیة.

       یمثل النافذة الأولی المدخل المؤسسی الذی یری فی الطبقات الاقتصادیة الرأسمالیة تعبیر عن الحداثة والانقسام الاجتماعی. تتحکم الدولة والمجتمع المدنی (البنیة التحتیة) فی الطبقات الشعبیة (البنیة الفوقیة) لإعادة إنتاج الأعباء البنائیة للأخیرة. بمعنی أن تبقی مشارکة الطبقات الشعبیة حبیسة، ومحایدة، ومنفصلة عن القرار السیاسی بدافع المصلحة القومیة. وتحرص الحکومة علی تأخیر التغیرات أو التعدیلات السوسیواقتصادیة علی الطبقات الشعبیة حتى لو طرا علیها مظاهر الربح والاستهلاک(Hollingsworth, J. R., 2000: 595-597)  . وتطل النافذة الثانیة البنائیة علی تدخل الدولة سیاسیا بتشجیع التراکم الرأسمالی دون الإضرار بالمصالح القومیة لأنها محکومة بنمط الإنتاج العقلانی علی النقیض الطبقات الشعبیة التی تتعایش علی مخرجاتها( القرارات الفوریة )، وکأن مشارکة الطبقات الشعبیة محکومة بما یحدث فی الساحة الاقتصادیة (Wetherly,P,2005:83-88). فهل من الممکن أن تغیر الطبقات الشعبیة أداء الدولة؟، یتوقف علی تحرکات الطبقات الشعبیة وفقا لما یشغلونه من أبنیة داخل الساحة الاقتصادیة. ویری بولانتزاس أن الاستقلال النسبی للدولة یخلق فضاء سیاسی للطبقات الشعبیة للتحالف مع الأقسام الطبقیة أو التکتل فی السیاق الاقتصادی (Jenkins,C, & Brents,B,1989:892) .

     وهذه النقطة - النافذة الثالثة – تستدعی المداخل الجرامشیة والجرامشیة الجدیدة التی لا تقوم علی القهر بل علی الهیمنة الإیدیولوجیة والثقافیة .تستغل الطبقات الحاکمة حسب جرامشی الطبقات الشعبیة کطبقة مأجورة Disposable Class غیر مدرکة للتغییر .فهل لدی الطبقات الشعبیة مشروعا سیاسیا أکثر تأثیراً من القوی الاجتماعیة الأخرى؟. نقطة البدایة لمشروعها هو مفهوم الکتلة فکلما کانت الطبقات الشعبیة کتلة قوة فأنها سوف تجبر الدولة وغیرها علی تقدیم التنازلات بشرط ان تتخلی الطبقات الشعبیة علی الأنانیة والفردیة وخصومتها لباقی الطبقات(Torfing,J.,2005:159-163). یرفض جرامشی أن تکون الطبقات الشعبیة فئران تجارب (الانتخابات) لان الانتخابات تعید إنتاج العلاقة العضویة بین الجماهیر والقادة فی اتجاه واحد  (Juan, E.S., 2009:152).

        وجاءت الجرامشیة الجدیدة لعلاج أخطاء الطبقات الشعبیة مثل روح المبادرة وفن الخطابة علی أمل أن تعوضه  من خلال ثقافتها الفرعیة فی الخطاب والتذوق والموسیقی. ومن ثم، تصیر تکوینة اجتماعیة تتقارب مع الطبقات الوسطی فی حلقة سماها جرامشی "التوازن فی وجهات النظر"(Morton,A.D.,2003:157). ذاع صیت "ستیورات هول" کأحد المجددین لجرامشی بإدخال مفاهیم تعید صیاغة الذات فی مفردات نظریة مثل الدلالة، الهویة، والاختلافات الثقافیة. ظهر التجدید علی مستویین، الأول استبدل مفهوم التمفصل Articulation عند جرامشی– بمعنی الصلة أو الارتباط أو التعبیر عن إنتاج المعنی من خلال اللغة - عن کیف الکتلة الحاکمة لدیها من الخبرة الکاملة عن کیفیة التعامل مع الطبقات الشعبیة لیعید صیاغة مفهوم التمفصل Re-Articulation لیعنی کیف تخرج الطبقات الشعبیة من عزلتها بفعل وطأة الظروف البنائیة والثقافیة لتصیر کتلة ترویجیة عن إنتاج معانی جدیدة .الثانی، المزج بین السیاسة والثقافة لاستغلال المعارف الاجتماعیة المستجدة- التعلیم- فی حل الصراعات داخلها وإقناعها بأنماط جدیدة للمشارکة.

     المشارکة السیاسیة فی ظن "هول" معجونة داخل کل المجتمعات والثقافات الفرعیة، ومهمتنا البحث عن سر الاختلاف بین الناس طبقیاً وسیاسیاً ونوعیاً وجنسیاً. یظهر آنذاک مفهوم الهویة کتعبیر عن القوة البنائیة للعلاقات الاجتماعیة، فلا انفصال بین القوة والثقافة والذات. وینقلنی مفهوم الهویة إلى موقع الطبقات الشعبیة فی الدائرة الثقافیة لان الطبقات الشعبیة لیست بالدائرة الناقصة بل هی دائرة ثقافیة مکتملة، منتجة ومستهلکة، مرسلة ومستقبلة ولیست سلبیة فی إنتاج المعانی. وإن محاولة تغییر هذه الشفرة الثقافیة النمطیة لیس بمضیعة الوقت لأن الدائرة الثقافیة السیاسیة  فی المجتمع لا تکتمل إلا بوجودها(Stones,R,1998:266). ویقترب تحلیل هول -بموسیقی جرامشیة- للطبقات الشعبیة من تحلیله لمشروع تاتشر فی بریطانیا.لعبت تاتشر دور المثقف العضوی دون أن تلتقی القوی السیاسیة والاجتماعیة فی نقطة معینة conjuncture. لقد حولت إیدیولوجیتها، المزج بین الاشتراکیة واللیبرالیة،  إلى عقیدة شعبیة بنکهة أخلاقیة (قبول الهیمنة). جمعت بین النزعة المحافظة العضویة –الأسرة،  الواجب، السلطة،  التقالید- مع اللیبرالیة الصارمة –الأنانیة، الفردیة،  التنافسیة بهدف إبعاد الطبقات الشعبیة عن مناطق الصراع السیاسی والاجتماعی بمشارکة نمطیة سلطویة لتعبئة الحس العام الشعبی.

     سنحت فرصة إحیاء الجرامشیة الجدیدة لفوکو بتحلیل السیاسات الصغرى للطبقات الشعبیة فی الحیاة الیومیة. طالما القوة ملازمة للمقاومة رغم ضآلتها علی مستوی النشاط الیومی الشعبی بسبب الإکراهات السیاسیة والوجودیة- وطأة الأعباء البنائیة- مع ذلک تتوغل داخلها عبر مجالى التعلیم والهویة (Pile,S.,2007:2). إن من یملک المقاومة یؤثر علی الآخرین،  وبما أن القوة فی کل مکان،  یمکن أن تنتج الطبقات الشعبیة القوة أو تخضع لها، دون محاربة الدولة “الکتلة الساکنة (Hunt, A., & Wickham, G.,1998:15). تستطیع الطبقات الشعبیة التعایش مع الدولة أو الجماعات الممیزة اجتماعیا والنموذج الحی هو السجن. یفجر فوکو أشکال من المقاومة ضد نمطیة المشارکة ولکن تحتاج إلى تحسین الأجور،  ومزید من الحریة والاحترام. هناک شکلان من المقاومة: المقاومة المنظمة الحقیقیة ذات النتائج الثوریة، والمقاومة الکلامیة غیر المنظمة بفضل تکنولوجیات القوة (Talket,A,Et al.,2009:30-31).

      فی الواقع، أن مدخل هول الأقرب کإطار نظری موجه لأنه یخرج الطبقات الشعبیة من عزلتها وخصومتها لباقی الطبقات الأخرى لإنتاج المعانی المشترکة مثلما فعلت فی الغناء والموسیقی، واستعادة ذکریات النضال لبناء مشروعها بعیدا عن تعبئة حسها الشعبی أو نزولها الشارع. أن مفهوم التمفصل أداة تحلیلیة مثل النوع والطبقة والتعلیم، ولیس شرطا أن یکون فی جمیع الحالات قانون ابدی أو طبیعة للحیاة، بل یمکن أن یتغیر تحت ظروف جدیدة أو أن یتعایش مع الظروف القدیمة أو یخلق روابط جدیدة، لأنه مفهوم مبنی علی الهیمنة،  بمعنی إن أی فئة ما یمکن ممارسته(Hart,G.,2007:87-88). أیضاً،  یحلل طریقة إنتاج وأداء الطبقات الشعبیة لمعانیها الاستهلاکیة باستمرار بسبب وطأة الأعباء البنائیة والثقافیة التی افقدتها روح المبادرة والالتزام بالمقاومة الکلامیة فی نشاطها الیومی. وهذا ما یجری فی ساحة المشارکة الیوم من وجود الخصومة الطبقیة بین مجتمع القلب والأطراف، وحصر المشارکة فی التصویت لافتقادها الدوائر الثقافیة والسیاسیة الفعالة، فصارت مرمی للوعود بالدعم والتوظیف مقابل شراء أصواتها ومنعها من الترشح لیصیر "التصویت سیاسة شعبیة"(Hutchison,J.,2007:854). لقد أضعف التصویت عقیدتها الیومیة فی الإحساس بالواجب، زاد الفجوة بین التوقعات والواقع المعاش،  والرفض والسخریة من السیاسة والحکومة(Rosenan, P, M., & Paehlke, R., 1990:130). یشبه التصویت محرک السیارة المنفصل عن جسد السیارة،  لذا نستعین بمفهوم هول عن إعادة التمفصل للقوة لتتنافس علی باقی أشکال المشارکة لتصعد بتعبیر فوکو إلى القوة Capillary. وخرج عن هذا التصور ثلاث کتل:-

   - نمط الکتلة المحایدة التقلیدیة غیر منتجة ثقافیا، المتقبلة للهیمنة، تؤمن بالانتظار والإصلاحات والوعود .

   - نمط الکتلة التعبویة المستهلکة ثقافیا،  المعایشة للهیمنة،  تؤمن بمسئولیاتها المدنیة دون الانخراط فی أشکال المقاومة الحقیقیة (نمط المشارکة غیر التقلیدیة والمعارضة).

   - نمط الکتلة الترویجیة غیر المشفرة ثقافیا، الرافضة للهیمنة، وتؤمن بقدراتها وتعی مکتسباتها بفضل تعلیمها العالی وهویتها غیر النوعیة وبعیدة عن النرجسیة .والسؤال هل الظروف الجدیدة مثل التعلیم والهویة (النوع) کفیلة بإخراج الطبقات الشعبیة من دائرتها الثقافیة الضیقة (التمفصل أو العزلة) إلى إعادة تمفصلها (الارتباط أو الصلة) بأشکال جدیدة من المشارکة،  هذا ما تجیب علیه الدراسة المیدانیة.

 

رابعا: الدراسات السابقة:

      تبین بحکم الاطلاع علی الدراسات السابقة غیاب دراسات ذات صلة بالموضوع مباشرة علی الصعید القومی والمحلی أو التشابه مع الدراسات الأجنبیة. وینقسم التراث إلى ثلاث أنماط: أشکال المشارکة،  الأعباء البنائیة، والشروط المشجعة علی المشارکة. تناول التراث أشکال المشارکة من بینها دراسة " جینفر لوکیس" عن الانتخابات داخل الطبقات الشعبیة  کعلامة علی نقص الموارد والفقر الشدید وغیاب المشارکة الفعالة (Lawless ,J.L., &Fox,R.L.,2001.واتفقت معها دراسة "اینا جإلىجو" عن علاقة الأنشطة التقلیدیة مثل التصویت بالطبقات الاجتماعیة المحرومة اقتصادیا. کشفت النتائج أن الأنشطة غیر التقلیدیة تتجه دوما إلى الطبقات الاجتماعیة الأخرى لعدم المساواة فی الموارد السوسیواقتصادیة (Gallego,A.,2008). وتعادل المشارکة التقلیدیة ما جاء فی دراسة "هنری دیتز" عن المشارکة الحمیمة بین الطبقات الشعبیة القائمة علی التفاعلات الاجتماعیة التقلیدیة (الأسرة، الأصدقاء، الأقارب، الجیرة) والتی ظهرت بمثابة احتفالیة لأنها الوعاء السیاسی الوحید (Dietz, H., 1998) .

      أما النمط الثانی عن الأعباء البنائیة التی تحول من المشارکة الفعالة،  تصدرتها دراسة "فیربا" عن دور العملیة الدیمقراطیة فی زیادة المظالم حین تعمل لصالح الطبقات الغنیة لا الطبقات الشعبیة. وأکدت النتائج أن المشارکة الفعالة محجوزة لمن هم فی وضع اجتماعی أفضل من الآخرین، مما یخلق دائرة مفرغة من المظالم السیاسیة والاجتماعیة(Verba, S.,2004). وعلی نفس المنوال،  اهتمت دراسة "یاجون لی ودیفید مارش" بأن نقص الموارد الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة وراء حرمان الطبقات الشعبیة من المشارکة الفعالة ، لأنها تملک فقط رأس المال الاجتماعی الرسمی ولیس المدنی غیر الرسمی,Y., & Marsh, D.,2008)  (Li.  وتؤکد دراسة "جنیفر لولیس"  إن کلما ضعف رأس المال الاجتماعی الرسمی (الاتصال بمؤسسات الحکومة وعجزها عن تقدیم البرامج والخدمات ) کلما زادت خبرات الطبقات الشعبیة عن سبل المشارکة الفعالةLawless,J.L., &Fox,L.,2001)  (. وجمعت أحدی الدراسات الأعباء کلها فی دراسة واحدة مثل غیاب أدوات المعارضة،  التنافس فی جمع الموارد، ضآلة رأس المال الاجتماعی، وضعف التنظیمات السیاسیة القائمة (المؤسسات الشعبیة والشبکات الاجتماعیة)،وأخیراً الاغتراب الناتج عن الإصلاحات الاقتصادیة. وانتهت إلى إن هذه الأعباء جعلت من الطبقات الشعبیة امتدادا لبیروقراطیة الدولة وصارت أبنیة بیروقراطیة غیر حکومیة تحمی مصالح الصفوة (Ulvila,M.,& Hossain, F.,2002)  .

       وحدد النمط الثالث النجاحات للطبقات الشعبیة فی حال توفر الشروط البنائیة الإیجابیة أو أشکال المقاومة منها دراسة "ایلین شارب" عن أن دمج الطبقات الشعبیة فی البرامج الحکومیة القومیة والمحلیة یتوقف علی التکوینة الاجتماعیة لهذه الطبقات، وطبیعة الرسالة (Sharp,E.B.,2009). وحثت دراسة "سنجرمان" عن وجود الشبکات غیر الرسمیة کوسائل رافضة للمشارکة ونموذج نقدی للصفوة وسط الطبقات الشعبیة الحضریة. ورکزت فی نتائجها علی مشارکة البسطاء فی تصعید مطالبهم للدولة وتنظیم مصالحهم عبر الأبنیة المؤسسیة التحتیة ساهم فی تحقیق الخیر العام الاقتصادی، وإنتاج الحاجات الأساسیة للأسرة کالتوظیف، التعلیم،  تصفیة الخلافات علی نقیض ما ذهب إلیه فیربا عن سلبیتها السیاسیة(Singerman, D.,1995) . وتناولت دراسة "جون بوث وبیتر ریتشارد " أهمیة المجتمع المدنی کأحد الوسائل لتکوین رأس المال السیاسی والاجتماعی لدی الطبقات الشعبیة فی الاتصال بموظفی الدولة، نقل مطالبهم إلى الحکومة والانخراط فی الحملات الانتخابیة مما زاد من مستوی الأداء الدیمقراطی لها، والانخراط فی عضویة الجمعیات الأهلیة المتخصصة فی حل المشکلات الشعبیة رغم الظروف السیاسیة العنیفة، الاضطرابات الاجتماعیةBooth,J.A.,& Richard,P.B.,1998)  (.

       وتمثل دراسة دراسة "سلوی اسماعیل" عن تنوع أسالیب المقاومة لدی الطبقات الشعبیة فی حی بولاق بالقاهرة فی ظل تراجع الدولة کوسیط تفاعلی بین أجهزة الدولة (البولیس) والمواطنین .وکشفت النتائج دور الإسلامین فی استغلالها فی التحرک الجمعی، واستغلال الأمراض الاجتماعیة داخلها. وأظهرت الدراسة نشاط الطبقات الشعبیة فی مجالات العمل وتدبیر الخدمات،  والمعارضة للدولة بما یلبی حاجتها إلى الأمن دون الاعتماد علی البولیس والمحاکم (Ismail,S.,2006. بینما رکزت دراسة " روث کولیرز وصمویل هاندلین" عن دور المجالس الشعبیة فی علاج عجز الأحزاب السیاسیة کوسیط منتخب، ومشکلات الزبونیة السیاسیة ( ملکیتها لرأس المال الاجتماعی) بدمج الطبقات الشعبیة فی المشروعات الاقتصادیة الکبیرة وعالم الاسواق مما جعلها طبقات شعبیة نقابیة(Colliers,R.B.,2009) واخیرا، دراسة "ویندی تانشو وتوماس رودولف" عن تأثیر البیئة الاجتماعیة المشجعة للمشارکة الفعالة علی الطبقات الشعبیة رغم توفر بعض المیکانیزمات تتجاوز السیاق السیاسی مثل الاختیارات الذاتیة للناس (القبول بالعیش فی نفس المکان)،  التفاعل الاجتماعی (تبادل المعلومات السیاسیة)،  والتعبئة الحزبیة Tancho,W.K.,2008)  (.

       یتضح مما سبق أن الدراسات السابقة ناقشت الأعباء البنائیة کعامل مؤثر فی إنتاج الصورة النمطیة عن الطبقات الشعبیة، العاجزة سیاسیاً، والأجیرة مما جعلها فی دائرة ثقافیة ضیقة. وعبرت الدراسات عن وسائل الخروج ولکن الوسط السیاسی مغایر تماما للوسط المحلی المصری. وتحرص دراستی علی الانفکاک من الدائرة الضیقة بفعل العوامل البنائیة– الهویة النوعیة والهویة التعلیمیة (رأس المال الثقافی) فی تحریک سکوتها المشفر ثقافیا إلى کتلة ترویجیة ذات أشکال سیاسیة جدیدة فی خبرتها الحیاتیة الواسعة،  وفی ظل غیاب دراسة مماثلة لمجتمع البحث .

خامسا: مناقشة نتائج الدراسة:

  أ- نتائج الدراسة الوصفیة

الأنشطة السیاسیة هی أحداث اجتماعیة تختفی وراءها القیم والمصالح،  ویمکن حصرها فی أربعة أنماط تجیب عن السؤال الثانی حول أشکال المشارکة السیاسیة المألوفة بین الطبقات الشعبیة وهی:

 

1- المشارکة التقلیدیة

شکل رقم (5-1) توزیع العینة حسب المشارکة التقلیدیة

 

لدواعی التحلیل اعتمد الباحث علی التمییز الکلاسیکی بین أشکال المشارکة التقلیدیة وغیر التقلیدیة،  وإن کان محدود الاستخدام. بالأحرى یجب أن یضم، تنمیط المشارکة فئة ما من الأنشطة الاستهلاکیة، وأشکال أخری خارج التمثیل (المعارضة) فی مقابل المشارکة المؤسسیة مثل التصویت أو الأنشطة الحزبیة. تعبر المشارکة التقلیدیة إجرائیاً عن موقف المواطن المشتت عن التحرک الجمعی، ینتمی ویرغب فی التعاون دون الاتصال بوسطاء أو غیر وسطاء. ویتأثر سلوک الناس بالشکل الأکثر تقلیدیا ومؤسسیا فی التمثیل .فالتصویت سلوک بسیط لا یتطلب إبداعاً، أو تعاونا کاملا مع الآخرین، إنما تصور جمعی یتجه صوب الدولة مباشرة، وإشارة إلى مطالب فردیة فی فترة ما. 

       هذه السمات جعلته أکثر انتشار، إذ حظی بأعلى التأیید عن باقی الأشکال التقلیدیة الأخرى باستثناء الاتصال بمسئول فی المحلیات. ویمکن أن نصنف هذا الفعل المباشر إلى الفعل المباشر عن طریق وسیط، أو الفعل المباشر غیر الوسیط. یعبر الأول عن أنواع من الأشکال الانتخابیة المؤسسیة، بالترتیب حسب أهمیة الاتصال، الاتصال بمسئول فی المحلیات، الاتصال برئیس الحی أو موظف بالمجلس المحلی، الاتصال بعضو فی البرلمان. أما الفعل المباشر غیر الوسیط فتمثل فی أشکال غیر انتخابیة غیر مؤسسیة، وفقاً لأهمیتها فجاءت بالترتیب: التصویت لمرشح حزبی، مناقشة السیاسة مع الآخرین الذی یشیر إلى شبکات اجتماعیة کالجیرة أو الأصدقاء، حضور لقاءات انتخابیة، حضور اجتماعات داخل المجالس المحلیة.  یکشف الشکل السابق عن المشارکة التقلیدیة عن عدة أمور :-

   - تشیر المشارکة التقلیدیة إلى مجموعة من الحقائق السوسیولوجیة علی المستوی القومی منها: تراجع للطبقة وخاصة الطبقة الوسطی والعلیا التی تمثل فی مصر حالة استثنائیة لصالح الطبقات الدنیا الأکثر تصویتاً، وعجز الدولة علی احتواء الأصوات الدینیة لصالحها "التصویت الاقتصادیEconomic voting   ".

    - اللجوء إلى الشخصیات الوسیطة المؤثرة کنوع من الزبونیة تکشف عن غیاب التمثیل الدولة، والصفوة،  والبرامج الحزبیة،  فالاتصال لأجل المصلحة فقط.

    - تترجم المشارکة التقلیدیة شکلا من المشارکة قائم علی النشاط الاقتصادی الاجتماعی التحتی فی تحقیق المصالح الاقتصادیة البحتة، والتجمع والتکتل حول المطالب الملموسة .

   - تفوقت الأنشطة غیر الانتخابیة غیر الوسیطة علی الأنشطة الانتخابیة المباشرة الوسیطة فی المستقبل، ولعل هذه مرحلة الانتقال أو تحولا دیمقراطیا أو توازن فی العلاقات داخل الطبقات الشعبیة من الصورة النمطیة إلى أنماط محددة من الفعل أکثر تمأسساً وذات أهداف سیاسیة بعینها،  وکلها عوامل مشجعة ومقبولة.

      ویتفق هذا نظریا حول أن الدولة تتلکأ فی تقدیم شروط التعددیة، وتوزیع السلطة وحصر القبول فی المشارکة التقلیدیة. ویفید هذا النمط الدولة فی انتقاء سیاستها -الاستفتاء الشعبی- فتصعد طبقات وتهبط أخری. أی،  کلما زادت المشارکة التقلیدیة زادت مشروعات الرأسمالیة اللا اجتماعیة،  لان الطبقات الشعبیة فئات مهنیة لا تشارک وبلا تأثیر فی تراکم رأس المال،  مما جعل من ساحة الانتخابات نضالات للطبقة الشعبیة مضمرة داخل الدولة.

  2- المشارکة غیر التقلیدیة

     بناء علی ما سبق،  فان تراجع المشارکة الانتخابیة النمطیة شجع بالتبعیة علی بروز أشکال جدیدة من الأنشطة غیر التقلیدیة،  طالما تقدم حلولا لکثیر من المشاکل التی تختلف حسب طبیعة الاتصال إما بالمجتمع أو بالدولة.

شکل رقم (5-2) یوضح المشارکة السیاسیة غیر التقلیدیة

تعرف المشارکة غیر التقلیدیة إجرائیا من خلال موقف المواطن غیر المنظم تجاه المصلحة العامة، فقد یتجه إلى التمرکز حول الدولة  بلا حول له ولا قوة، وما العمل السیاسی سوی تعبیر فقط عن المصالح، مما یسهل تعبئته، أو قد یتجه ناحیة التمرکز حول الممارسات الاجتماعیة لمجتمعه. وینتج عن هذا الموقف نوعین من الأنشطة تتجلی المصلحة إما تجاه المجتمع أو تجاه الدولة. وتحقق الأنشطة المتجهة نحو المجتمع الوظائف التالیة: الأفقیة،  التلقائیة، التعبیریة (غیر هرمیة)، والإجرائیة. ظهرت الوظیفة الأفقیة فی المساعدة بتقدیم تبرعات أو الانضمام إلى حملة لجمع التبرعات،  بینما تمرکزت الوظیفة التلقائیة فی توزیع صدقات علی المحتاجین من أهل الحی، مع تراجع وظیفة حضور المجالس العرفیة لحل مشکلة ما فی الحی. یعنی هذا أن العینة تتحاشى الفعل المباشر المثیر للخلافات فی مقابل الفعل المباشر المعتاد. وحظیت الوظیفة التعبیریة فی منع وجود مشاجرات بین الجیران، أو أبناء الحی بمکانة ممیزة علی حساب قضاء بعض الوقت عند مرشح أو عضو حزبی، و تنظیم حفلات أو أفراح فی الحی. وتفسر هذه النتیجة وجود شبکات اجتماعیة غیر مؤسسیة فی تصفیة الخلافات، وتنظیم الحفلات والأفراح لأنها جزء من شخصیتها الثقافیة. وأخیراً تأتی الوظیفة الإجرائیة فی تجنب الناس شراء سلع معینة بمردود جمعی ضعیف،  ومرد هذا إلى المقاطعة قرار فوقی یعبر عن التوجه العام أو إیدیولوجیة الدولة لا المجتمع.

      أما النوع الأخر من الأنشطة الموجهة نحو الدولة، فمن العجیب أن رفضت العینة أی حلول تتعارض مع الدولة سواء فی الحاضر آو المستقبل (قبول الهیمنة) وهی بالترتیب : توزیع شعارات انتخابیة،  لصق ملصقات علی الحائط، الحصول علی تصریح بعمل دعایة لمرشح أو عقد مؤتمر له، المشارکة فی برنامج حواری إذاعی أو تلفزیونی،  کتابة شکوى لصحیفة أو جریدة ما،  تنظیم وقفة احتجاجیة مع آخرین، جمع توقیعات عن مشکلة ما. وهذا أمر غیر مستغرب لأن الأنشطة تتجه نحو المجتمع تحدیداً التدابیر الاجتماعیة بین السکان ( التعایش مع الهیمنة) مثل الانضمام إلى حملات لجمع التبرعات کإشارة إلى التشبیک الاجتماعی: توزیع الصدقات،  تنظیم أفراح وحفلات،  منع المشاجرات. لقد حظیت التدابیر الاجتماعیة فی تحسین نوعیة الحیاة بشکل تعاونی وبنسب عالیة من التأیید والمشارکة،  ومع هذا تبقی الازدواجیة فهی ترفض الأفعال المباشرة الخلافیة مع المجتمع لصالح الأفعال التی تتمفصل مع الدولة الشرعیة لنقص مواردها التنظیمیة والمؤسسیة. یعنی هذا إمکانیة تعایش الطبقات الشعبیة مع الهیمنة الدولة وتقبلها کمفتاحا لحل مشاکلها وانتقاء الأنشطة،  وتحدید المصالح الجدیدة.   

 

 

 

 

 

  3- المعارضة

شکل رقم (5-3) یوضح المعارضة السیاسیة

 

    یعبر الشکل الثالث عن موقف المواطن (المعارض) غیر الملتزم مدنیا أو منخرط سیاسیا، لغیاب الأوعیة المدنیة والسیاسیة. وتظهر مصالحه أو قیمه فی المشارکة بأسالیب غیر مؤسسیة فی المطالب المؤسسیة أو تنظیم المعارضة،  المعارضة أو القبول. تبدأ النتائج فی الشکل التالی بالکشف عن المطالب المؤسسیة وراء أشکال المعارضة برفض کافة أشکال المعارضة غیر المؤسسیة مثل التوقیع علی الشکاوی باستمرار التی تعبر عن الإلحاح فی تحقیق المطالب،  أو تعبئة للناس فی التهدید بالذهاب إلى الإضرابات والاعتصامات والمشارکة فی المقاطعة أو العصیان المدنی، أو الاحتجاج بشکل نشط فی غلق المبانی والمصانع حتى یستجاب لمطالبها. أما ما یخص تنظیم المعارضة فجاء الرفض للطرق السلمیة مثل الالتزام بالشکل القانونی للمظاهرات،  المشارکة فی مظاهرة سلمیة،  الاستخفاف بالرأی الأخر المعارض،  أو غیر السلمیة،  کالمشارکة فی إضرابات عنیفة. ترفض العینة المعارضة الخطرة فی الشوارع أکثر من المؤسسات مما یبعدها عن التوجه المجتمعی لصالح المقاومة الکلامیة. یتفق ما سبق مع الإطار النظری فی وجود انحیازات فی ادراکات الناس للدولة التی ترفض التغییر بعد تجربة ثورة ینایر، وتنکفئ المعارضة فی مطالبة الطبقات المسیطرة بتغییر بعض السلوکیات الخاصة (بهدف تحسین الأجور والأوضاع المعیشیة، وتخفیف الضرائب) لتنتج ترتیبات من التحکم والضبط فی شقوق الطبقات الشعبیة (Talket, A.,et al.,2009:30).

   4- المشارکة الإبداعیة

شکل رقم (5-4) یوضح المشارکة السیاسیة الإبداعیة

       تعبر المشارکة الإبداعیة عن موقف المواطن ذو الخبرة الواسعة بالحیاة، وتنحصر مؤشراتها فی بلوغ الفرد درجة من الوعی بالحقوق، والسیاسات البیئیة، وغلبة المصلحة العامة عن الشخصیة فی ساحات النفع العام، تنفیذ البرامج العامة، معارضة الفساد السیاسی،  ومحاربة الغلاء، والتطلع إلى الغد. تبدو المصلحة فی سعی المواطنین نحو الخیر العام وجنی الفوائد الجماعیة (ولو غابت الأهداف وتراجعت التنظیمات السیاسیة). یقدم التحلیل صورة مغایرة للنتائج السابقة عن ملامح التغیر فی استراتیجیات وأبعاد المشارکة السیاسیة بفعل المؤثرات الخارجیة والداخلیة، التی تبرز من الآن إلى الأخر فی ثنایا التحلیل. تعکس بیانات الشکل السابق نوع من الهرمیة البنائیة الجدیدة للهیمنة من خلال جملة من الفضائل مثل الانعکاسیة الدیمقراطیة والاجتماعیة. یبدأ التحلیل بفضیلة النشاط السیاسی أو آلیات صناعة المشارکة فی اللقاءات والاستماع لما یدور،  تقدیم ما تیسر من المال لنظافة وتجمیل الحی،  والمبادرة بحل المشاکل القریبة من الناس بسرعة. ولکن جاءت المشارکة فی أی برنامج حکومی یخدم أهل المنطقة مخیبة للآمال فی مقابل تقدیم المصالح العامة قبل المصالح الخاصة. من الملاحظ تمفصل أو ارتباط العینة بالنشاط السیاسی وفق عقیدتها الیومیة،  وبتلقائیة بعیدا عن عیون السلطة الرافضة لمشارکتها حتى ولو لصالح المنطقة التی تعیش فیها .وهذا دلیل علی غیاب واضح للثقة فی الحکومة لصالح شکل من رأس المال الاجتماعی غیر الرسمی. تتفق هذه النتیجة مع جملة ما جاء فی التراث البحثی عن المشارکة غیر النمطیة.

     وتستکمل فضیلة النشاط السیاسی بفضیلة الکفاءة السیاسیة -الانعکاسیة الدیمقراطیة- والانعکاسیة تعنی ردود الفعل للعینة إزاء الواقع وما یحمله من معانی ترتبط بالسیاق السیاسی الذی یعیشونه ولها وجهان. الوجه الایجابی الذی یعبر عن القدرات المدنیة، والوجه السلبی یعبر عن النرجسیة السیاسیة. وکان أول رد فعل هو القیام بتوعیة الناس عن الفساد کالرشوة والمحسوبیة والانضمام لأنشطة جماعیة تعمل لحمایة المستهلک ومحاربة الغلاء ومتابعة أی شکوى حتى النهایة .ان ردود الأفعال للعینة ما هی إلا تعبیر عن قدر من التسامح تتمایز به عن غیرها من الطبقات إزاء السیاق السیاسی وما به من أزمات کالفساد،  وارتفاع الأسعار والغلاء،  وکثرة المظالم،  وکافة الاکراهات البنائیة

      وتمتد هذه الردود إلى فضیلة الانعکاسیة المدنیة (المشارکة فی صناعة القرار). یعبر هذا النمط عن التمفصل بمعناه العریض- لیس الوقوف علی شکل وأحد من المشارکة مع عدم الادعاء بافضلیة أحداها علی الأخرى- وهو حدیث الناس عن علاقاتهم بالسیاسة، وفیما بینهم فی ثقافة استهلاکیة کلامیة، وأنماط من تبادل الآراء. ذکرت العینة درجة من التردد بین الناس عن الرغبة فی الإصلاح، أو البعد عنه،  والانسحاب فی حالة الفشل إلى تمفصل جدید مثل متابعة أکثر من قناة سیاسیة لمزید من المعرفة. یرجع ذلک إلى إن کثیر من الأزمات السیاسیة نتاج لغیاب الکفاءات السیاسیة،  لذا أعطت العینة الأولویة لأصحاب الکفاءات. وتعلو الانعکاسیة کاختیار متذبذب بین طاعة أوامر الرؤساء وأولوا الرأی علی قناعة بأنها صحیحة رغم أنها لیست بالأولویة،  وبنفس القدر التفکیر فی شغل منصب سیاسی فی الفترة القادمة. یتضح مما سبق أن أنماط الاستعمال للمشارکة الإبداعیة یختفی وراءها کثیر من الاکراهات البنائیة الوجودیة کالرشوة والفساد،  أو قد تعطی الأمل بالتطلع إلى تغییر الواقع فی المستقبل .

    نعرض نتائج الدراسة وتفسیرها فی ضوء علاقتها بأسئلة الدراسة، ونتائج الدراسات السابقة،  والتحلیل الکمی .

- مناقشة نتائج السؤال الثالث

     حاولت الدراسة الإجابة علی السؤال هل هناک علاقة مباشرة بین الخصائص الدیموجرافیة والسوسیواقتصادیة لسکان الطبقات الشعبیة،  وتزاید الأعباء البنائیة والثقافیة وصعوبة التمثیل لمصالحها. کشفت النتائج إن غالبیة سکان المناطق الشعبیة یوجد بینهم فروق واضحة فی الموارد السوسیواقتصادیة واختلافات نوعیة، وانخفاض فی رأس المال الاجتماعی والسیاسی بشکل ملحوظ، وفجوات طبقیة. ظهر ذلک من دراسة الفروق فی متوسط الدرجة الکلیة للمحاور الأربعة للمشارکة مع المتغیرات التالیة: المنطقة، النوع، العمل الإضافی، الانتماء الحزبی، العضویة فی الجمعیات التطوعیة،  السفر إلى الخارج، الانقسام فی المجتمع، کما فی الجداول التالیة:

 

 

 

 

 

 

 

  ( 1 ) المنطقة المکانیة

جدول رقم (5-5)

نتائج اختبار "ت" بین متوسط درجات المشارکة السیاسیة الأربعة تعزی للمنطقة المکانیة

المحاور

القلب

الاطراف

قیمة ت

مستوی الدلالة,.5

درجة حریة 2

م1

ع1

م2

ع2

المشارکة التقلیدیة

12.25

2.887

14.02

3.702

-7.169

,001

دالة

المشارکة غیر التقلیدیة

21.54

4.050

22.84

5.234

-3.710

,001 دالة

المعارضة السیاسیة

12.95

3.120

13.63

3.540

-2.740

,006 دالة

المشارکة الابداعیة

27.96

6.101

30.53

5.933

-5.745

,001 دالة

إجمالی

358

367

 

      هل التوزیع الظالم فی الموارد اوجد حالة من الانحیاز الطبقی والنوعی بین الطبقات الشعبیة لصالح الطبقة الوسطی عن الطبقة الدنیا فی أبعاد المشارکة السیاسیة الأربع؟. یظهر الجدول أن ثمة فروق ایجابیة – لا تقارب- بین متوسط درجات منطقتین البحث الرئیسیة لصالح الأطراف فی کافة أشکال المشارکة ( المشارکة التقلیدیة (14.02 )، والمشارکة غیر التقلیدیة (22.84)، المعارضة السیاسیة (13.63)، والمشارکة الإبداعیة (30.53 )فی مقارنة المتوسطات الحسابیة. ویرجع ذلک إلى إن الطبقة الوسطی متمیزة فی مشارکتها وفی وضع متمیز سیاسیاً وهذا ما أکدته دراسات فیربا وزملاءه عن تمفصل/ارتباط المشارکة السیاسیة بالطبقة الوسطی عن الطبقة الدنیا. وتتفق هذه النتیجة مباشرة مع دراسة Wendy Tancho وآخرون عن تأثیر البیئة المکانیة ایجابیا علی المشارکة السیاسیة .

 

 

   ( 2 ) النوع

جدول رقم (5-6)

نتائج اختبار "ت" بین متوسط درجات المشارکة السیاسیة الأربعة تعزی لمتغیر النوع

م

 

المحاور

الذکور

الإناث

قیمة ت

مستوی الدلالة,.5

 

م1

ع1

م2

ع2

1

المشارکة التقلیدیة

13.5212

3.60236

12.7464

3.20661

3.048

,001

2

المشارکة غیر التقلیدیة

23.02

4.785

21.30

4.504

4.968

,001

3

المعارضة السیاسیة

13.57

3.380

12.98

3.304

2.379

,.18

4

المشارکة الإبداعیة

30.01

5.863

28.46

6.354

3.416

,001

 

إجمالی

378

347

 

      یظهر الجدول وجود فروق فی المتوسطات بین الذکور والإناث فی متغیرات المشارکة السیاسیة الأربعة لصالح الذکور عن الإناث. وهذا یعنی وجود فروق دالة إحصائیا نوعیة فی اتجاه الذکور نحو المشارکة بأنماطها، ومرد ذلک إلى إن الذکور أکثر احتکاکا بالعمل السیاسی، وعرضه للعدید من أسالیب التنشئة السیاسیة وخاصة فی المناطق الشعبیة ذات الثقافة الذکوریة. کما أن ساحة النشاط السیاسی، الأحزاب والممارسون للعمل السیاسی أکثر اعتمادا علی الذکور (أثناء الحملات الانتخابیة کأدوات للتعبئة). ویظهر تفوق الذکور أکثر فی الأنشطة غیر الانتخابیة کالمشارکة غیر التقلیدیة، والمعارضة والمشارکة الإبداعیة لأنها مجالات للتحرک،  والحریة والانتقاء عن تحرک الإناث القاصر علی الإدلاء بأصواتهن فقط. وعلیه، یعد النوع علامة فارقة فی المشارکة یعکس الموارد السیاسیة أو المکانة الاجتماعیة للجماعات المهمشة کالمرأة فی البناء الاجتماعی، بل وعامل فی التعبئة الاجتماعیة. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة "مایکل بیرتون" عن المشارکة السیاسیة فی زامبیا حیث کان النوع تعبیرا عن المکانة السوسیواقتصادیة کأحد السمات البنائیة للمجتمع الشعبی Bratton,M.,1999) (.

    (3 ) العمل الإضافی

جدول رقم ( 5-7)

نتائج اختبار "ت" بین متوسط درجات المشارکة السیاسیة الأربعة ( العمل الاضافی)

المحاور

یعمل

لا یعمل

قیمة

ت

مستوی الدلالة,.5

م1

ع1

م2

ع2

المشارکة التقلیدیة

14.32

3.864

12.82

3.239

4.924

,001

المشارکة غیر التقلیدیة

23.36

5.623

21.87

4.398

3.521

,001

المعارضة السیاسیة

13.66

3.533

13.19

3.299

1.557

,120

المشارکة الابداعیة

30.63

5.897

28.88

6.167

3.186

,002

إجمالی

158

567

 

       ثمة افتراض یقول إن هناک علاقة بین الشعور بالمسئولیة الاجتماعیة والسعی الجاد نحو التحرک السیاسی. أتتضح من الجدول السابق وجود فروق فی متوسط الدرجة الکلیة للمحاور الأربعة للمشارکة ومتغیر العمل الإضافی. ویرجع هذا إلى إن ثقافة العمل الإضافی تعزز أشکال المشارکة السیاسیة لمن یعملون عملا إضافیاً، بالطبع، تؤدی ثقافة العمل الجبریة، تردی الأوضاع الاقتصادیة، وضعف الموارد  إلى مزید من النشاط السیاسی،  وطموح ورغبة فی التغییر. لان العمل وتحمل المسئولیة –تعبیر عن نضج الشخصیة- لا یتیحان الوقت للمعارضة. وتتمشی هذه النتیجة مع دراسة "جالجو" عن الجماعات المتدنیة طبقیا والأکثر تهمیشا کالنساء لأنها تعانی من غیاب فی المهارات المدنیة والمعلومات السیاسیة وقلة العمل مما یزید من أعباءها البنائیة  بدون قصد.

 ( 4 ) الانتماء الحزبی       

جدول رقم (5-8)

نتائج اختبار "ت" بین متوسط درجات المشارکة السیاسیة الأربعة (متغیر الانتماء الحزبی)

المحاور

ینتمی

غیر منتمی

قیمة ت

مستوی الدلالة,.5

م1

ع1

م2

ع2

المشارکة التقلیدیة

16.62

4.837

12.98

3.265

6.176

,001

المشارکة غیر التقلیدیة

28.97

6.789

21.87

4.345

9.016

,001

المعارضة السیاسیة

16.47

5.023

13.13

3.175

5.787

,001

المشارکة الابداعیة

33.12

6.628

29.07

6.065

3.779

,001

إجمالی

34

691

 

     وبمقارنة الفروق فی المتوسطات بین المنتمین وغیر المنتمین،  أتتضح أن الانتماء الحزبی عامل ومحرک ایجابی نحو المشارکة بکافة أشکالها رغم غیاب الأوعیة الحزبیة والمدنیة وسط الطبقات الشعبیة،  وضعف رأس المال السیاسی والاجتماعی بوجه عام،  وغیاب الأسالیب المؤسسیة  إلا أنه تظل الأحزاب السیاسیة حاضرة فی التعبئة السیاسیة، وخاصة أن الطبقات الشعبیة هی التی تحیط بالأحزاب رغم استمالة  الأحزاب لها بصور حسیة ونفعیة .

 

 

 

 

 

 

 ( 5 ) العضویة فی الجمعیات التطوعیة       

جدول رقم (5 -9)

نتائج اختبار "ت" للکشف عن الفروق بین متوسط درجات المشارکة السیاسیة والعضویة

المحاور

عضو

غیر عضو

قیمة ت

مستوی الدلالة,.5

م1

ع1

م2

ع2

المشارکة التقلیدیة

14.50

4.530

12.97

3.231

3.863

,001

المشارکة غیر التقلیدیة

24.44

6.274

21.90

4.409

4.688

,001

المعارضة السیاسیة

14.25

4.145

13.17

3.220

2.799

,005

المشارکة الإبداعیة

31.11

6.340

29.02

6.086

2.939

,001

إجمالی

84

641

 

     هل هناک علاقة بین الانضمام إلى الجمعیات التطوعیة وأبعاد المشارکة السیاسیة؟. کشفت بیانات الجدول السابق عن وجود علاقة ایجابیة لصالح العضویة فی الجمعیات العضویة عن غیر الأعضاء. ویرجع ذلک إلى ما تغرزه المشارکة الطوعیة کشکل حقیقی للمشارکة من التقالید المدنیة الایجابیة،  وإن فضلت العینة الفعل الفردی المباشر من إخراج الصدقات وتوزیعها کنشاط طوعی موازی. وتتفق هذه النتیجة مع التراث البحثی عن علاقة الانخراط فی الأوعیة المدنیة والسیاسیة وفاعلیة المشارکة السیاسیة.

 ( 6 ) السفر إلى الخارج       

 

 

 

 

 

جدول رقم (5-10)

نتائج اختبار "ت" عن الفروق بین متوسط درجات المشارکة السیاسیة والسفر إلى الخارج

م

 

المحاور

سافر إلى الخارج

لم یسافر

قیمة ت

مستوی الدلالة,.5

م1

ع1

م2

ع2

1

المشارکة التقلیدیة

14.47

4.038

12.64

3.024

6.634

,001

2

المشارکة غیر التقلیدیة

23.12

5.418

21.84

4.382

3.315

,001

3

المعارضة السیاسیة

13.53

3.745

13.20

3.188

1.198

,005

4

المشارکة الإبداعیة

30.51

6.092

28.78

6.106

3.441

,001

 

إجمالی

204

521

 

     یوضح الجدول وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فی متوسط الدرجة الکلیة للمحاور الأربعة للمشارکة ومتغیر السفر إلى الخارج، أی أنه لا یوجد تقارب علی أساس السفر إلى الخارج. تبرز هنا أحد الحقائق السوسیولوجیة الثابتة وهی الرغبة الشدیدة فی السفر مع بقاء المعارضة خارج الصورة لأنها نموذج غیر مرغوب فی الداخل وحتى الخارج لدی الطبقات الشعبیة. هذا یعنی أن الشعور بعدم الرضا والامتعاض هی الحالة السائدة لمیکانیزم المعارضة فی الداخل والخارج مع البقاء علی قبول هیمنة الدولة .بالتالی،  تظل تحت وطأة الأزمة المجتمعیة حتى فی المستقبل ولن تحل بقرارات وزاریة بالدعم ورفع الأجور وتشغیل الشباب، بل تضع الدولة دوما تحت الرقابة الاجتماعیة.

 

 

 

 

 

    ( 7 ) انقسام المجتمع

جدول رقم (5-11)

نتائج اختبار "ت" عن الفروق بین متوسط درجات المشارکة وإنقسام فی المجتمع

المحاور

انقسم

لم ینقسم

قیمة ت

مستوی الدلالة,.5

م1

ع1

م2

ع2

المشارکة التقلیدیة

13.17

3.418

13.06

3.560

.294

,796

المشارکة غیر التقلیدیة

22.20

4.712

22.21

4.835

-.038

,970

المعارضة السیاسیة

13.32

3.261

13.12

3.836

.600

,549

المشارکة الابداعیة

29.33

6.123

28.88

6.294

.710

,478

إجمالی

613

112

 

     هناک فروق غیر دالة فی متوسط الدرجات بین الأشکال الأربعة للمشارکة عن الانقسام داخل المجتمع بین المجتمع - وإن کانت الفروق لیست بالکبیرة. ویرجع ذلک إلى إن ثمة حقائق اجتماعیة  بنائیة ظاهرة تشکل أفعال العینة تعبر عن الظلم استشعره البعض،  وهذا دلیل وجود درجة بین عدم الاتفاق عن تحدید أهم المشکلات والتحدیات، ورؤیتها لأشکال التضامن الاجتماعی، وغیاب واضح للنشطاء السیاسیین.

- مناقشة نتائج السؤال الرابع

   یحاول هذا الجزء الإجابة عن السؤال عن وجود علاقة بین محاور  المشارکة السیاسیة المتعارفة أو المألوفة بین سکان الطبقات الشعبیة و ومستوی السیاق والرؤیة الطبقیة.

 

 

 

 

جدول رقم (5-12)

نتائج تحلیل التباین فی اتجاه وأحد لدراسة الفروق بین التعلیم ومتغیرات المشارکة

الدلالة

قیمة F

 

متوسط المربعات

درجات الحریة

مجموع المربعات

المتغیر

البیان

.000

11.214

123.831

5

619.155

ما بین المجموعات

المشارکة التقلیدیة

11.042

719

7939.458

داخل المجموعات

724

8558.612

إجمالی

.003

3.579

.003

5

393.070

ما بین المجموعات

المشارکة غیر التقلیدیة

21.964

719

15792.329

داخل المجموعات

724

16185.399

إجمالی

.060

غیر دال

2.128

23.760

5

118.801

ما بین المجموعات

المعارضة السیاسیة

11.167

719

8028.790

داخل المجموعات

724

8147.592

إجمالی

.000

11.802

 

.000

5

2075.453

ما بین المجموعات

المشارکة الإبداعیة

25.20

719

25287.229

داخل المجموعات

724

27362.681

إجمالی

  من خلال دراسة الفروق فی متوسط الدرجة الکلیة للمحاور الأربعة التی ترجع إلى متغیر التعلیم (اختبار ف ) کمحک للسیاق الطبقی. یوضح الجدول وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فی المحور الأول المشارکة التقلیدیة،  والمحور الثانی المشارکة غیر التقلیدیة، والمحور الرابع المشارکة الإبداعیة باستثناء المحور الثالث المعارضة السیاسیة غیر دالة. ونظرا لوجود فروق معنویة بین متوسطات فی التعلیم نلجأ إلى استخدام طریقة التحلیل البعدی post hoc  فما الفئة وراء هذا الاختلاف. توضح نتائج التحلیل البعدی أن الطبقات الدنیا الأقل تعلیما هی الأقل تأثیراً فی المشارکة السیاسیة بأشکالها الأربعة علی عکس الطبقة الوسطی الدنیا ذات التعلیم العالی ذات تأثیر ایجابی. ویرجع ذلک إلى إن الطبقات الدنیا ما زالت لدیها تصوراتها النمطیة فهی تشعر بالاحباطات لأن المشارکة لا تقدم لها الکثیر بل تزید لدیها الشعور بالهامشیة والضغط والرؤى السیاسیة السلبیة.

      ویتفق هذا مع الجرامشیة التی رأت الفارق بین الطبقتین راجع طریقة تشکل الحس العام للفوز بمساندتها اکبر من الطبقة الوسطی حین الطلب "طبقة مأجورة " وکذا الطبقات العاملة سواء فی القطاع الرسمی وغیر الرسمی، فتظل علی حبیسة دائرة ثقافیة ضیقة مستقبلة من الآخرین –هول- وغیر درایة بالتغییر وتستنسخ الطبقات الشعبیة بقبول استراتیجیات الهیمنة وکأنها أحدی تقسیمات الرأسمالیة .وتسترسل الجرامشیة الجدیدة فی شرح أسباب هذا الشعور فی أنها صارت قوالب ثقافیة جامدة غیر منتجة لا تتمفصل/معزولة عن الدولة، تعبر عن طریقة حیاة کلیة أو أفعال طبقیة ممیزة عن غیرها. ولهذا، تظهر دوما حریصة علی إرضاء الحکومة ولو علی حساب مشارکتها. أما الطبقة الوسطی الفقیرة فما زالت تری فی أشکال المشارکة السبیل للوصول إلى طموحاتها الفکریة، فتبقی المشارکة شغلها الشاغل. فهل أثرت بعض المتغیرات البنائیة علی تحجیم هذا التطلع أم العکس؟

جدول رقم (5-13 )

یوضح معامل بیرسون بین محاور المشارکة السیاق البنائی والثقافی

المشارکة التقلیدیة

.159**

.110**

.204**

.219**

.198**

المشارکة غیر التقلیدیة

-.095*

.032

.107**

.109**

.040

المعارضة السیاسیة

-.065

-.076*

.076*

.102

.024

المشارکة الإبداعیة

.034

.034

.196**

.233**

.199**

الدرجة الکلیة للمشارکة

.007

.037

.204**

.233**

.166**

     تنحصر الإجابة فی معرفة اثر التفاعل بین محاور المشارکة والسیاق البنائی الثقافی، والذی تبین من الجدول السابق وجود معاملات ارتباط إحصائیة فی متوسط الدرجة الکلیة للمحاور الأربعة وبین (متوسط العمر، مدة الإقامة فی الحی،  الدخل، سنوات التعلیم، حجم الاستهلاک). یعنی هذا وجود تأثیر طردی ضعیف علی کافة أشکال المشارکة، وإن کان عکسیا مع العمر والإقامة فی الحی فی المشارکة غیر التقلیدیة والمعارضة السیاسیة، مما یشیر إلى استمرار بعض أنماط المشارکة فی المستقبل، مزید من الخصوصیة المحلیة، تحسن فی الأوضاع الاقتصادیة،  زیادة سنوات التعلیم، والرغبة فی الاستهلاک. إذن، الظروف البنائیة لا تمارس الاکراهات علی محاور المشارکة الآنیة،  بل ثمة تغیرات فی ساحة المصالح مستقبلا، قد تعزو إلى ظهور محاور جدیدة للمشارکة متمفصلة مع المحاور الأربعة الحالیة.  وتتیح النتیجة السابقة لنا افتراض أن ثمة أشکال أخری من المشارکة الکامنة وفقا لمتغیر التعلیم کمحک موضوعی وبنائی فی تشکیل الخطاب الرمزی للطبقات الشعبیة،  وهذا ما أوضحه التحلیل العاملی.

- مناقشة نتائج السؤال الخامس

جدول (5-14) یوضح نتائج التحلیل العاملی علی المتغیرات الفرعیة المتشبعة ودرجات المشارکة السیاسیة بعد التدویر

المحور الفرعی 1

درجة التشبع

 

أوضح للناس أن السیاسة یمکن أن تصلح بین الناس

490.

 

أتابع أکثر من قناة سیاسیة بهدف مزید من المعرفة السیاسیة

735.

 

أطیع أوامر الرؤساء وأولوا الرأی علی قناعة بأنها صحیحة

854.

 

التفکیر فی شغل منصب سیاسی فی الفترة القادمة

898.

 

أعطی الأولویة لأصحاب الکفاءات دون غیرهم

868.

 

المحور الفرعی 2

درجة التشبع

 

التوقیع علی الشکاوی باستمرار

398.

 

المشارکة فی المقاطعة أو العصیان المدنی

640.

 

التهدید بالذهاب إلى الإضرابات والاعتصامات

641.

 

المشارکة فی إضرابات عنیفة

715.

 

غلق المبانی والمصانع حتى یستجاب لمطالبها

724.

 

تنظیم وقفات أمام مکتب المحافظ وکبار المسئولین

662.

 

الاستخفاف بالرأی الأخر المعارض

454.

 

المحور الفرعی 3

درجة التشبع

 

الاتصال بمسئول فی المحلیات

814.

 

الاتصال برئیس الحی أو أی موظف بالمجلس المحلی

760.

 

الاتصال بعضو فی البرلمان

597.

 

حضور اجتماعات أو توجهت إلى المجالس المحلیة

609.

 

حضور لقاءات انتخابیة

570.

 

المحور الفرعی 4

درجة التشبع

 

تنظیم وقفة احتجاجیة مع آخرین

575.

 

لصق ملصقات علی الحائط

649.

 

توزیع شعارات انتخابیة

699.

 

الحصول علی تصریح بعمل دعایة لمرشح أو عقد مؤتمر له

741.

 

قضاء بعض الوقت عند مرشح أو عضو فی حزب سیاسی

513.

 

المحور الفرعی 5

درجة التشبع

 

تنظیم حفلات أو أفراح فی الحی مع الجیران

537.

 

منع وجود مشاجرات بین الجیران، أو أبناء الحی

718.

 

أقوم بتوعیة الناس عن الفساد، کالرشوة والمحسوبیة

530.

 

توزیع صدقات علی المحتاجین من أهل الحی

514.

 

المحور الفرعی 6

درجة التشبع

 

أشارک فی أی برنامج حکومی یخدم أهل المنطقة

444.

 

انضم لأنشطة جمعیة  تعمل لحمایة المستهلک ومحاربة الغلاء

680.

 

أتابع أی شکوى لمسئول کبیر حتى اخذ حقی عنده

712.

 

المحور الفرعی 7

درجة التشبع

 

جمع توقیعات عن مشکلة ما

700.

 

حضور مجالس عرفیة لحل مشکلة فی الحی

552.

 

توزیع صدقات علی المحتاجین من أهل الحی

621.

 

المحور الفرعی 8

درجة التشبع

 

المشارکة فی مقاطعة سلع أو الدخول فی إضرابات

459.

 

أشارک فی برنامج حواری إذاعی أو تلفزیونی

699.

 

کتابة شکوى لصحیفة أو جریدة ما

671.

 

المشارکة فی لقاءات، والاستماع  لما یدور حولی

316.

 

لمحور الفرعی 9

درجة التشبع

مناقشة السیاسة مع الآخرین

595.

الالتزام بالشکل القانونی للمظاهرات

672.

المشارکة فی مظاهرة سلمیة

334.

المحور الفرعی 10

درجة التشبع

التصویت فی کل الانتخابات العامة القادمة

707.

التصویت لمرشح حزبی

573.

أشارک فی الانتخابات دون ضغوط إعلامیة أو شخصیة وحزبیة

589.

  یحاول هذا الجزء الإجابة عن وجود علاقة تمفصل بین المحاور الأربعة للمشارکة وظهور أشکالا بنائیة وثقافیة جدیدة کامنة تنبؤ عن محاور جدیدة فی المستقبل. یقترح الجدول السابق عشرة  عوامل تسوق المشارکة وهی:

   1- العامل الأول: تشبع علیه خمسة متغیرات هی: أوضح للناس أن السیاسة یمکن أن تصلح بین الناس ... وتشیر هذه المتغیرات إلى الرؤیة المحلیة لا القومیة، وفهم للمواطنة والتزاماتها علی أنها مجال للزعامة لا الاندماج فی الواقع الفعلی للدولة الحدیثة. ویقترح تسمیته (الرؤیة المحلیة البحتة).

   2- العامل الثانی: تشبع علیه سبعة متغیرات هی: التوقیع علی الشکاوی باستمرار،  المشارکة فی المقاطعة أو العصیان المدنی... وتشیر هذه المتغیرات إلى انخفاض وعزوف عن المشارکة، ربما یرجع إلى نوعیة التحول الدیمقراطی الذی قد یمتص غضب الناس أو یعجز عن إخراجهم من دائرة القنوط والامتعاض. وتظهر هذه الأشکال مع حدوث تغیرات مفاجئة مما یزید معه رفع سقف المشارکة فی الانخراط الشعبی فی السلوکیات السیاسیة الیومیة غیر الانتخابات. ویقترح تسمیتها ( الالتزام الغامض ).

    3- العامل الثالث: تشبع علیه خمسة متغیرات منها:  الاتصال بمسئول فی المحلیات ... وتشیر هذه المتغیرات إلى مازالت الطبقات الشعبیة تفضل العلاقات الشخصیة المباشرة أو الحدیث الودی مع المواطنین الأصدقاء ممن یمثلونهم فی المجالس المحلیة أکثر من التصویت فی الانتخابات الدوریة أو التفاعلات الوجه بالوجه لعدم حضور فی البرلمان وهذا تعبیر عن الاستیاء الشعبی، ویقترح تسمیتها (الاتصال بالتمثیلات المحلیة) .

    4- العامل الرابع : تشبع علیه خمسة متغیرات  وهی: تنظیم وقفة احتجاجیة مع آخرین،  لصق ملصقات علی الحائط ... وتشیر هذه المتغیرات إلى إن من اجل تعزیز موارد المشارکة، لابد من توفر کوکبة من الأحزاب السیاسیة تملک الآلیات التی تصل بالمواطن برسائله السیاسیة إلى المرکز، وربط بین المرکزیة والمحلیة. وتستکمل هذا الدور المرکزی التنظیمات التطوعیة فی التعلیم المدنی لضعف الاعتبار المؤسسی فی المجتمع السیاسی والمدنی،  تنحصر العلاقة بین المرکزیة والمحلیة فی أشکال تقلیدیة مألوفة بین المواطنین،  ولیست معبرة عن القیم العامة،   ویمکن تسمیتها (الفجوة بین المرکزیة والمحلیة).

     5- العامل الخامس : تشبع علیه أربع متغیرات منها: تنظیم حفلات أو أفراح فی الحی مع الجیران ... وتشیر هذه المتغیرات إلى وجود حالة من الحوار /المحادثات السیاسیة بین المواطنین علی الموارد النسبیة سواء تنظیمیة، اجتماعیة، وثقافیة، وتخفف من حدة المشکلات المحلیة. ویمکن تسمیتها (الاتصالات التعبیریة).

    6- العامل السادس: تشبع علیه ثلاث متغیرات منها: المشارکة فی البرامج الحکومیة... وتعبر عن العلاقة بین میول المواطنین والتصرفات السیاسیة، والثقة فی الحکومة فی تقدیم التدابیر الاجتماعیة کالبرامج الحکومیة، وحمایة المستهلک، والثقة فی استجابة المسئولین،  والرضا عن الحیاة. ویمکن تسمیة هذا العامل الرضا عن الحیاة 

    7- العامل السابع: تشبع علیه متغیرات منها: جمع توقیعات عن مشکلة ما ... وتشیر هذه المتغیرات إلى المشارکة الروتینیة للمواطنین التی لا تخضع إلى قواعد الدخول فی العملیة السیاسیة، آو تحرکها الصفوة السیاسیة بل یتمتع المواطنین فیها بحریة الاختیار الطوعی .ویمکن تسمیتها ( الالتزام السیاسی الطوعی ).

   8- العامل الثامن: تشبع علیه أربعة متغیرات وهی: المشارکة فی مقاطعة سلع أو الدخول فی إضرابات،  أشارک فی برنامج حواری إذاعی أو تلفزیونی،  کتابة شکوى لصحیفة أو جریدة ما،  المشارکة فی لقاءات، والاستماع  لما یدور حولی. وتشیر هذه المتغیرات إلى أن التوجهات نحو المشارکة ما زالت مرتبطة بالدور السیادی للدولة،  والشکل التقلیدی للحکومة التی تسمح أو تتضیق هامش المشارکة وخاصة مع قلة الموارد السوسواقتصادیة، وهذا عهد الطبقات الشعبیة بالدولة والحکومة  (الدولة- الرعیة). ویمکن تسمیتها ( التشیع لسیادة الدولة ).

   9- العامل التاسع: تشبع علیه ثلاث متغیرات: مناقشة السیاسة مع الآخرین، الالتزام بالشکل القانونی للمظاهرات ... وتشیر هذه المتغیرات إلى تحولات اجتماعیة وإن کانت جاءت عبر المظاهرات فی الشوارع، الا أنه لیس بالضرورة ان یکون مصاحب ارتفاع فی الانخراط فی العملیة السیاسیة،  مما یوضح ان التعبئة قد  تکون بین کافة الشرائح السوسیواقتصادیة دون استثناء. ویمکن تسمیتها (التسامح السیاسی)

     10- العامل العاشر: تشبع علیه ثلاث متغیرات وهی: التصویت فی کل الانتخابات العامة القادمة ... وتشیر هذه المتغیرات إلى  الشکل التقلیدی للمشارکة، وهذا النشاط موجود فی کافة الأطر الاجتماعیة. وهذا النوع یفضله القادة والنخبة السیاسیة وما زالت الطبقات الشعبیة مقیدة به. ویمکن تسمیتها (المشارکة المأجورة).

 

سادسا: استنتاجات عامة:

         لا توجد فی حدود علمی أی دراسة سابقة تتناول بالشرح والتحلیل أنماط المشارکة داخل الطبقات الشعبیة علی نحو شامل أو مقارن. من هنا بات من الواجب تقدیم محاولة أولیة فی طریق طویل للنضال السیاسی. أوضحت الدراسة إن مشارکة الطبقات الشعبیة لیست نابعة من مواردها، وظروفها المجتمعیة، وطابعها المعرفی. بهذا نخالف التراث البحثی رغم أنها واقعة تحت جملة من الأعباء: الأعباء الطبقیة بسبب زیادة الفروق الاقتصادیة، أعباء الشعور بالظلم فی توزیع الدخل بمستویاته الدنیا، أعباء الاستبعاد من التوقعات الاجتماعیة (نقص المکانة)، أعباء الاستبعاد من الفوائد الشخصیة للتکامل الاجتماعی،  أعباء الاستبعاد من التنظیمات العامة والخاصة والتی تنتج الفرص الاجتماعیة والاقتصادیة کالصحة والتعلیم والتأمین. أیضا، کشفت النتائج دور التعلیم والنوع کمحددات طبقیة فارقة -لم تتأثر بالتحولات- وشاهدان علی تراجع القیم المؤسسیة مقابل القیم الثقافیة لغیاب التنسیق مع الدولة علی أی أجندة محلیة. علاوة علی غیاب واضح لتنظیمات المجتمع المدنی مما جعل مشارکة الطبقات الشعبیة دوما خارج دوائرها، وهذه قضیة نظریة تحتاج لبحث فی المستقبل.

        أظهرت الدراسة غیاب واضح للمناخ الدیمقراطی او المظلة السیاسیة الحامیة مما جعل ساحة الانتخاب تنشط کشکل وحید. تراجعت ساحة المصالح لصالح أشکال من المعارضة الکلامیة القائمة علی الاستیاء والامتعاض مقابل حزمة من الوعود. ویدل ذلک علی إن خبرة الطبقات الشعبیة بالدولة تعکس قدر کبیر من غیاب التمفصل –الارتباط العضوی بها- بسبب الفجوة بین التوقعات والخبرات الحیاتیة، الفجوة بین المرکزیة والمحلیة، والتشیع لسیادة الدولة، والمشارکة المأجورة. ولا تنفی هذه النتائج أن الطبقات الشعبیة جماعة مجتمعیة تفکر سیاسیا کما تفکر اجتماعیا، مع ذلک تخطت أدوارها الرمزیة الصامتة إلى ادوار رمزیة جدیدة شریطة ارتفاع المستوی التعلیمی، وتجاوز الرؤیة النوعیة – الأعباء البنائیة والثقافیة - مثل الرؤیة المحلیة، الانخراط المفاجئ، الاتصالات التعبیریة، الرضا عن الحیاة، والالتزام السیاسی الطوعی، والتسامح السیاسی مما قد یوسع من دائرة إنتاجها الثقافی. إن الخروج من الدائرة الثقافیة الضیقة المستهلکة والمستقبلة بفضل رأس المال الثقافی (التعلیم) یعید تمفصل الطبقات الشعبیة مع الدولة وباقی الطبقات بطریقة تعادل نضال إیقاع ثقافتها السریع، الکلمات الهابطة، لغتها المالیة، ومصطلحاتها الشعبیة.

       بهذه الطریقة نصل إلى المعرفة السیاسیة الجدیدة عن محاور جدیدة للمشارکة تتمفصل/ترتبط بالمحاور الأربعة  مع ذلک تظل بعض الفجوات أو الشقوق فی جسدها السیاسی لأنها تواجه خطر أنها رضعت داخل کتل سیاسیة مهیمنة(قبول هیمنة الدولة والتعایش معها) ومن الصعب فطامها. فی نهایة الأمر، إن العلاقة بین الدولة والطبقات الشعبیة لیست علاقة الخیر بالشر إنما علاقة تعتمد علی مدی إقبال البسطاء علی نموذج من الدولة تقف فی منطقة مجتمعیة وسطی ( بتعبیر الجرامشیة الجدیدة : التوازن فی العلاقات). ولا تنکر النتائج وجود تحرک فی هذه الدائرة الثقافیة بفضل التعلیم والنوع بحیث تحسست الکتلة المحایدة غیر منتجة ثقافیا (تقبل الهیمنة) طریقها إلى إن تصیر الکتلة الترویجیة غیر المشفرة ثقافیا، الرافضة للهیمنة، لتخرج عن عزلتها/ تمفصلها إلى التصالح مع الطبقات الأخرى. ویطرح الموضوع الأخیر بحوث مستقبلیة عن علاقة الطبقات الشعبیة ببعض الطبقات الاجتماعیة العلیا،   والمجتمع المدنی،  أو دراسات فی المدن الأخرى لأجل مزید من المعرفة السیاسیة کنوع من التجریب الاجتماعی.

 

 

 


*مدرس علم الاجتماع بکلیة الآداب جامعة بنی سویف

                                                   

قائمة المراجع
1-  زاید،  احمد،  (2001)،  مقدمة فی علم الاجتماع السیاسی، القاهرة : مکتبة الانجلو المصریة .
2-  مایر، توماس وادود فورهولت، (2010)،  المجتمع المدنی والعدالة،  ترجمة راندا النشار واخرون،  العدد 1402،  القاهرة: المشروع القومی للترجمة.
3-  محمد، کولفرانی،  (2013)،  المشارکة السیاسیة للمرأة بالمغرب: الدلالة الثقافیة والاحتجاجیة،  فی: المجلة العربیة للعلوم السیاسیة،  العدد 37.
4-  وحیدة،  بو رغدة،  (2012)،  المشارکة السیاسیة والتمکین السیاسی للمرأة العربیة: حالة الجزائر،  فی : المجلة العربیة للعلوم السیاسیة،  العدد 36 .
5-   Amin, A., (1999), An institutionalist perspective on regional economic development, in: International Journal of Urban and Regional Research, vol. 23.
6-  Booth J.A., & Richard, P.B.,(1998), Civil Society, Political Capital and Democratization, in: Journal of Politics, Vol. 60, No.3.
7-  Bourdieu, P, (1994), Rethinking the state: genesis and structure of the bureaucratic field, in: Sociological Theory, vol.12, no. (1). 
8-  Bratton, Michael, (1999), Political Participation in a new democracy, in:      comparative Political Studies, vol. 32, no. 5.
9-  Burnell, P., & P. Calvert, eds., (2004), Civil Society in Democratization”, (London:  Portland, co.
10-  Colliers, Ruth Berins & Handlin, S., eds., (2009),Reorganizing Popular Politics: participation and The new interest regime in Latin America, Pennsylvania :University Park.
11-  Dahrendorf, R., (2003), The Challenge for Democracy, In: Journal of Democracy, No 4.      
12-  Dietz, Henry,(1998), urban Poverty, Political Participation and The state, (Pittsburgh, PA: University of Pittsburgh Press, 1998).
13-   Dryzek, J. S., (1996), Political Inclusion and the Dynamics of Democratization, in: American Political Science Review, Vol.90.
14-  Ehteshami, A. & Murphy, Emma C.,(1996), Transformation of the Corporatist State in the Middle East, in:  Third World Quarterly, Vol. 17, No. 4.
15-   Fouveraker, J., & Craig, A. L., (1990), Popular Movements and Political Change in Mexico, London: Lynne Rienner Publishers, Inc.
16-  Gallego, Aina, (2008), Unequal Political Participation in Europe, in: International Journal of Sociology, Vol. 37, no. 4.
17-  Hall, S., (1996), Gramsci’s relevance for the study of race and ethnicity. In: Morley D, & Chen K-H (eds.) Stuart Hall: Critical Dialogues in Cultural Studies, London: Routledge.                                                                                                               
18-  Hart, Gillian.,(2007), Changing Concepts of Articulation: Political Stakes in South Africa Today,in:  Review of African Political Economy, Vol. 34, No. 111.           
19-  Hollingsworth, J. R., (2000), Doing institutional analysis: Implication for the study of innovations, in: Review of International Political Economy, vol.7.                   
20-  Hunt, Alan & Gary Wickham, (1998), Foucault and Law: Toward Sociology of Law as Governance, UK: Stanford Desktop Publishing Services.          
21-  Hutchison, J., (2007), “The “Disallowed “Political Participation of Manila’s Urban Poor, in: Democratization, no. 22.
22-  Ismail, Salwa, (2006), Political life In Cairo’s new Quarters: Encountering the everyday state, Minnesota: university of Minnesota. 
23-  Jacobs, L. R., & Shapiro, R. Y.,(2000), Politicians Don't Pander, (Chicago: University of Chicago Press, 2000), p13.
24-  Jacobs, L. R., Fay Lomax Cook & Carpini, Mchael V.Dell (2009), Talking Together: Public Deliberation and political Participation in America, The university of Chicago Press.                                                                              
25-  Jenkins, C., & Brents, B., (1989), Social Protest, Hegemonic Competition, and social reforms, in: American sociological Review, Vol 54.      
26-  Juan, Epifanio San J R.,(2009), Antonio Gramsci’s theory of the “national-popular” and socialist revolution in the Philippines, in: Joseph Francese, ed., Perspectives on Gramsci: Politics, culture and social theory, N.Y: Routledge.
27-  Lawless, Jenifer L., & Fox, (2001), Richard L., Political Participation of the Urban Poor, in: social Problems, Vol 3.                                                                
28-  Li, Yaojun & Marsh, D.,(2008), New Forms of Political Participation, in: British Journal of Political Science, Vol. 38, No. 2
29-  Mansbridge, J., (2003), Rethinking Representation, in: The American Political Science Review, Vol. 97, No. 4.
30-  Marinetto, M., (2007), Social Theory, the State and Modern society, N.Y: Mac Craw-Hill, Open University Pres..                                                         
31-  Micheletti, M, (2011), “Creative Participation: Responsibility -talking in the Political World”, London: Paradigm Publishers.
32-  Morton, A. David, (2003), Social Forces in the struggle over Hegemony: Neo Gramscian Perspectives, in: Culture & Society, Vol.15, no.2.
33-  Okar, E. L. & Zerhouni, S., (2008), Participation in the Middle East, London: Lynne Rienner Publishers.
34-  Oxborn, P., (1995), From Controlled Inclusion to Coerced Marginalization, in: john A. Hall, ed., Civil Society: Theory, History, Comparison, London: Polity Press.   
35-  Pierson, C., (2004), the Modern State, London: Routledge.
36-  Pile, Steve, (2007), Opposition, Political Identities and spaces of Resistance, in: Steve Pile and M.Keith, eds., Geographies of Resistance, London: Routledge. 
37-  Putnam, R., (1993), Making Democracy Work: Civic Traditions in modern Italy, (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1993), p 27.                                           
38-  ـــــــــــــــــــــــ.,(1995), 'Bowling Alone: America's Declining Social Capital', Journal of Democracy, no.6.
39-  Rosenan, P. M., & Paehlke, R.,(1990), The Exhaustion of the left and Right, In: International Political Science Review, vol.11,no.1.   
40-  Sharp, Elaine B., (2009), Local Government, Social Programs, and Political Participation, in: State & Local Government Review, Vol. 41, No. 3.
41-  Singerman, Diane, (1995), Avenues of Participation, Politics and Networks in urban Quarters of Cairo, N.J: Princeton University Press,.
42-  Storey, J., (2001), Cultural Theory and Popular Culture, N.Y: prentice Hall. 
43-  Sullivan, A., (2001), Cultural Capital and Educational Attainment, in: Sociology, Vol. 35.                                                                                                                      
44-  Talket, Ann, et.al, (2009), Theorizing Social Exclusion, (London: Routledge.      
45-  Tancho, K. Wendy & Rudolph, T. J., (2008), Emanating Political participation, in: British Journal of Political Science, Vol 38, No. 2.
46-  Torfing, J., (2005), The Linguistic Turn, in: Thomas Janoski and others, eds., The Handbook of Political Sociology, UK: Cambridge University Press.
47-  Verba, S., K.L Schlozman, & Brady, H.E. (1997), The Big Tilt: Participatory Democracy in America, In: American Prospect, no.32.            
48-  ـــــــــــــــــــــــــ(1999), Civic Participation and The equality problem, in: Civic Recent Engagement in American Democracy, Skocpol,S., & Fiorina,M. P. eds., N.Y: Brookings Institution Press and Russell Sage Foundation.
49-  Verba, S., (2004), Would the Dream of Political Equality Turn Out to Be a Nightmare?" in: Perspectives on Politics, vol. 1, no. 4.                                                               
50-  Ulvila, M., & Hossain, Farhad, (2002), Development NGOs and Political Participation of the Poor in Bangladesh and Nepal, in: Voluntas: International Journal of Voluntary and Nonprofit Organizations, Vol. 13, no. 2.
51-  Wetherly, P., (2005), Marxism and the State: An Analytical Approach, (UK: Palgrave Macmillan Ltd., 2005), Pp83-88.